المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : فضل الأيام المعدودات


حور العين
09-27-2015, 01:20 AM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
فضل الأيام المعدودات
والتي تحدَّث فيها عن أيام التشريق، وهي الأيام المعدودات التي ذكر الله - جل وعلا -،

وبيَّن ما فيها من أعمالٍ للحاجِّ وغيره، ثم ذكَّر ببعض أحكام الأضحية،

مع الحثِّ على اتباع السنة واجتناب البدع والمُحدثات .

الحمد لله، الحمد لله الذي يُسبِّح الملكوتُ له وهو للحمد أهل،

وتعالى ربُّنا الله الذي عزَّ على كل شيءٍ وجلَّ،

أهلَّ لأجله الحَجيجُ وطوَوا إلى مكة طُولَ السُّبُل،

أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مِثل،

وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ الرُّسُل،

صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أيها المسلمون :
الزَموا مراضِيَ الله وعليكم بتقواه؛ فإن تقوى الله خيرُ وصيةٍ تُوصَى،

وأكرمُ زادٍ يُدَّخر، وأفضلُ عملٍ يُقدَّم ويُذخَر. بالتقوى تُستجلَبُ النعم، وتُدفعُ النِّقم،

وتصلُح الأعمالُ والنفوس، وتُغفرُ الذنوبُ والخطايا

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

[ الأحزاب: 70، 71 ].

حُجَّاج بيت الله العتيق .. ضيوفَ الرحمن :

رِضوانُ الله عليكم أيَّ أيامٍ قضيتُموها، وليالٍ زُهرٍ تفيَّأتموها .. وقفتُم بعرفات الله،

وتعرَّضتم لمغفرته ورحمته، وبِتُّم ليلةَ المُزدلِفة ذاكرين الله عند المشعَر الحرام،

في ليلِ عيدٍ أبرَك الأعياد .

ثم أصبحتُم على أعظم أيام الدنيا: يوم النحر، يوم الحج الأكبر،

عيدُ المُسلمين الأعظَم، للحُجَّاج وفي سائر الفِجاج .

وقفتُم بعرفة ودعوتُم، وإلى الله ازدلَفتُم وابتَهلتُم، ثم رميتُم وحلقتُم ..

أنختُم رِكابَكم عند بيت الله العتيق

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }

[ آل عمران: 96، 97 ]

فعلى هذي الرُّبَى تُغسلُ الخطايا، وتُؤمَّلُ من الله الرحماتُ والعطايا ..

تُمحَى الذنوبُ والسيئات، وتُقبلُ الأعمالُ الصالحةُ وتُرفعُ الدرجات.

فاقدُروا للبيت حُرمتَه، وتلمَّسوا من الزمان والمكان بركتَه؛

فنبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - يقول:

( من حجَّ ها البيت فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَته أمُّه )

متفق عليه.

وفي "الصحيحين" أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

( والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة )

عباد الله :

واليوم هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وهو أولُ أيام التشريق،

أيام مِنى. سمَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - "يوم القَرّ"،

وذلك لقرار الحُجَّاج واستقرارهم بمِنى للرمي والمبيت.

ثبتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال:

( أعظم الأيام عند الله: يوم النحر، ثم يم القَرّ )

رواه أحمد وأبو داود.

وأعمال هذا اليوم وما بعدَه للحاجِّ: هي أن يرمي الجِمار الثلاث،

وأن يَبيتَ بمِنى، وأن يقصُر الصلوات الرباعية بلا جعٍ، بل يُصلِّي كل صلاةٍ في وقتها،

وأن يُكثِر من ذكر الله تعالى. أكثِروا من التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

هذه الأيام المعدودات التي قال الله فيها:

{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ }

[ البقرة: 203 ].

كبِّروا الله عند رمي الجِمار، وكبِّروا الله عند ذبح النُّسُك،

وكبِّروا الله أدبار الصلوات، كبِّروا الله في كل وقتٍ وآن.

كان لعُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قُبَّةٌ بمِنى،

فيُكبِّرُ ويُكبِّرُ الناسُ بتكبيره، حتى ترتجَّ مِنى تكبيرًا.

كبّروا واجأروا بالتكبير حتى تُكبِّر الأرض، ويعلُو التكبير للسماوات.

كبِّروا حتى تُعلِن الأمةُ أن الخُضوع والخُنوع لا يكون إلا لله،

وأن الذلَّ والانكِسار لا يكونُ إلا لله، وأن الله أكبر، منه الاستِمداد والعون وعليه التوكُّل،

{ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

[ البقرة: 185 ]
أعيادُنا تهليلٌ وتكبير، وشُكرٌ وذكر

{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ

وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }

[ الإسراء: 111 ].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
كان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - يقول:

[ بعد يوم النحر ثلاثة أيام التي ذكرَ الله: الأيام المعدودات لا يُردُ فيهنَّ الدعاء ]

فارفعوا رغبتَكم إلى الله - عز وجل -.

وعن نُبيشَة الهُذليِّ - رضي الله عنه

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

( أيامُ مِنى أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ لله )

رواه مسلم.

إنه نعيمُ الأبدان بالأكل والشرب، ونعيمُ القلوب والأرواح بالذكر والشُّكر،

وبذلك تتمُّ النعم .

الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.

حُجَّاج بيت الله الحرام :

هنيئًا لكم .. أتممتُم - بفضل الله - خامسَ أركان الدين،

وقبلَكم قد أتمَّ الله في هذه الرُّبوع الدينَ،

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }

[ المائدة: 3 ].

ففي هذه الرُّبوع أتمَّ الله عليك نعمتين: نعمةَ تمام الدين، ونعمةَ تمام تديُّنك.

فاعرِف لله فضلَه، واقدُر لهذه النعمة قدرَها.

هنيئًا لكم تمامُ النُّسُك، وبُشرى لكم وعدُ القبول، والله لا يُخلِفُ الميعاد .

معاشر الحَجيج :

في هذه الأيام تقِفون على أرض الوحي ومُتنزَّل الرسالة .. رأيتُم الكعبة،

وعانقتُم الحجر، وصلَّيتُم عند المقام .. سعيتُم كما سعَت هاجر،

وضحَّيتُم كما ضحَّى إبراهيم، واستسلمتُم كإسلام إسماعيل،

وطُفتُم كما طافَ مُحمدٌ - عليه وعلى الأنبياء الصلاة والسلام -،

ورأيتُم مهدَ الصحابة الكرام، وسِرتُم رغبةً وإخلاصًا .

لعلَّ قدمًا تأتي مكان قدَم، وطوافًا يأتي مكان طواف، وسعيًا يأتي مكان سعي ..

ذكرياتٌ تتجدَّد عبر الزمان والمكان، وتحياها الأمةُ جيلاً بعد جيل فتتعمَّقُ إيمانًا،

وتتألَّقُ يقينًا، وتزدادُ خيرًا.

إنها مشاعرُ لا تُوصف، وأحاسيسُ لا تُكتب، وإنما يجِدها من حضرَها ولبَّى نداءَها.

أيامٌ وأماكن وأعمال تهبُ على قلبّك المكدُود، فتضُخُ فيه الروح،

وتُنبِت فيه التُّقى، وتزيدُ فيه الإيمان.

ما أعظمَ هذا الدين! وما أجملَ هذا الإسلام! عقيدةٌ صافية، وإيمانٌ راسِخ،

وسُلوكٌ جميل. عدلٌ ومُساواة، ورحمةٌ وعملٌ، فإن رُمتُم عزًّا كما كان أوائِلُكم،

ونصرًا وتمكينًا كما مُكِّن لسلَفكم، فالزَموا غرزَهم، وترسَّموا سُنَّتَهم.

قال - صلى الله عليه وسلم -:
( عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي،

عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة )

قال الإمامُ مالكٌ - رحمه الله -:

[ لن يصلُح آخرُ الأمة إلا بما صلَح به أولُها ]

وصدقَ - رحمه الله -،

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }

[ الرعد: 11 ].

إن المُسلمين إن لم يجمَعهم الحقُّ شعَّبهم الباطل،

وإن لم تُوحِّدهم عبادةُ الرحمن مزَّقتهم طاعةُ الشيطان،

وإذا لم يأتلِفوا على كلمة التوحيد فسيظلُّون في أمرٍ مريج .

فاتَّحدوا - أيها المسلمون - على كتاب الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -،

{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }

[ المؤمنون: 52 ]

إلهُكم الله الذي لا إله إلا هو، ونبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -،

وكتابُكم القرآنُ الكريم، ودينُكم الإسلام، وقبلتُكم واحدة. فلم التفرُّق والتنازُع،

وبين أيديكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا:

كتاب الله وسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!

عباد الله .. حُجَّاج بيت الله الحرام :

يقول ربُّكم - سبحانه -:

{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)