المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين


حور العين
07-31-2015, 09:59 PM
من :الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين هـ
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏

خرج رجل بآمل طبرستان يقال له‏:‏ مازيار بن قارن بن يزداهرمز، وكان

لا يرضى أن يدفع الخراج إلى نائب خراسان عبد الله بن طاهر بن

الحسين، بل يبعثه إلى الخليفة ليقبضه منه، فيبعث الخليفة من يتلقى

الحمل إلى بعض البلاد ليقبضه منه ثم يدفعه إلى ابن طاهر، ثم آل أمره

إلى أن وثب على تلك البلاد وأظهر المخالفة للمعتصم‏.‏

وقد كان المازيار هذا ممن يكاتب بابك الخرَّمي ويعده بالنصر‏.‏

ويقال‏:‏

إن الذي قوَّى رأس مازيار على ذلك الأفشين ليعجز عبد الله بن طاهر

عن مقاومته فيوليه المعتصم بلاد خراسان مكانه‏.‏

فبعث إليه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب - أخا إسحاق بن إبراهيم

- في جيش كثيف فجرت بينهم حروب طويلة استقصاها ابن جرير، وكان

آخر ذلك أسر المازيار وحمله إلى ابن طاهر، فاستقره عن الكتب التي

بعثها إليه الأشفين فأقر بها، فأرسله إلى المعتصم وما معه من أمواله

التي احتفظت للخليفة، وهي أشياء كثيرة جداً، من الجواهر

والذهب والثياب‏.‏ فلما أوقف بين يدي الخليفة سأله عن كتب الأفشين إليه

فأنكرها، فأمر به فضرب بالسياط حتى مات وصلب إلى جانب بابك

الخرَّمي على جسر بغداد، وقتل عيون أصحابه وأتباعه‏.‏
وفيها‏:‏

تزوج الحسن بن الأفشين بأترجة بنت أشناس ودخل بها في قصر

المعتصم بسامرا في جمادى، وكان عرساً حافلاً، وليه المعتصم بنفسه،

حتى قيل‏:‏ إنهم كانوا يخضبون لحا العامية بالغالية‏.‏
وفيها‏:‏

خرج منكجور الأشروسني قرابة الأفشين بأرض أذربيجان وخلع الطاعة،

وذلك أن الأفشين كان قد استنابه على بلاد أذربيجان حين فرغ من أمر

بابك، فظفر منكجور بمال عظيم مخزون لبابك في بعض البلدان، فأخذه

لنفسه وأخفاه عن المعتصم وظهر على ذلك رجل يقال له‏:‏ عبد الله

بن عبد الرحمن فكتب إلى الخليفة في ذلك فكتب منكجور يكذبه في ذلك،

وهم به ليقتله فامتنع منه بأهل أردبيل‏.‏

فلما تحقق الخليفة كذب منكجور بعث إليه بغا الكبير فحاربه

وأخذه بالأمان وجاء به إلى الخليفة‏.‏
وفيها‏:‏

مات مناطس الرومي نائب عمورية، وذلك أن المعتصم أخذه معه أسيراً

فاعتقله بسامرا حتى مات في هذه السنة‏.‏

وفي رمضان منها مات‏:‏

إبراهيم بن المهدي بن المنصور

عم المعتصم، ويعرف‏:‏ بابن شكله، وكان أسود اللون ضخماً فصيحاً

فاضلاً‏.‏ قال ابن ماكولا‏:‏ وكان يقال له‏:‏ الصيني - يعني‏:‏ لسواده - وقد كان

ترجمه ابن عساكر ترجمة حافلة، وذكر أنه ولي إمرة دمشق نيابة عن

الرشيد أخيه مدة سنتين ثم عزله عنها ثم أعاده إليها الثانية فأقام بها

أربع سنين‏.‏
وذكر من عدله وصرامته أشياء حسنة، وأنه أقام للناس الحج سنة أربع

وثمانين، ثم عاد إلى دمشق، ولما بويع بالخلافة في أول خلافة المأمون

سنة ثنتين ومائتين قاتله الحسن بن سهل نائب بغداد، فهزمه إبراهيم هذا،

فقصده حميد الطوسي فهزم إبراهيم واختفى إبراهيم ببغداد حين قدمها

المأمون‏.‏ثم ظفر به المأمون فعفا عنه وأكرمه‏.‏

وكانت مدة ولايته الخلافة سنة وإحدى عشر شهراً واثنا عشر يوماً‏.‏

وكان بدء اختفائه في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، فمكث مختفياً

ست سنين وأربعة أشهر وعشراً‏.‏
قال الخطيب‏:‏

كان إبراهيم بن المهدي هذا وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النفس،

سخي الكف، وكان معروفاً بصناعة الغناء، حاذقاً فيها، وقد قلَّ المال عليه

في أيام خلافته ببغداد فألح الأعراب عليه في أعطياهم فجعل يسوِّف بهم‏.‏

ثم خرج إليهم رسوله يقول‏:‏ إنه لا مال عنده اليوم‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ فليخرج

الخليفة إلينا فليغن لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل هذا الجانب

ثلاثة أصوات‏.‏

فقال في ذلك دعبل شاعر المأمون يذم إبراهيم بن المهدي‏:‏

يا معشر الأعراب لا تغلطوا * خذوا عطاياكم ولا تسخطوا

فسوف يعطيكم حنينية * لا تدخل الكيس ولا تربط

والمعبديات لقوادكم * وما بهذا أحد يغبط

فهكذا يرزق أصحابه * خليفة مصحفه البربط

وكتب إلى ابن أخيه المأمون حين طال عليه الاختفاء‏:‏ وليُّ الثأر محكم في

القصاص والعفو أقرب للتقوى، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كل عفو،

كما جعل كل ذي نسب دونه، فإن عفا فبفضله وإن عاقب فبحقه‏.‏

فوقع المأمون في جواب ذلك‏:‏ القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالندم إنابة

وعفو الله أوسع من كل شيء‏.‏

ولما دخل عليه أنشأ يقول‏:‏

إن أكن مذنباً فحظي أخطأت * فدع عنك كثرة التأنيب

قل كما قال يوسف لبني يعقو * ب لما أتوه لا تثريب

فقال المأمون‏:‏ لا تثريب‏.‏

وكانت أشعاره جيدة بليغة سامحه الله‏.‏

وقد ساق من ذلك ابن عساكر جانباً جيداً‏.‏

كان مولد إبراهيم هذا في مستهل ذي القعدة سنة ثنتين وستين ومائة،

وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون من هذه السنة عن ثنتين وستين سنة‏.‏

وفيها توفي‏:‏

سعيد بن أبي مريم المصري، وسليمان بن حرب، وأبو معمر المقعد،

وعلي بن محمد المدائني، الأخباري، أحد أئمة هذا الشأن في زمانه،

وعمرو بن مرزوق، شيخ البخاري، وقد تزوج هذا الرجل ألف امرأة‏.‏

وأبو عبيد القاسم بن سلام

البغدادي، أحد أئمة اللغة، والفقه والحديث والقرآن، والأخبار وأيام

الناس، له المصنفات المشهورة المنتشرة بين الناس، حتى يقال‏:‏ إن

الإمام أحمد كتب كتابه في الغريب بيده، ولما وقف عليه عبد الله بن طاهر

رتب له في كل شهر خمسمائة درهم، وأجراها على ذريته من بعده‏.‏

وذكر ابن خلكان أن ابن طاهر استحسن كتابه وقال‏:‏ ما ينبغي لعقل بعث

صاحبه على تصنيف هذا الكتاب أن نحوج صاحبه إلى طلب المعاش‏.‏

وأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر‏.‏

وقال محمد بن وهب المسعودي‏:‏ سمعت أبا عبيد، يقول‏:‏ مكثت

في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة‏.‏

وقال هلال بن المعلى الرقي‏:‏ منَّ الله على المسلمين بهؤلاء الأربعة‏:‏

الشافعي تفقه في الفقه والحديث، وأحمد بن حنبل في المحنة، ويحيى

بن معين في نفي الكذب، وأبو عبيد في تفسير غريب الحديث، ولولا ذلك

لاقتحم الناس المهالك‏.‏

وذكر ابن خلكان أن أبا عبيد ولي القضاء بطرسوس ثماني عشرة سنة،

وذكر له من العبادة والاجتهاد في العبادة شيئاً كثيراً‏.‏ وقد روى الغريب

عن‏:‏ أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي عبيدة معمر بن المثنى،

وابن الأعرابي، والفراء، والكسائي، وغيرهم‏.‏

وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ نحن نحتاج إليه وهو لا يحتاج إلينا‏.‏

وقدم بغداد وسمع الناس منه ومن تصانيفه‏.‏ وقال إبراهيم الحربي‏:

‏ كان كأنه جبل نفخ فيه روح، يحسن كل شيء‏.‏

وقال أحمد بن كامل القاضي‏:‏ كان أبو عبيد فاضلاً ديِّناً ربانياً عالماً متقناً

في أصناف علوم أهل الإيمان والإتقان والإسلام‏:‏ من القرآن، والفقه،

والعربية، والأحاديث، حسن الرواية صحيح النقل، لا أعلم أحداً طعن عليه

في شيء من علمه وكتبه، وله كتاب الأموال، وكتاب فضائل القرآن

ومعانيه، وغير ذلك من الكتب المنتفع بها، رحمه الله‏.‏

توفي في هذه السنة قاله البخاري‏.‏

وقيل‏:‏ في التي قبلها بمكة‏.‏

وقيل‏:‏ بالمدينة‏.‏

وله سبع وستون سنة‏.‏

وقيل‏:‏ جاوز السبعين، فالله أعلم‏.‏

ومحمد بن عثمان، أبو الجماهر، الدمشقي الكفرتوتي،

أحد مشايخ الحديث‏.‏

ومحمد بن الفضل، أبو النعمان السدوسي، الملقب‏:‏ بعارم، شيخ البخاري،

ومحمد بن عيسى بن الطباع، ويزيد بن عبد ربه، الجرجسي الحمصي،

شيخها في زمانه‏.‏