المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : مظاهر تعظيم البيت الحرام


حور العين
09-21-2015, 02:57 AM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
مظاهر تعظيم البيت الحرام
والتي تحدَّث فيها عن مكة المكرمة وفضائلها،

ثم ذكر العديد من مظاهر تعظيم بيت الله الحرام،

مُفسِّرًا معنى ( آيات بينات ) في الآية الكريمة،

ثم حثَّ المُسلمين على أن دعمهم لإخوانهم في بيت المقدس بالدعاء

أن ينصرهم الله ويُثبِّتهم،

مع توجيه خطابه للحكام والمسؤولين بما ينبغي عليهم تجاه القضية .

الحمدُ لله، الحمدُ لله أنارَ بهديه قلوبَ العارفين،

وأقام على الصراط المستقيم أقدامَ السالكين، أحمدُه - سبحانه – وأشكرُه

أسبغَ علينا نعمًا، وأفاضَ علينا إحسانًا جعلَنا الله لها من الشاكرين،

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُخلصين له الدين،

وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه سيدُ المرسلين وإمام المتقين،

صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه أجمعين،

والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين .

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -.

وتأملوا في العواقِب بعين الفِكَر، وخذوا زادًا كافيًا لبُعد السفر،

ولا تكونوا في مواطِن الجِدِّ لاعبين، ولا عن طريق الرُّشد ناكِبين .

اغسِلوا القلوب بفيض المدامِع، وتنبَّهوا لمُفاجآت المصارِع،

فلسوف تخلُو المنازِلُ من أربابها، وتُؤذِن الديارُ بخرابها،

وتقومُ الخلائِقُ لحسابِها
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا

وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }

[ الحج: 1، 2 ]

أيها المسلمون حُجَّاج بيت الله :

حللتُم أهلاً، ووطِئتُم سهلاً، وقدِمتُم خير مقدَم. هذه مكة المُكرَّمة،

وهذه الكعبةُ المُشرَّفة، وهذا بيت الله يستقبِلُكم ويحتضِنُكم.

مكة المُكرَّمة - زادَها الله تكريمًا وتشريفًا، وتعظيمًا ومهابةً وبرًّا -،

أعظمُ مُدن الأرض مكانة، وأعلى عواصِمها شُهرة. باركَها الله، وجعلها مكانًا لبيته،

ومورِد نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - ومبعثه ومُتنزَّل وحيه،

وقبلة المُسلمين في مشارِق الأرض ومغارِبها

{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ }

[ الحج: 26 ].
أحبُّ البلاد إلى الله، وخيرُها عنده، اختارها لمناسِك عباده،

وجعلَ قصدَها فرضًا من فروض الإسلام. أولُ الحرمين، وثاني القبلتين،

اعتنى العلماءُ بتاريخها، وتوثيق أخبارها، وبيان أحكامها،

يُنفقُ في الوصول إليها نفيسُ الأموال، وتُقتحمُ من أجل بلوغها عظيمُ الأهوال .

معاشر المسلمين .. ضيوف الرحمن :

بتعظيم بيت الله يعظُم الدين، ويتمُّ الإسلام، وتستقيمُ الدنيا، وتُشهَدُ المنافِع .

مكة هي أم القرى جميع القرى بحواضِرها وقُراها، وكل معموراتها،

وهي أم الثقافة والتاريخ، أقسم الله بها وبأمنها،

فقال - عزَّ شأنه -:
{ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ }

[ التين: 3 ].
معاشر الأحبَّة :
وهذه وقفاتٌ مع ما ينبغي من تعظيم هذا البيت، ومظاهر هذا التعظيم،

وإشاراتٌ لهذا الشرف والتكريم الإلهي، والاصطفاء الربَّاني .

أيها الإخوة في الله .. حُجَّاج بيت الله :

وهل أعظمُ إجلالاً وتكريمًا من أن أضافَ الحقُّ - عزَّ شأنه - البيتَ إلى نفسه، فقال:

{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ }

[ الحج: 26 ]

فكم تقتضي هذه الإضافة الخاصة من الإجلال والتعظيم والاصطفاء والمحبَّة ؟!

ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - يقفُ على الحَزوَرة مُودِّعًا البلد الطاهر،

مُكرَهًا غير مُختار، ثم يُقسم بقوله :

( واللهِ إنكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله،

ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ )

وهي حبيبةُ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،

يقولُ - عليه الصلاة والسلام -:

( ما أطيبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ،

ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ )

أخرجه الترمذي في "سننه"، والطبراني في "الكبير"،

والبيهقي في "شعب الإيمان"، وصحَّحه ابن حبان والحاكم والألباني.

وهل رأيتم أعظمَ من قوله - صلى الله عليه وسلم - في صُلح الحديبية:

( والذي نفسي بيده ؛

لا يسألوني خطةً يُعظّمون فيها حُرمات الله إلا أعطيتُهم إياها )

أيها المُسلمون :
ومن مظاهر عظمة هذا البيت وتعظيمه: ما وضعَ الله فيه من الآيات البيِّنات والهُدى،

فقال - عزَّ شأنُه -:

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا }

[ آل عمران: 96، 97 ]
يقول ابن جرير - رحمه الله -:

[ الآيات البيِّنات منهن: المقام، ومنهن: الحجَر، ومنهن: الحَطيم ]

ويقول البغوي:

[ ومن تلك الآيات: الحجر الأسود، والحَطيم، وزمزم، والمشاعِر كلُّها ]

أما الكعبة المُشرَّفة - يا عباد الله - فهي من أعظم الآيات البيِّنات؛

ففي الحديث :

( لا تزالُ هذه الأمة بخيرٍ ما عظَّموا هذه الحُرمة حقَّ تعظيمها،

فإذا تركُوها وضيَّعوها هلَكُوا )

حسَّنه الحافظ ابن حجر.

ومن أعظم الغرائبِ في سُنن الله :

أن جعلَ نهايةَ العالَم بنهاية هذا البيت وخرابِه واستِحلاله، والجُرأة عليه،

فأمانُ العالَم كلِّه قدَّره الله مُرتبِطًا بأمن مكة وتعظيمها وعُمرانها .

ومن هنا، قال - جل وعلا -:

{ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ }

[ المائدة: 97 ].

ومن الآيات البيِّنات: الرُّكنُ والمقام،

قال - عزَّ شأنه -:

{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }

[ البقرة: 125 ]

وقال :

{ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ }

[ آل عمران: 97 ]

قال قتادةُ ومُجاهد:

[ مقامُ إبراهيم من الآيات البيِّنات ]

وفي الخبر :

[ إن الرُّكن والمقام ياقُوتتان من ياقُوت الجنة، طمسَ الله نورَهما،

ولو لم يُطمس نورُهما لأضاءا ما بين المشرِق والمغرِب ]

أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم، وهو صحيحٌ لغيره.

ومن الآيات البيِّنات:

فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال:

قال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

( ليأتينَّ هذا الحجرُ يوم القيامة وله عينان يُبصِر بهما،

ولسانٌ ينطِقُ به يشهدُ على من يستلِمُه بحقٍّ )

أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والألباني،

وقال الترمذي: "حديثٌ حسن".

وكان ابن عُمر يُقبِّل الحجر ويلتزِمُه ويقول:

[ رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان به حفيًّا ]

يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -:

[ ليس على وجه الأرض موضِعٌ يُشرعُ تقبيلُه واستلامُه،

وتُحطُّ الخطايا والأوزار فيه غيرَ الحجر الأسوَد والرُّكن اليمانيِّ ]

والمُلتزَمُ من آيات البيت البيِّنات

يقول ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -:

[ المُلتزَمُ بين الرُّكن والباب ]
قال جمعٌ من أهل العلم:

[ يلتزِمُ بين الرُّكن والباب، فيضعُ وجهه وصدرَه وذراعيه ويدعُو ويسألُ اللهَ حاجتَه ]

أما ماءُ زمزم فخيرُ ماءٍ على وجه الأرض، فيه طعامٌ من طُعم،

وشفاءٌ من السُّقم، بذلك صحَّ الخبرُ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهو لما شُرِب له، وهو هَزمةُ جبريل، وسُقيا إسماعيل .
يقول مُجاهد:

[ إن شرِبتَه تُريد الشفاء شفاكَ الله، وإن شرِبتَ تُريدُ أن تقطعَ ظمأَك قطعَه الله،

وإن شرِبتَه تُريدُ أن يُشبِعَك أشبعَك الله ]

معاشر الحُجَّاج :

وهذا البيت هُدًى للعالمين؛ فهو هُدًى في العمل،

لما جعلَه الله فيه من أنواع التعبُّدات المُختصَّة