المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سعة رحمة الله تعالى بعبادة


حور العين
07-12-2015, 07:50 PM
الأخ / محمد الخواص
سعة رحمة الله تعالى بعبادة
ماجد شاهين

من خلال التعاملات العامَّة في المجتمعات يتَّضح منها حجم ودور الأخلاق

والآداب في حياة الفرد والمجتمع، ويتَّضح أيضًا تغيُّر الطباع في

المعاملات، ولأن البعض تخلَّى عن الآداب العامَّة في المعاملات الفردية؛

قاد هذا التخلِّي إلى أن تغيَّرت طباع كثيرٍ من الناس؛ فصارَت تحمل الغلظة

والشدة، والعنف والقسوة؛ وذلك لعدم مراعاة الحقوق والواجبات التي

أخبرنا بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من خلال الوحي الإلهي

إلى سمات ومعالم الأمَّة الأفضل والأمَّة الوسَط، وصارت رؤية الفرد لِمَن

حوله فتبدَّلت معالم الحياة من خلال منظور السماء إلى أهل الأرض

لتحقيق الحياة الآمِنة إلى طباع وتعاملات تنتمي إلى شريعة الغاب.

فكانت أنْ تحوَّلت نظرة البشر إلى الله - عز وجل - إلى نفس النظرة

الواقعة فيما بينهم من غلظة وشدة وقسوة، فظنَّ الكثير أن الله - سبحانه

وتعالى - ليس رؤوفًا رحيمًا مثل الكثير من البشر، فكانت هذه المقولة

التي أصبحت منتشرة: (إذا كنَّا نحن لا يرحم بعضنا بعضًا، فكيف سيرحمنا

الله؟!) فانتقل سوء الظن بين العباد - وما أكثره!

- إلى اليأس من رحمة الله.

مع أن جناحا العبودية الخوف والرجاء،

وقد قال الله - عز وجل -:

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }

[الأعراف: 156].

ومن خلال هذا المنظور :

البشرى لرؤية العلاقة بين الإنسان وبين ربِّه يكون هناك تدخُّلات ليست

ببعيدة عن حياتنا، بل هي ليست وليدة هذا الجيل أو الذي قبله، بل منذ

أنْ كان سيد البشر - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخبرنا بخبر السماء

والأمم السابقة.

فإن مَن لم يفطن إلى سعة رحمة الله - عز وجل - لن يخرج عن نوعين:

1- إمَّا إنسان يرى أن ذنوبه أكبر، وأخطر من أن تُغفَر فوكَل نفسه إلى

عقله القاصِر عن إدراك رحمة الله - عز وجل -

رحمة الله واسعة، وفضله عظيم،

لكن يوم يعرف العبد أن رحمة الله واسعة وفضله عظيم، فهذا علم أن له

ربًّا وخافَه ولم يعرف الطريق إليه أو سعة رحمة الله، فكان تصرُّفه هذا.

2- ونوع آخر اصطدم بمَن يقطِّبون عن جبينهم، وظنُّوا أنهم بعباداتهم

صاروا يحكمون على عباد الله، وقد أخبرنا رسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم

- عن مثل هذه النوعية؛

فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال:

سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:

( إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين؛ أحدهما مجتهد في

العبادة، والآخر كأنه يقول: مذنب، فجعل يقول: أقصر أقصر عمَّا

أنت فيه، قال: فيقول: خلِّني وربي، قال: حتى وجده يومًا على ذنبٍ

استعظمه، فقال: أقصر، فقال: خلِّني وربي، أبُعِثتَ علينا رقيبًا؟!

فقال: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الله الجنة أبدًا، قال:

فبعث الله إليهما ملكًا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده، فقال

للمذنب: ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر

على عبدي رحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النار )،

قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتكلَّم بكلمة أوَبْقَت دنياه وآخرته؛

أبو داود وأحمد وصحَّحه الألباني.

عن ابن مسعود قال:

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك )؛

هذا حديث متفق عليه.

الصنفان السابقان هما عقليَّة مَن لم يكتمل لهم نور الرسالة السماوية،

والتشريع الرباني والمنهج الإلهي الذي أنزله الله - عز وجل – إلى

سيد الأوَّلين والآخِرين، وخير مَن خطَتْ قدماه على الأرض ليكتمل به

منهج الحياة القويمة بتشريع متكامل تام إلى أن تقوم الساعة، وقد قالها

لك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم

- فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -:

أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:

( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه

وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس

يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللَّبِنَة )،

قال:

( فأنا اللَّبِنَة، وأنا خاتم النبيين )؛

أخرجه البخاري ومسلم.

فدينك مكتمِل، وشريعتك تامَّة، فأنت الوحيد الذي تمتدُّ أصولك إلى السماء،

أنت الوحيد الذي دُوِّنت لك أفعال وأقوال مصدر تشريعك محمد –

صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى البسمة، واسمع إلى وحي السماء الصادر

من مصدر الوحي الإلهي؛ ليبين لك منهج الوسطية والرحمة في تشريع

خير أمَّة، وهو ثالث الأنواع السابقة في تعامل العقل القاصر مع سوء

ظن المخطئ.

وقال تعالى:

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }

[النساء: 48]

وقال تعالى:

{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ

لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ

إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

[الزمر: 53].

وقال - تعالى -:

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }

[الأعراف: 156]

قال - تعالى -:
{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ

كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ

ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

[الأنعام: 54].
3- عبدالرحمن بن جبير - رضي الله عنه - قال:

( أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيخ كبير هرم، سقط حاجباه

على عينيه، وهو مدعم على عصا - أي: متكئًا على عصا - حتى

قام بين يدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: أرأيت رجلاً عمل

الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته

على أهل الأرض لأوبقَتْهم - لأهلكَتْهم - أَلَهُ من توبة؟ فقال –

صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هل أسلمت؟))، قال: أشهد أن لا إله إلا الله،

وأنك رسول الله، قال: ((تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن

الله لك كلهن خيرات))، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟

قال: ((نعم، وغدراتك وفجراتك))، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم

ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر، حتى توارى

عن الأنظار )

؛ صحَّحه الألباني.

قال ابن قتيبة في \"غريب الحديث\"؛ للخطابي:

\"أراد أنه لم يدع شيئًا دعته نفسه إليه من المعاصي إلا ركبه؛ وذلك

مصداقًا لقوله - تعالى -:

{ إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا

فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }

[الفرقان: 70]\".

وانظر إلى استفاضة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم

- في توضيح سعة رحمة الله:

1- عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

( لما قضى الله الخلق كتب كتابًا، فهو عنده فوق عرشه،

إن رحمتي سبقت غضبي )؛

هذا حديث متفق عليه.

2- حديث أبي هريرة، قال:

سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:

( جعل الله الرحمة مائة جزء؛ فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا،

وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق،

حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ خشية أن تصيبه )؛

أخرجه البخاري.

قال ابن أبي جمرة:

\"خص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطَبُون

حركته مع ولده، ولما في الفرس من الخفَّة والسرعة في التنقُّل، ومع ذلك

تتجنَّب أن يصل الضرر منها إلى ولدها\"؛

\"فتح الباري\".
3- عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

( إن لله مائة رحمة، واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام،

فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها يتعاطف الوحوش على

أولادها، وأخَّر تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة )؛

هذا حديث متفق عليه.

4-( إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة،

كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض

رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها

على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة )؛

أخرجه مسلم.