المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بعنوان : آداب الحج


حور العين
09-21-2015, 03:43 AM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
آداب الحج

والتي تحدَّث فيها عن الحج وفضله وأنه من أعظم العبادات، وأفضل القُربات،

مُعرِّجًا على ذكر بعض الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يتخلَّق بها الحُجَّاج

خصوصًا والمسلمون بوجهٍ عام،

ثم ذكَّر بما يُعانيه المسجد الأقصَى من اعتداءاتٍ وإجرامٍ من اليهود الغاصِبين،

وضرورة وقوف المُسلمين صفًّا واحدًا ضدَّ تلك الاعتِداءات، كما بيَّن فضلَ أيام العشر،

واغتنام ما تبقَى منها .

الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه كما يُحبُ ربُنا ويرضَى،

فهو المحمودُ في الآخرة والأولى، وأشكرُه على نعمه التي لا تُحصَى،

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحُسنى،

وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى، وخليلُه المُرتضَى،

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحابتِه الأتقياء

فاتَّقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى .

أيها المسلمون :

اذكروا عظيمَ رحمة الله تعالى بكم؛ إذ علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون،

ومنَّ عليكم بأنواع العبادات التي تُطهِّركم من الرذائِل والشُّرور،

وتنالُون بكل عبادةٍ أعظم الأجور والمنافِع في دُنياكم وأُخراكم،

ولو لم يُعلِّمنا الله ويهدِنا لكنَّا مُتلبِّسين بالقبائِح والمُنكرَات .

قال الله تعالى:

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا

وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

[ النور: 21 ]

وقال تعالى :

{ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ }

[ الحجرات: 17 ]

وقال تعالى:

{ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ }

[ النور: 40 ]

وقال - عز وجل -:

{ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا }

[ الكهف: 17 ].
والحجُّ فريضةً أو تطوُّعًا من أعظم العبادات، وأفضل القُرُبات،

وجزاؤُه وثوابُه العظيمُ في الدَّارَين،

ومنافعُه لا تتحقَّقُ ولا ينالُها إلا من أخلصَ في الحجِّ نيَّتَه لله - عز وجل -،

وبرَّ في حجِّه، واقتدَى في مناسِكِه بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

والحجُّ مجمعٌ كبيرٌ من مجامِع المُسلمين، يجتمعُ فيه العالِم والعامِّيُّ، والحاكمُ والرَّعيَّة،

والذكرُ والأُنثَى، والصغيرُ والكبيرُ، والصحيحُ والمريضُ، والغنيُّ والفقيرُ.

وله أركانٌ وشروطٌ وواجِباتٌ، وآداب وفضائل، وأخلاقٌ كريمات،

من استكملَها غُفِرَت سيئاتُه، وتضاعَفَت حسناتُه، وارتفعَت في الجنات درجاتُه،

قال - صلى الله عليه وسلم -:

( من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه )

رواه البخاري ومسلم.

وقال - صلى الله عليه وسلم -:

( الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة )

رواه البخاري ومسلم .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن العاص - رضي الله عنه -:

( أما علِمتَ أن الإسلام يهدِمُ ما كان قبلَه،

وأن الهِجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَها، وأن الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه )

رواه مسلم.

والمسلمون في الحجِّ تجمعُهم أُخُوَّة الإسلام، يتراحَمون بينهم، ويتعاطَفون، ويتعاوَنون،

ويتواصَلون، ويتباذَلون

قال الله تعالى:

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }

[ الحجرات: 10 ]

وعن النُّعمان بن بشير - رضي الله عنه :

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

( مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم

مثلُ الجسَد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى )

رواه البخاري ومسلم .

وما أحسنَ الآداب والأخلاق والفضائل التي أُمِر المُسلمُ

أن يتَّصِف ويتخلَّق بها في الحجِّ وفي غير الحجِّ، ولكنها في الحجِّ آكَدُ وأعظم .

من تلك الآداب والأوامر: تركُ الجِدال والمِراء بغير حقٍّ؛ لأنه يُورِثُ الشحناء والتعصُّب،

ويُوغِرُ الصدور

قال تعالى:

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ

فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }

[ البقرة: 197 ].

ومن تلك الفضائل: الصدقة، وبذلُ الطعام، وإفشاءُ السلام، ولِينُ الكلام؛

لأن الحجَّ موسِمُ إحسانٍ وصدقة، وصفاءٍ، وقد فُسِّر الحجُّ المبرورُ بذلك.

ومن تلك الأخلاق والآداب المأمور بها: اجتِنابُ المُحرَّمات والباطل من الأقوال،

والإكثار من الذكر والتلبِية، وقراءة القرآن

لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:

( إنما جُعل الطوافُ بالبيت وبالصفا والمروة ورميُ الجِمار لإقامة ذِكر الله )

رواه أحمد من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

وهذا يعُمُّ أعمالَ الحجِّ .
ومن تلك الفضائل المأمور بها: سلامةُ الصدر للمُسلمين، والنُّصحُ لهم.

وسلامةُ الصدر من أكبر نعَم الله على العبد،

وقد وصفَ الله المؤمنين السابقين بسلامةِ الصدور

فقال تعالى:
{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا

وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا

رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }

[ الحشر: 10 ].

فالمُسلمُ مع جماعة المُسلمين مرحومٌ ومحفوظٌ،

قال الله تعالى فيمن تابَ من النِّفاق:

{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ

فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا }

[ النساء: 145، 146 ].

وعن عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه :

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

( ثلاثٌ لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلم: إخلاصُ العمل لله،

والنُّصحُ لأئمةِ المُسلمين، ولُزومُ جماعتهم؛ فإن الدعوةَ تُحيطُ من ورائِهم )

رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه.

ومعنى هذا الحديث: أن اجتماعَ الإخلاص والنُّصح لوُلاة الأمر،

ولُزوم جماعة المُسلمين بعدم الخُروج عليهم تنفِي من القلبِ الغلَّ، والحسَد، والحقدَ،

والمكرَ، والغِشَّ، والخديعةَ، والغَدر؛

لأن اجتماعَ هذه الخِصال الثلاث في المُسلم حافِظةٌ له من الشَّيطان،

ويدخلُ بها المُسلم في دُعاء المُسلمين الذي ينالُ به النجاة والسعادة،

ويُحفَظُ بها في حِصن الإسلام .

وكلُّ مُسلمٍ يفرحُ باجتِماعِ المُسلمين في الحجِّ ووحدتهم،

فمن استكمَلَ أعمالَ الحجِّ فقد أحسنَ إلى نفسه وإلى المسلمين،

ومن سلِمَ له حجُّه سلِمَ له عُمرُه، ومن جاء إلى الحجِّ ليُؤذِيَ المُسلمين،

أو جاء لمعصيةٍ، أو جعلَ الحجَّ وسيلةً إلى مقاصِد لا يُقرُّها الإسلام،

أو أراد أن يُغيِّر تعاليمَ الحجِّ إلى مظاهر مُنحرِفة،

أو إلى أهداف مُبتدَعة فقد ألحَدَ في بلد الله الحرام.

والله لا يخفَى عليه شيءٌ من نوايا الإنسان وأعمالِه، فهو العليمُ بذاتِ الصدور،

والربُّ - سبحانه - هو الذي سيتولَّى عقوبةَ من يُلحِدُ في بلد الله الحرام

قال الله تعالى:

{ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

[ الحج: 25 ].

ولن ينفعَك - أيها الإنسان - من أمرَكَ بمعصيةٍ،

ولن يدفعَ عنك عقوبةَ الله، وستندَمُ على طاعةِ الشيطان.

وهذا التجمُّع الإسلاميُّ الكبير في الحجِّ كلَّ عامٍ، وهذه الأُخُوَّة الإسلاميةُ القويةُ الروابِط،

وهذا التوحيد الذي يكون من الحُجَّاج،

وهذا الجمعُ في القيام بمناسِك الحجِّ يُذكِّرُ بمنافِع الحجِّ التي يشهَدُها المُسلِمون،

فيتعلَّمُ الجاهلُ من العالِم، ويتعارَفُ المُسلِمون ويتعاضَدُون،

ويُكمِّلُ بعضُهم بعضًا فيما قصَّروا فيه، ويجبُرون كسرَهم، ويتناصَرون في الدين،

ويتعاوَنون على ما يصلُحُ لهم في دُنياهم،

وينتفِعون بدُعائِهم المُستجاب في تلك الأماكِن المُقدَّسة،

وينقلِبُون بحُسن العاقِبَة في الآخرة، ويشفَعون فيمن دعَوا له.

كما يُذكِّرُنا هذا المشهَدُ المُتوحِّد، والجمعُ المُبارَك،

وتآلُف القلوبِ فيه من كل جنسٍ،

يُذكِّرُنا بما دبَّ إلى المُسلمين من الفُرقة والاختِلافِ والتدابُر والتنافُر،

فيقولُ كلُّ مُسلم ناصِحٍ: ليتَ المُسلمين يتوحَّدون ويجتمِعون على الحقِّ

كما يجتمِعون في الحجِّ.

فيتحسَّرُ لفُرقة المسلمين واختِلافهم،

ويتحيَّرُ في الفِرق التي حادَت عن منهَج السلَف الصالِح،

وابتعَدَت عن تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية التفسيرَ الصحيح،

ونابَذَت العلماءَ الراسِخين في العلمِ، فلم تنتفِع بالفَهم الصحيح للدين منهم،