المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث التعوذ بعد التشهد الاخير


حور العين
08-21-2015, 08:15 PM
من:الأخت الزميلة / جِنان الورد
شرح حديث التعوذ بعد التشهد الاخير
شرح حديث التعوذ بعد التشهد الاخير

الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو :

( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , وَمن عَذَابِ النَّارِ

, وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ , وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ :

( إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ , يَقُولُ :

اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ )

ثم ذَكّر نحوه .

أهمية هذه الأربع والاستعاذة منها :

عذاب القبر ، وعذاب النار ، وفتنة المحيا ، وفتنة الممات ، وفتنة الْمَسِيحِ

الدَّجَّالِ . إثبات عذاب القبر ، وقد أنكره بعض المعتزلة من نحا نحوهم

وسار بِسيرهم ، وعذاب القبر حق .

قال ابن دقيق العيد :

فِي الْحَدِيثِ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ . وَهُوَ مُتَكَرِّرٌ مُسْتَفِيضٌ فِي الرِّوَايَاتِ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ . وقد تقدّم

التفصيل في هذه المسألة في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما ،

وهو الحديث الثامن عشر .

إثبات فتنة المسيح الدجال ، وأنه أعظم فتنة ما بين خلق آدم إلى قيام

الساعة ، لِما أعطاه الله ومكّنه مما فيه فتنة .وقد أنكره قوم ، وتأوّله

آخرون ! فقد تأوّل بعض المعاصرين أن المقصود به : الحضارة الغربية ،

أو اعوجاج الضمير اليهودي ! وهذا تأويل مرفوض ، إذ كيف يُتصوّر أن

يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم من المسيح الدجال ، ويأمر أصحابه

بالاستعاذة منه ، ويُخبر بمكانه ، وبما معه ، وجهة خُروجه ، وأنه يَخرج

من جهة المشرق ، وأنه يَتبعه سبعون ألف من يهود أصبهان ، كما

في صحيح مسلم ، وأصبهان اليوم في إيران !ثم يُتأوّل بعد ذلك

هذا التأويل الفاسد ؟!

وقد أخبر تميم الداري النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى من الدجّال ،

فصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذَكَر عليه الصلاة والسلام أنه

وافق الذي حدّثهم عن الدجال ، والحديث بِطوله في صحيح مسلم .

معنى فتنة المحيا :

قال ابن دقيق العيد : مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الإِنْسَانُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ ، مِنْ الافْتِتَانِ

بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالاتِ ، وَأَشَدُّهَا وَأَعْظَمُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى :

أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ .

معنى فتنة الممات :

قال ابن دقيق العيد : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ . أُضِيفَتْ

إلَى الْمَوْتِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ . اهـ . وفُسِّرتْ فتنة الممات بأنها فتنة القبر .

وكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ،

أو نفتن عن ديننا . رواه البخاري ومسلم .

وكان سلف هذه الأمة يخافون على أنفسهم من فتنة المحيا

ومن فتنة الممات

قال صالح بن أحمد بن حنبل : لما حضرت أبي الوفاة فجلست عنده

والخرقة بيدي أشدّ بها لحيته . قال : فجعل يغرق ثم يفيق ويفتح عينيه

ويقول بيده هكذا : لا بعد . لا بعد . لا بعد . ففعل هذا مرة وثانية ، فلما كان

في الثالثة قلت له : يا أبتِ إيش هذا الذي لهجت به في هذا الوقت ؟ فقال

: يا بني أما تدري ؟ قلت : لا . فقال : إبليس لعنه الله قائم بحذائي

عاضّ على أنامله يقول : يا أحمد فتني ! فأقول : لا ، حتى أموت .

وقال عطاء بن يسار : تبدّى إبليس لرجل عند الموت فقال : نجوت !

فقال : ما نجوت ، وما أمنتك بعد .

ففتنة المحيا هي ما يكون في الحياة من الردّة – عياذاً بالله – أو ما يكون

من الضلال بعد الهدى ، والمعصية بعد الطاعة .وفتنة الممات شاملة لفتنة

الاحتضار ، وحضور الشيطان عند الميت ، ولفتنة القبر وسؤاله .

استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته منها :

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم

واستعاذته من هذه الأمور التي قد عُوفي منها وعُصم إنما فعله ليلتزم

خوف الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه ، ولتقتدي به أمته ، وليبين لهم

صفة الدعاء والمهم منه . ذَكَرَه النووي .

وكذا قال الحافظ العراقي في طرح التثريب :

اسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ مَعَ أَنَّهُ مُعَاذٌ مِنْهَا قَطْعًا

فَائِدَتُهُ إظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالاسْتِكَانَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالافْتِقَارِ ، وَلِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ

فِي ذَلِكَ ، وَيُشَرِّعَ لأُمَّتِهِ . اهـ .

حُكم الاستعاذة من هذه الأربع في الصلاة :

قال الإمام النووي : قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعلّمهم

هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن ، وأن طاوساً رحمه الله تعالى

أمر ابنه حين لم يَدْعُ بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة ؛ هذا كله يدل على

تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحثّ الشديد عليه ، وظاهر كلام طاوس رحمه

الله تعالى أنه حَمَل الأمر به على الوجوب ، فأوجب إعادة الصلاة لفواته ،

وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ، ولعل طاوساً أراد تأديب

ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه ، والله أعلم .

قال العراقي :

وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ تَغْلِيظًا

عَلَيْهِ لِئَلا يَتَهَاوَنَ بِتِلْكَ الدَّعَوَاتِ فَيَتْرُكَهَا فَيُحْرَمَ فَائِدَتَهَا وَثَوَابَهَا . اهـ .

مكان الاستعاذة :

في التشهد الأخير بعد التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الحافظ العراقي : فِيهِ اسْتِحْبَابُ الإِتْيَانِ بِهَذَا الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ

، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ .

وقال : وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوبِ ذَلِكَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ لَمْ يُوَافِقْهُ

عَلَيْهِ أَحَدٌ ، ثُمَّ إنَّهُ تَرُدُّهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ الَّتِي فِيهَا

تَقْيِيدُ التَّشَهُّدِ بِالأَخِيرِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، لا سِيَّمَا وَالْحَدِيثُ

وَاحِدٌ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

ورَدَتْ الاستعاذة في آخر الصلاة من غير هذه الأربع ، فمن ذلك استعاذته

صلى الله عليه وسلم من المأثم ومِن المغرم .

ففي حديث عائشة رضي الله عنها

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة :

( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة

المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات ،

اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم . فقال له قائل :

ما أكثر ما تستعيذ من المغرم . فقال : إن الرجل إذا غَرِمَ

حَدَّث فكذَب ، ووعد فأخلف )

رواه البخاري ومسلم .

وهذا من باب الاستعاذة مما يُورِث النفاق العملي ،

وهو الكذب وإخلاف الوعد .

والله تعالى أعلم .