المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النية


حور العين
07-14-2015, 05:39 PM
الأخت / الملكة نـــور
النية
الاستقامة في مائة حديث نبوي
الدكتور محمد زكي محمد خضر

تـقـــديـــم :

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد

النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين .

ورغم أن بين دفتي الكتاب أكثر من سبعين حديثا آخر ضمن الشرح

أو الهوامش ، لكنه لا يكاد يستوعب جميع مضامين الاستقامة ، فكل

موضوع من مواضيع الأحاديث المائة فيه عشرات من الأحاديث ويستحق

كتابا خاصا ربما في مائة حديث.. ولكن ندعو الله أن تكون هذه الأحاديث

مصابيح لسالكي طريق الاستقامة ، كي يتعلموها ويتمعنوا فيها ويعملوا

بها ويدعوا إلى ما فيها.

هذا الكتاب لا يكاد يتجاوز إعطاء إشارات عما ورد فيه من أحاديث

صحيحة.. فما هو إلاّ تأملات في ظلال هذه الأحاديث.. وهل يمكن أن

يحوي كتيبا صغيرا كهذا شرحا للاستقامة التي مجالها العملي

هو الدين كله ، بعد مجال الجزء النظري من الدين أي العقيدة ؟

لقد تم توزيع أحاديث الكتاب على سبعة أبواب .

الباب الأول

يتعلق باستقامة الأعمال الباطنة كالنية والإخلاص والتزام التقوى ومحبة

الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والتوبة إلى الله عز وجل واليقين

به والرضا بما قدر والصبر على البلاء والتوكل على الله والقناعة

والزهد والخوف والرجاء.

أما الباب الثاني

فيضم الاستقامة فيما يتخذ المؤمن من منهاج ودليل عمل يستند إلى

المعرفة بالله تعالى . فعلى المؤمن أن يعتبر القرآن مصدره الأول ثم سنة

رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم بعد ذلك يأتي الاجتهاد ولزوم

الجماعة وعدم إطاعة مخلوق في معصية الله تعالى وأن لا يكون إمعة

ويجتنب البدع وسبل المشركين والمنافقين . وعلى المؤمن أن ييسر

ولا يعسر وأن يتقن عمله ويستغل أوقاته ويتسامح مع من خالفه فيما

اختلف فيه الفقهاء وأهل العلم ويستخير ربه في أمور دنياه وآخرته.

و الباب الثالث

هو باب العبادات والتي تأتي في مقدمتها الصلاة والصيام والزكاة والحج

لمن استطاع إليه سبيلا ، وليست العبادات تلك فحسب ، فالطهارة عبادة

وتلاوة القرآن عبادة وطلب العلم عبادة ، وكذلك الذكر والدعاء والصلاة

على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر والجهاد في سبيل الله والتفكر في خلق الله والشكر على نعمائه..

كل هذه من العبادات .

ويتضمن الباب الرابع

أحاديث اجتناب المعاصي التي نهى عنها الله ورسوله وأسس تحديد الإثم .

فالكبائر التي حرم الله تعالى كعقوق الوالدين وقطع الأرحام وأكل مال

اليتيم وقتل النفس التي حرم الله والخمر والميسر والزنا وقول الزور

والسحر وقذف المحصنات والتخنث ولبس الذهب والحرير للرجال وتشبه

النساء بالرجال وتركهن الحجاب والخيانة والكذب والظلم والغش واللعن

و الاحتكار . أما الباب الخامس فتتعلق أحاديثه بالأخلاق ، وإنما بعث

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتمم مكارم الأخلاق من صدق

وحسن خلق وحياء وحفظ اللسان وتواضع وغض للبصر وسخاء

ورحمة لعباد الله وترك الجدال وما لا يعني.

أما الاستقامة في المعاملة فهي

موضوع أحاديث الباب السادس وأساسه أن يحب المرء لأخيه ما يحب

لنفسه ، وحب الصالحين وبذل النصح والعدل بالحكم والإحسان إلى الجار

وذوي الأرحام والرفق في كل شيء وخاصة للمرء مع أهل بيته وطاعة

المرأة لزوجها ورعايتها لولدها وأداء الأمانات والإيفاء بالوعود. وفي

آخر باب من الكتاب وضعت أحاديث في تزكية النفوس ، فقد أفلح من

زكاها وقد خاب من دساها . فاجتناب التكبر والرياء ومحاسبة النفس

وترك الحسد وسوء الظن وذكر الموت ، كل تلك من جوانب الاستقامة .

وحسبنا أن نحب الاستقامة وأهلها وندعو الله أن يهدينا إلى طريقها

ويحشرنا تحت لواء رسول الاستقامة صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو

الهادي إلى الصراط المستقيم.

الباب الأول الاستقامة في السرائر

ـ1ـ النية :

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:

( إنّ اللّه كَتَب الحَسَنات والسيئات ثُمّ بيَّن ذلك فَمَن هَمّ بِحَسَنَة

فَلَم يَعمَلها كَتَبَها اللّه تَبارَكَ وَتَعالى عندَهُ حَسَنَة كاملة ،

وإن هَمّ بها فَعَملها كَتبها اللّه عشر حَسَنات إلى سبعمائة ضِعف

إلى أضعاف كثيرة ، وإن هَمّ بِسيئة فَلَم يَعملها كتَبَها اللّه تَعالى

عنده حَسَنَة كاملة ، وإن هَمّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللّه سيئَة واحِدة )

متفق عليه (1)

يبدأ الكثير من كتب الحديث بالحديث المشهور الذي قال عنه بعض أئمة

الحديث أنه وصل حد التواتر المعنوي(2)

( إنّما ألأعمال بالنيات وإنّما لكُل امرئ ما نوى ، فَمَن كانت

هِجرَتُهُ إلى اللّه ورسولِه فهِجرتُه إلى اللّه ورسوله ، ومَن كانت

هجرتُه لدُنيا يُصيبُها أو امرأة ينكِحُها فهجرته

إلى ما هاجر إليه )(3).

فالنية أساس العمل ، تقترن النية الصالحة بالعمل القليل فترفعه ليكون من

أقرب القربات ، أما النية السيئة فإذا اقترنت بالعمل الصالح الكثير

فإنها تحيله إلى هباء منثور. قال تعالى:

{ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } (4).

أنظر إلى كرم الله تعالى:

ينوي المرء فعل حسنة ثم لا يفعلها فيكتبها الله له حسنة ، فإذا فعلها

تضاعفت عشرا أو مائة أو سبعمائة أو أكثر من ذلك إلى ما شاء الله

بحسب نيته وإخلاصه.وإن نوى فعل سيئة ثم فعلها ، كتبت له سيئة واحدة

لا غير . أما إذا لم يفعلها فإن الله يكتبها له حسنة . ولا تعجب من ذلك

فإن ترك السيئة هو حسنة بذاته.

هذا الحديث يذكر المؤمن بأن ينوي فعل الخير في كل لحظة يستطيع ذلك ،

فإن استطاع تنفيذ فعل الخير فبها ونعمت ، وإن لم يستطع فإن الله يجازيه

على حسن نيته. وهكذا فإن نية المؤمن خير من عمله لأن ما ينويه من

خير أكثر مما يستطيع عمله في وقته المحدود وماله المحدود و قابلياته

المحدودة . ولذلك على المرء أن يراقب نيته كما يراقب عمله فإذا ما وجد

في نيته قصدا لغير الله وجب عليه تصحيح نيته في ذلك .

وقد يعجب بعض الناس من بركة عمل صالح لفرد ما حيث تتضاعف

الفائدة منه وبذلك ينال صاحبه أجرا عظيما ، بينما لا يحصل آخر عمل

عملا مشابها على مثل تلك النتيجة ، وما ذلك في أغلب الأحيان

إلا بتأثير النية الحسنة ، فأول خطوات الاستقامة تصحيح النية

لكي تكون خالصة لله تعالى.

والنية الحسنة لا تحيل المعصية خيرا .

قيل كان رجل يسرق كل يوم درهما فيشتري به خبزا فيدفعه إلى فقير.

فلما اكتشف أمره قال إنه يسرق فيكسب سيئة واحدة فيتصدق فيكسب

عشر حسنات ، تمحو إحداهن السيئة فيبقى له تسعا . فهذا الجاهل قد

اكتسب سيئة ولم تكتب له أية حسنة ، لأن الصدقة من الحرام غير مقبولة

والنية الحسنة هنا لا تجدي نفعا . لكن النية الحسنة في الأمر المباح تحيله

عبادة . فالترويح عن النفس بغير نية إذا لم يكن فيه معصية لا إثم

ولا ثواب فيه. أما إذا كانت النية في الترويح عن النفس الاستعداد لطاعة

الله ، فعند ذلك يصبح الترويح عن النفس عبادة

. قال أبو الدرداء

إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو فيكون ذلك عونا لي على الحق.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

روِّحوا القلوب فإنها إذا كرِهَت عَمِيَت . وفي رواية إذا كلّت عميت أو تعبت

المراجع :

- 1 - متفق عليه أي اتفق عليه الشيخان: البخاري ومسلم .

البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الحافظ الأمين

لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال عنه إبن خزيمة:

ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه. ولد في بخارى سنة 194هـ

ورحل في طلب الحديث إلى العراق والشام ومصر وسمع الحديث عن نحو

ألف شيخ. قال: خرّجت كتابي هذا من زهاء 600 ألف حديث وما وضعت

فيه حديثا إلا وصليت ركعتين وصنفته في 16 سنة وسمعه منه 90 ألف

رجل وعدد أحاديثه من دون المكرر 4000 حديث أما إذا حذف منها

المعلق والموقوف والمكرر فيبلغ 2760 حديثا . أبتلي بفتنة خلق القرآن

فثبت وأخرج من بخارى فتوفي في الطريق ودفن في قرية خرتنك قرب

سمرقند سنة 256هـ رضي الله عنه.

ومسلم هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. ولد سنة

204هـ وتوفي سنة 261هـ. قال: صنفت كتابي هذا من 300 ألف حديث

مسموعة وقال الحافظ النيسابوري شيخ الحاكم عنه: ما تحت أديم السماء

أصح من كتاب مسلم . وكان إذا دخل على البخاري قبّل يده وقال يا طبيب

الحديث. يحوي صحيحه 4000 حديث والتكرار فيه أقل

من صحيح البخاري.

- 2 - التواتر المعنوي هو رواية الحديث بألفاظ مختلفة تدل على المعنى

نفسه من قبل عدد كبير جدا من الرواة في كل جيل منهم بحيث يحصل تمام

اليقين بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقد ورد هذا

الحديث بألفاظ مثل ” إنما الأعمال بالنية أو ألأعمال بالنيات ” وغير ذلك.

-3 ـ متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

- 4 - سورة الفرقان الآية 23.