المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتي الجمعة من المسجد النبوى بعنوان : أعمال أيام العشر من ذي الحجة


حور العين
09-12-2015, 07:52 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد القاسم - يحفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
أعمال أيام العشر من ذي الحجة
والتي تحدَّث فيها عن أيام العشر من ذي الحجة وفضلها وعِظَم منزلتها،

وما ينبغي على المسلمين من اغتنامها في الأعمال الصالحة؛ من صيامٍ، وصدقةٍ،

وذكرٍ لله تعالى، مُبيِّنًا فضلَ الحج ومكانته والحكمة من جعله في هذه الأيام،

كما بيَّن فضلَ الأضحية وما يجبُ على المسلم أن يعمله إذا أراد أن يذبَح .

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،

من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،

صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوَى .
أيها المسلمون :
يصطفِي الله من خلقه ما يشاء،
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ }

[ القصص: 68 ].
فاصطفَى من الملائكة رُسُلاً ومن الناس، واختارَ من الكلام ذكرَه ومن الأرض بيوتَه،

واجتبَى من الشهور رمضانَ والأشهرَ الحُرُم .

وقد كانت الجاهليةُ تزيدُ في الأيام وتُؤخِّر اتباعًا لهواها،

فكان صيامُهم في غير ميعاده، وحجُّهم في غير زمانه.

وتفضَّل الله على هذه الأمة ببعثة نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،

وقد استدارَ الزمانُ كما كان ووقعَت حجَّتُه في ذي الحجة،

وقال في خُطبته:
( إن الزمانَ استدارَ كهيئته يوم خلقَ الله السماوات والأرض )

متفق عليه

فاستوفَى العدد وصحَّ الحسابُ، وعادَ الأمرُ على ما سبقَ من كتاب الله الأول .

والتفاضُل بين الليالي والأيام داعٍ لاغتِنام الخير فيها،

ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - حثَّ على اغتِنام نعمٍ هي زائلةٌ لا محالةً،

فقال:

( اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك،

وغِناكَ قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك )

رواه البخاري.

وقد أظلَّتنا عشرُ ذي الحجة أقسمَ الله بلياليها، فقال:

{ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ }

[ الفجر: 1، 2 ].
وهي من أيام الله الحُرُم، وخاتمةُ الأشهر المعلومات التي قال الله فيها:

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ }

[ البقرة: 197 ].

نهارُها أفضلُ من نهار العشر الأواخر من رمضان

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( أفضلُ أيام الدنيا أيامُ العشر )

رواه ابن حبان

وفضيلةُ عشر ذي الحجة للمكان اجتماع أمهات العبادة فيها؛

من الصلاة، وصيام التطوع، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيرها.

وكلُّ عملٍ صالحٍ فيها أحبُّ إلى الله من نفس العمل إذا وقع في غيرها

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام

يعني: أيام العشر. قالوا: يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟

قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسه وماله

فلم يرجِع من ذلك بشيءٍ )

رواه أبو داود، وأصلُه في البخاري.

قال ابن رجبٍ - رحمه الله -:

[ وقد دلَّ هذا الحديثُ على أن العملَ في أيام العشر أحبُّ إلى الله من العمل في أيام الدنيا،

من غير استِثناء شيءٍ منها ]

وقد كان السلفُ - رحمهم الله - يجتهِدون في الأعمال الصالحة فيها:

كان سعيدُ بن جُبير - رحمه الله - إذا دخلَت عشرُ ذي الحجة

اجتهدَ اجتهادًا حتى ما يكادُ يُقدرُ عليه.

ومن فضل الله وكرمه تنوَّعت فيها الطاعات؛ فمما يُشرعُ فيها:

الإكثارُ من ذكر الله

قال - سبحانه -:

{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }

[ الحج: 28 ].
قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -:

[ هي أيامُ العشر ]

وذكرُه - سبحانه - فيها من أفضل القُربات

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( ما من أيامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فيهن من هذه العشر،

فأكثِروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )

رواه أحمد.

قال النووي - رحمه الله -:

[ يُستحبُّ الإكثارُ من الأذكار في هذه العشر زيادةً على غيرها،

ويُستحبُّ من ذلك في يوم عرفة أكثرَ من باقي العشر ]

وأفضلُ الذكر: تلاوةُ كتاب الله، فهو الهُدى والنورُ المُبين.

والتكبيرُ المُطلقُ في كل وقتٍ من الشعائِر في عشر ذي الحجة،

[ وكان ابن عُمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يخرُجان إلى السوق

في أيام العشر يُكبِّران ويُكبِّر الناسُ بتكبيرهما ]

رواه البخاري.

ويُشرعُ التكبيرُ المُقيَّد عقِبَ الصلوات من فجر عرفة للحُجَّاج وغيرهم.

قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -:

[ أصحُ الأقوال في التكبير الذي عليه جمهورُ السلَف والفقهاء والصحابة

والأئمة أن يُكبَّر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقِب كل صلاة ]

ومما يُستحبُّ في العشر: صيامُ التسعة الأولى منها.

قال النووي - رحمه الله -:

[ إنه مُستحبٌّ استحبابًا شديدًا ]
والصدقةُ عملٌ صالحٌ، بها تُفرَّجُ كروب، وتزول أحزان،

وخيرُ ما تكونُ في وقت الحاجة وشريف الزمان .

والتوبةُ منزلتُها في الدين عالية؛ فهي سببُ الفلاح والسعادة،

أوجبَها الله على جميع الأمة من جميع الذنوب، فقال لمن ادَّعى له صاحبةً وولدًا:

{ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ }

[ المائدة: 74 ]

وقال للمؤمنين:

{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

[ النور: 31 ].

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألُ الله في اليوم مائة مرةٍ أن يتوبَ عليه،

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( يا أيها الناس ! تُوبوا إلى الله، فإني أتوبُ في اليوم إليه مائة مرةٍ )

متفق عليه

ونحن إلى التوبة أحوَج، وخيرُ الأيام على العبد يوم توبته

قال - عليه الصلاة والسلام - لكعب بن مالكٍ - رضي الله عنه -:

( أبشِر بخير يومٍ مرَّ عليك مُنذ ولدَتك أمُّك )

متفق عليه.

وما أجملَ التائبَ يتوبُ في أحبِّ الأيام إلى الله، ومن صدقَ في توبته على درجات،

وبدَّل الله سيئاته حسنات.

وفي أيام عشر ذي الحجة حجُّ بيت الله الحرام، أحدُ أركان الإسلام ومبانيه العِظام

قال - سبحانه -:

{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }

[ آل عمران: 97 ].

وقال - عليه الصلاة والسلام -:

( أيها الناس ! قد فرضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا )

رواه مسلم.

وهو من أفضل الأعمال عند الله

( سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أفضل؟

قال: إيمانٌ بالله ورسوله

قيل: ثم ماذا ؟

قال: الجهادُ في سبيل الله

قيل: ثم ماذا؟

قال: حجٌّ مبرور )

متفق عليه.
والحجُّ المبرور جزاؤُه الجنة، به تُحطُّ الذنوب والخطايا

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( من حجَّ البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه )

متفق عليه.

والله يُباهِي بأهل عرفاتٍ أهلَ السماء.

وللحج حِكَمٌ عظيمةٌ، وغاياتٌ حميدةٌ، ومقاصِدُ نبيلةٌ في الدين والدنيا والمعاشِ والمعاد،