المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة


حور العين
06-08-2015, 04:34 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة هـ
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏

خرج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب إلى نسا

فقاتله بها، وسبى نساءه وذراريه‏.‏

واستقامت خراسان‏.‏

وحج بالناس فيها الرشيد ومعه أبناه محمد الأمين، وعبد الله المأمون،

فبلغ جملة ما أعطى لأهل الحرمين ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار،

وذلك أنه كان يعطي الناس فيذهبون إلى الأمين فيعطيهم، فيذهبون

إلى المأمون فيعطيهم‏.‏

وكان إلى الأمين ولاية الشام والعراق، وإلى المأمون همدان

إلى بلاد المشرق‏.‏

ثم تابع الرشيد لولده القاسم من بعد ولديه، ولقبه‏:‏ المؤتمن، وولاه

الجزيرة والثغور والعواصم، وكان الباعث له على ذلك أن ابنه القاسم

هذا كان في حجر عبد الملك بن صالح، فلما بايع الرشيد لولديه كتب إليه‏:‏

يا أيها الملك الذي * لو كان نجماً كان سعدا

اعقد لقاسم بيعةً * واقدح له في الملك زندا

فالله فرد واحد * فاجعل ولاة العهد فردا

ففعل الرشيد ذلك، وقد حمده قوم على ذلك، وذمه آخرون‏.‏

ولم ينتظم للقاسم هذا أمر، بل اختطفته المنون والأقدار

عن بلوغ الأمل والأوطار‏.‏

ولما قضى الرشيد حجه أحضر من معه من الأمراء والوزراء، وأحضر

وليي العهد‏:‏ محمداً الأمين، وعبد الله المأمون‏.‏

وكتب بمضمون ذلك صحيفة، وكتب فيها الأمراء والوزراء خطوطهم

بالشهادة على ذلك، وأراد الرشيد أن يعلقها في الكعبة فسقطت فقيل‏:‏

هذا أمر سريع انتقاضه‏.‏ وكذا وقع كما سيأتي‏.‏

وقال إبراهيم الموصلي في عقد هذه البيعة في الكعبة‏:‏

خير الأمور مغبةٌ * وأحق أمرٍ بالتمام

أمر قضى أحكامه الر * حمن في البلد الحرام

وقد أطال القول في هذا المقام أبو جعفر بن جرير وتبعه

ابن الجوزي في المنتظم‏.‏

وفيها توفي من الأعيان‏:‏

أصبغ بن عبد العزيز بن مروان

ابن الحكم، أبو ريان، في رمضان منها‏.‏

وحسان بن إبراهيم، قاضي كرمان، عن مائة سنة

وسلم الخاسر الشاعر

وهو‏:‏ سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء، وإنما قيل له‏:‏ الخاسر لأنه باع

مصحفاً واشترى به ديوان شعر لامرئ القيس، وقيل‏:‏ لأنه أنفق مائتي

ألف في صناعة الأدب‏.‏

وقد كان شاعراً منطقياً له قدرة على الإنشاء على حرف واحد،

كما قال في موسى الهادي‏:‏

موسى المطر غيث بكر ثم انهمر كم اعتبر ثم فتر وكم قدر ثم غفر عدل

السير باقي الأثر خير البشر فرع مضر بدر بدر لمن نظر هو الوزر لمن

حضر والمفتخر لم غبر

وذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون والفسق،

وأنه كان من تلاميذ بشار بن برد، وأن نظمه أحسن من نظم بشار

، فمما غلب فيه بشاراً قوله‏:‏

من راقب الناس لم يظفر بحاجته * وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

فقال سلم‏:‏

من راقب الناس مات غماً * وفاز باللذة الجسور

فغضب بشار وقال‏:‏ أحذ معاني كلامي فكساها ألفاظاً أخف من ألفاظي‏.‏

وقد حصل له من الخلفاء والبرامكة نحواً من أربعين ألف دينار، وقيل‏:‏

أكثر من ذلك‏.‏

ولما مات ترك ستة وثلاثين ألف دينار وديعة عند أبي الشمر الغساني،

فغنى إبراهيم الموصلي يوماً الرشيد فأطر به فقال له‏:‏ سل‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ‏!‏ أسألك شيئاً ليس فيه من مالك شيء

ولا أرزأوك شيئاً سواه‏.‏قال‏:‏ وما هو ‏؟‏ فذكر له وديعة سلم الخاسر،

وأنه لم يترك وارثاً‏.‏ فأمر له بها‏.‏ ويقال‏:‏ إنها كانت خمسين ألف دينار‏.‏

والعباس بن محمد

ابن علي بن عبد الله بن عباس، عم الرشيد، كان من سادات قريش، ولي

إمارة الجزيرة في أيام الرشيد، وقد أطلق له الرشيد في يوم خمسة آلاف

ألف درهم، وإليه تنسب العباسية، وبها دفن وعمره خمس وستون سنة،

وصلى عليه الأمين‏.‏

ويقطين بن موسى

كان أحد الدعاة إلى دولة بني العباس، وكان داهية ذا رأي‏.‏

وقد احتال مرة حيلة عظيمة لما حبس مروان الحمار إبراهيم بن محمد

بحرَّان، فتحيرت الشيعة العباسية فيمن يولون، ومن يكون ولي الأمر

من بعده إن قتل ‏؟‏

فذهب يقطين هذا إلى مروان فوقف بين يديه في صورة تاجر فقال‏:‏ يا أمير

المؤمنين ‏!‏ إني قد بعت إبراهيم بن محمد بضاعة ولم أقبض ثمنها منه

حتى أخذته رسلك، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجمع بيني وبينه

لأطالبه بمالي فعل‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏

فأرسل به إليه مع غلام، فلما رآه قال‏:‏ يا عدو الله إلى من أوصيت

بعدك آخذ مالي منه ‏؟‏

فقال له‏:‏ إلى ابن الحارثية - يعني‏:‏ أخاه عبد الله السفاح - فرجع يقطين

إلى الدعاة إلى بني العباس فأعلمهم بما قال، فبايعوا السفاح، فكان

من أمره ما ذكرناه‏.‏