المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلافة المهتدي بالله‏


حور العين
09-09-2015, 03:18 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
خلافة المهتدي بالله‏
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

أبي محمد عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون، كانت بيعته

يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب من هذه السنة، بعد خلع المعتز نفسه

بين يديه وإشهاده عليه بأنه عاجز عن القيام بها، وأنه قد رغب إلى

من يقوم بأعبائها‏.‏

وهو محمد بن الواثق بالله، ثم مد يده فبايعه قبل الناس كلهم، ثم بايعه

الخاصة ثم كانت بيعة العامة على المنبر، وكتب على المعتز كتاباً أشهد

فيه بالخلع والعجز والمبايعة للمهتدي‏.‏

وفي آخر رجب وقعت في بغداد فتنة هائلة، وثبت فيها العامة على نائبها

سليمان بن عبد الله بن طاهر، ودعوا إلى بيعة أحمد بن المتوكل أخي

المعتز، وذلك لعدم علم أهل بغداد بما وقع بسامرا من بيعة المهتدي، وقتل

من أهل بغداد وغرق منهم خلق كثير، ثم لما بلغهم بيعة المهتدي سكنوا –

وإنما بلغتهم في سابع شعبان - فاستقرت الأمور واستقر المهتدي

في الخلافة‏.‏

وفي رمضان من سنة خمس وخمسين ومائتين‏

ظهر عند قبيحة أم المعتز أموال عظيمة، وجواهر نفيسة‏.‏

كان من جملة ذلك ما يقارب ألفي ألف دينار، ومن الزمرد الذي لم ير مثله

مقدار مكوك، ومن الحب الكبار مكوك، وكيلجة يا قوت أحمر مما لم ير

مثله أيضاً‏.‏

وقد كان الأمراء طلبوا من ابنها المعتز خمسين ألف دينار تصرف في

أرزاقهم، وضمنوا له أن يقتلوا صالح بن وصيف، فلم يكن عنده من ذلك

شيء، فطلب من أمه قبيحة هذه - قبحها الله - فامتنعت أن تقرضه ذلك،

فأظهرت الفقر والشح، وأنه لا شيء عندها‏.‏

ثم لما قتل ابنها وكان ما كان، ظهر عندها من الأموال ما ذكرنا‏.‏ وكان

عندها من الذهب والفضة والآنية شيء كثير، وقد كان لها من الغلات في

كل سنة ما يعدل عشرة آلاف ألف دينار، وقد كانت قبل ذلك مختفية عند

صالح بن وصيف عدو ولدها، ثم تزوجت به وكانت تدعو عليه تقول‏:‏

اللهم اخز صالح بن وصيف كما هتك ستري، وقتل ولدي، وبدد شملي،

وأخذ مالي، وغربني عن بلدي، وركب الفاحشة مني‏.‏

ثم استقرت الخلافة باسم المهتدي بالله‏.‏

وكانت بحمد الله خلافة صالحة‏.‏

قال يوما للأمراء‏:‏ إني ليست لي أم لها من الغلات ما يقاوم عشرة آلاف

ألف دينار، ولست أريد إلا القوت فقط، لا أريد فضلاً على ذلك إلا لإخوتي،

فإنهم مستهم الحاجة‏.‏

وفي يوم الخميس لثلاث بقين من رمضان،

أمر صالح بن وصيف بضرب أحمد بن إسرائيل الذي كان وزيراً، وأبي

نوح عيسى بن إبراهيم الذي كان نصرانياً فأظهر الإسلام، وكان كاتب

قبيحة فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط بعد استخلاص أموالهما، ثم

طيف بهما على بغلين منكسين فماتا وهما كذلك، ولم يكن ذلك عن

رضى المهتدي ولكنه ضعيف لا يقدر على الإنكار على صالح بن وصيف

في بادئ الآمر‏.‏

وفي رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين‏

وقعت فتنة ببغداد أيضاً، بين محمد بن أوس ومن تبعه من الشاكرية

والجند وغيرهم، وبين العامة والرعاع، فاجتمع من العامة نحو مائة ألف

وكان بين الناس قتال بالنبال والرماح والسوط، فقتل خلق كثير ثم انهزم

محمد بن أوس وأصحابه، فنهبت العامة ما وجدوا من أمواله،

وهو ما يعادل ألفي ألف أو نحو ذلك‏.‏

ثم اتفق الحال على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أين أراد‏.‏ فخرج

منها خائفاً طريداً، وذلك لأنه لم يكن عند الناس مرضي السيرة بل كان

جباراً عنيداً، وشيطاناً مريداً، وفاسقاً شديداً، وأمر الخليفة بأن ينفي القيان

والمغنون من سامرا، وأمر بقتل السباع والنمور التي في دار السلطان،

وقتل الكلاب المعدة للصيد أيضاً‏.‏ وأمر بإبطال الملاهي ورد المظالم، وأن

يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وجلس للعامة‏.‏

وكانت ولايته في الدنيا كلها من أرض الشام وغيرها مفترقة‏.‏

ثم استدعى الخليفة موسى بن بغا الكبير إلى حضرته، ليتقوى به على من

عنده من الأتراك ولتجتمع كلمة الخلافة، فاعتذر إليه من استدعائه بما

هو فيه من الجهاد في تلك البلاد‏.‏ خارجي آخر ادعى أنه من أهل

البيت بالبصرة‏.‏

في النصف من شوال ظهر رجل بظاهر البصرة، زعم أنه علي بن محمد

بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،

ولم يكن صادقاً وإنما كان عسيفاً - يعني أجيراً - من عبد القيس، واسمه

علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأمه قرة بنت علي بن رحيب بن محمد

بن حكيم من بني أسد بن خزيمة، وأصله من قرية من قرى الري، قاله

ابن جرير‏.‏ قال‏:‏ وقد خرج أيضاً في سنة تسع وأربعين ومائتين بالنجدين،

فادعى أنه علي بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن عباس

بن علي بن أبي طالب، فدعا الناس بهجر إلى طاعته فاتبعه جماعة من

أهل هجر، ووقع بسببه قتال كثير وفتن كبار، وحروب كثيرة، ولما خرج

خرجته هذه الثانية بظاهر البصرة، التف عليه

خلق من الزنج الذين يكسحون السباخ، فعبر بهم دجلة فنزل الديناري،

وكان يزعم لبعض من معه أنه يحيى بن عمر أبو الحسين المقتول بناحية

الكوفة، وكان يدعي أنه يحفظ سوراً من القرآن في ساعة واحدة جرى بها

لسانه، لا يحفظها غيره في مدة دهر طويل، وهن‏:‏ سبحان والكهف

وص وعم‏.‏

وزعم أنه فكر يوماً وهو في البادية‏:‏ إلى أي بلد يسير‏؟‏

فخوطب من سحابة أن يقصد البصرة فقصدها، فلما اقترب منها وجد أهلها

مفترقين على شعبتين، سعديه وبلالية، فطمع أن ينضم إلى إحداهما

فيستعين بها على الأخرى، فلم يقدر على ذلك، فارتحل إلى بغداد فأقام بها

سنة وانتسب بها إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعم بها

أنه يعلم ما في ضمائر أصحابه، وأن الله يعلمه بذلك، فتبعه على ذلك جهلة

من الطغام، وطائفة من الرعاع العوام‏.‏

ثم عاد إلى أرض البصرة في رمضان فاجتمع معه بشر كثير، ولكن لم يكن

معهم عدد يقاتلون بها، فأتاهم جيش من ناحية البصرة فاقتتلوا جميعاً،

ولم يكن في جيش هذا الخارجي سوى ثلاثة أسياف، وأولئك الجيش معهم

عدد وعدد ولبوس، ومع هذا هزم أصحاب هذا الخارجي ذلك الجيش،

وكانوا أربعة آلاف مقاتل، ثم مضى نحو البصرة بمن معه فأهدى له رجل

من أهل جبى فرساً فلم يجد لها سرجاً ولا لجاماً، وإنما ألقى عليها حبلاً

وركبها وسنف حنكها بليف، ثم صادر رجلاً وتهدده بالقتل فأخذ منه مائة

وخمسين ديناراً وألف درهم، وكان هذا أول مال نهبه من هذه البلاد، وأخذ

من آخر ثلاثة براذين، ومن موضع آخر شيئاً من الأسلحة والأمتعة، ثم

سار في جيش قليل السلاح والخيول، ثم جرت بينه وبين نائب البصرة

وقعات متعددة يهزمهم فيها، وكل ما لأمره يقوى وتزداد أصحابه ويعظم

أمره ويكثر جيشه، وهو مع ذلك لا يتعرض لأموال الناس ولا يؤذي أحداً،

وإنما يريد أخذ أموال السلطان‏.‏

وقد انهزم أصحابه في بعض حروبه هزيمة عظيمة، ثم تراجعوا إليه

واجتمعوا حوله، ثم كروا على أهل البصرة فهزموهم وقتلوا منهم خلقاً

وأسروا آخرين، وكان لا يؤتى بأسير إلا قتله‏.‏

ثم قوي أمره وخافه أهل البصرة، وبعث الخليفة إليها مدداً ليقاتلوا هذا

الخارجي وهو صاحب الزنج - قبحه الله -، ثم أشار عليه بعض أصحابه

أن يهجم بمن معه على البصرة فيدخلونها عنوة، فهجن آراءهم وقال‏:‏

بل نكون منها قريباً حتى يكونوا هم الذين يطلبوننا إليها ويخطبوننا عليها‏.‏

وسيأتي ما كان من أمره وأمر أهل البصرة في السنة المستقبلة إن شاء الله‏.‏

وفيها حج بالناس

علي بن الحسين بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن عباس‏.‏