المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة العيد المسجد الحرام بعنوان : مقاصد الحج وأهدافه


حور العين
09-27-2015, 06:01 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّة عيد الأضحى من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي - يحفظه الله
خطبة العيد المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
مقاصد الحج وأهدافه

والتي تحدَّث فيها عن الحج وأعظم المقاصد التي من أجلِها شُرع،

ثم عرَّج على بيان ما في الحج من مظاهر التزكية والتربية والتهذيب للنفوس

والقلوب والسلوك والأخلاق،

وتطرَّق إلى ظهور عالمية دين الإسلام من خلال مناسِك الحج وشعائِره،

مُبيِّنًا أن الأمة المحمدية مهما كاد لها أعداؤُها وتربَّصوا بها،

فإنها حتمًا ستُفيقُ من غفلتها، وتهبُّ من سُباتها،

وتعود لها عزَّتها ومكانتها كما كانت من قبل، كما بيَّن بعض أحكام الأضحية وفضلَها،

وختم خطبتَه بذكر أحوال السلف - رحمهم الله - في حجِّهم .

الحمد لله، الحمد لله العليِّ الكبير المُتعال،

المحمود على نعمه وآلائه في كل الأزمان والأحوال،

المُتصف سبحانه بالعزة والعظمة والجلال، نحمدُه - سبحانه - ونشكرُه بالغُدو والآصال،

ونعوذ بعزَّته وقُدرته من ظُلمات الشرك والشك والضلال،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحدٌ أحدٌ صمدٌ لا كُفؤ له ولا شَبيه ولا مثال،

المعبُود بحقٍّ وصدقٍ الذي سجدَت له الخلائِقُ والأفلاكُ والشخوصُ والظلال،

القاهرُ فوقَ عباده الذي خضعَت له الرِّقابُ وهو القويُّ شديدُ المِحال.

خلقَ الخلقَ فانقسمُوا فريقين: هذا مُهتدٍ محبوب، وذاك مبغوضٌ ضال،

وكما بدأ أول خلقٍ بلا كُلفةٍ ولا مؤُونة،

فهو - سبحانه - يُعيدُه وهو أهونُ عليه وإليه المرجعُ والمآل،

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله النبيُّ المُجتبى والرسولُ المُصطفى

كريمُ الشمائل والخِصال، وخيرُ البريَّة وأتقاها وأعدلُها، فما حادَ عن الحقِّ ولا مال.

النورُ الهادي والسيدُ الكبيرُ والسراجُ المُنير، والمُنقِذُ للأمة من الهلاك والضلال،

أتمَّ الله به النعمة، وأعظمَ به المنَّة، وجعلَه فخرَ الأنبياء وسيدَهم،

وشامةَ الرسل وإمامَهم، صلَّى عليه الله ما ناحَت الأطيارُ والحمائِم،

وتعاقَبَ الليلُ والنهار، وتتابعَت منائِحُ الله والكرائِم،

صلَّى عليه الله وعلى أهل بيته السادة أهل الشرف والفضائل،

وأزواجه الطاهرات الحرائر، وسائر صحابتِه الكرام الأبرار،

والتابعين لهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم العرض والسؤال .

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .

الله أكبر عدد ما لبَّى الحجيجُ وهلَّلوا وكبَّروا،

الله أكبر عدد ما أحرَموا لله بالتوحيد وأسلَموا،

الله أكبر عدد ما ما أصبحَ عيدُ الأعياد وأسفَر، وأشرقَ صبحُه وأنوَر،

الله أكبر زِنَة العرشِ المجيد، ومِدادَ كلماتِ الله الحميد،

ورِضا نفسِه وهو على كل شيءٍ شهيد،

الله أكبر عدد الخلق والأمر نورًا وبُشرى،

الله أكبر ما تعالَت الأصواتُ تكبيرًا لله وذكرًا، الله أكبر ما توالَت الأعيادُ عُمرًا ودهرًا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

فأوصيكم ونفسي - حُجَّاج بيت الله الحرام - بتقوى الله في السر والعلانية،

والغُدوّ والرواح، والإمساء والإصباح؛

فإنها الزادُ الأعظمُ والمنهلُ الأكرمُ والنورُ الأتم في ظُلمات الحياة ودُروبها،

ومُعترَك الأقدار وأهوالها، وذُل المصائِب والأحزان وآلامها.

أمة الإسلام .. حُجَّاج بيت الله الحرام :

من أكرمُ منكم اليوم؟! يوم العيد الأكبر، والحج الأعظَم .

وأنتم أضياف الملِك العظيم .. من ذا يُسامِيكم ويبُزُّكم شرفًا وفخرًا، وأنتم وفدُ الله الجليل،

وحُجَّاج بيته العتيق .. دعاكم فأجبتُموه،

وحرَّك قلوبَكم للقُدوم عليه فأقبلتُم زُرافاتٍ ووحدانًا،

ولبَّيتُم النداءَ الإلهي الجليلَ على لسان إبراهيم الخليل - عليه

وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والتسليم .

فما تظنُّون بالرب الرحيم الكريم؟! وماذا تتوقَّعون من ملكٍ مُحسنٍ جوادٍ كريم؟!

بيده خزائنُ الخيرات وخِتمُها، وكنوزُ الرحمات وحُللها.

ما جاء بكم - سبحانه وتعالى - إلى بيته الحرام إلا ليُكرِمكم، ويُسبِغ عليكم عفوَه وفضلَه،

وما حرَّك عزائِمَكم وأثارَ أشواقَكم إلى حجِّ بيته،

وأعانَكم على الوصول إلى الشعائر والمشاعِر إلا ليُرِيَكم كرائِم فضله وعفوِه ورحمتِه .

وما أصابَكم من تعبٍ ولا نصبٍ ولا مشقَّة، ولا هبطتُم واديًا أو صعدتُم شرَفًا،

ولا أنفقتُم من نفقةٍ صغيرةٍ ولا كبيرةٍ،

ولا جأرتُم إلى الله وبُحَّت أصواتُكم بالتلبية والتكبير،

وأجهَدتُم أنفسَكم إلا كُتِب لكم ذلك كله .

وليس للحجَّة المبرورة جزاءٌ وثوابٌ إلا الجنة،

ومن حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ من ذنوبِه كيوم ولدَته أمُّه،

كما ثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم .

وهل أتاكُم نبأُ حديثٍ عظيم؟! تهتزُّ القلوب عند سماعه فرحًا وحُبورًا،

فيكون حاديًا للأرواح والنفوس، وشاديًا للأفئدة والأجساد،

إنه الحديثُ الفخمُ الجليلُ الذي أخرجه الطبراني وغيرُه بإسنادٍ حسن،

عن ابن عُمر - رضي الله عنهما - قال:

قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:

( أما خروجُك من بيتِك تؤمُّ البيتَ الحرام – يعني : تقصد وتريد

فإن لك بكل وطأةٍ تطؤُها راحلتُك يكتُب الله لك بها حسنة، ويمحُو عنك بها سيئة،

وأما وقوفُك بعرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيُباهي بهم الملائكة، فيقول:

هؤلاء عبادي جاؤوني شُعثًا غُبرًا من كل فجٍّ عميق،

يرجُو رحمتي ويخافون عذابي ولم يرَوني، فكيف لو رأوني؟!

فلو كان عليك مثلُ رملِ عالِجٍ، أو مثلُ أيام الدنيا،

أو مثلُ قطر السماء ذنوبًا غسلَها الله عنك، وأما رميُك الجِمار فإنه مذخورٌ لك،

وأما حلقُك رأسك فإن لك بكل شعرةٍ تسقُط حسنة،

فإذا طُفتَ بالبيت خرجتَ من ذنوبِك كيوم ولدَتك أمُّك )

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أمة الإسلام :

إن أعظمَ المقاصِد والقواعِد التي من أجلها شُرع الحج، هو:

إعلانُ التوحيد الخالص لله - سبحانه -، والبراءةُ والخُلوصُ من الشرك،

{ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ

أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }

[ التوبة: 3 ].

ومناسكُ الحج كلُّها دلائلُ وبراهينُ على التوحيد،

فمنذ أن يُحرِم الحاجُّ وهو يُعلن التوحيد،

ويستشعِرُه في التلبية والتكبير والطواف والسعي ورمي الجِمار والوقوف بعرفة

ومُزدلفة، وغير ذلك، فيتربَّى الناسُ طِيلةَ أيام الحج على التوحيد قولاً، وعملاً، وقصدًا،

وإرادةً، حتى يُصبِحوا حنفاء لله غيرَ مُشركين به

{ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ

فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

[ الحج: 31 ].

وإنما جُعل الطوافُ والسعيُ ورميُ الجِمار لإقامة ذكر الله - عز وجل -،

والتسليم المُطلق لله - عز وجل -، وليعلمَ اللهُ من يخافُه بالغيب ويُطيعُ أوامِره،

وليظهرَ من لم يرضَ ولم يُسلِّم لله وهم في شُكوكهم وطُغيانهم يعمَهون.

إن التوحيدَ أظهرُ ما يكون في الحج؛ حيث تلتقي أمةُ التوحيد من كل فٍّج عميق،

ليُؤكِّدوا أن التوحيد عقيدة الأمة جمعاء، من شرقها إلى غربها،

وهو دينُ الله الذي قام به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خيرَ قيام،

وقام صحابتُه من بعده بنشره وتبليغه، وسارَ على دربهم أئمةُ الإسلام العُظماء؛

كالإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام مالك بن أنس، والإمام محمد بن إدريس الشافعي،

والإمام أحمد بن حنبل، والإمام البخاري،

وغيرهم من أئمة الإسلام الأعلام على مرِّ العصور.

وإن من الخُسران المُبين أن يأتي الحاجُّ إلى هذه المشاعِر والشعائِر

التي تفيضُ بالتوحيد، فيرتكِب الشرك، ويسألُ غيرَ الله، أو يبتدِع في دين الله،

ولا يُبالي أكان حجُّه لله خالصًا، أو كان رياءً وسُمعة،

أو على غير هدي محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -،

أو كانت فيه شوائِب الشرك وحب الثناء والمحمَدة والتفاخُر بالأعمال،

ليُشار إليه بالبَنان .

فاتقوا الله - يا حُجَّاج بيت الله -، واعلَموا أن التوحيد والإخلاص هو روح الأعمال

وأساسُ صحَّتها، فلا تُفسِدوا أعمالَكم بالشرك ووسائله، وبالرياء وطرائِقِه،

وحبِّ الشهرة والظهور والمحمَدة،

فإن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما كان خالصًا له - سبحانه .

وفي "صحيح مسلم" :

( قال الله تعالى: أنا أغنَى الشركاء عن الشرك،

من عملَ عملاً أشركَ فيه معي غيرَه تركتُه وشِركَه )

فالله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

حُجَّاج بيت الله الحرام :

لقد حجَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حجَّةً واحدةً في حياته بعد بعثته،

فكانت حجَّةً مهيبةً جليلةً، فيها من العبر والدلائِل والتشريع والحِكَم والمقاصِد

ما لا يُحصَى إلا بكُلفةٍ جَهيدةٍ، ومن ذلكم خُطبتُه العصماء البليغة العظيمة في عرفاتٍ،

ثم في مِنى، قرَّر فيها قواعد الإسلام وأصولَه، وأصولَ الأخلاق وقِيَم التعامُل النبيلة،

مما يجدُرُ بتلك الكلمات النبوية المجيدة أن تكون أقدمَ وثيقةٍ تاريخية

لقِيَم الفضيلة والتعايُش وحقوق الإنسان في الإسلام .

وحُقَّ للمُسلمين جميعًا أن يفخَروا بها، ويُفاخِروا بها الأُمم التي زعمَت سبقَها

في إرساء هذه الحقوق، وهم في حقيقة واقعهم وحياتهم أبعدُ الناس عن كثيرٍ منها.

لقد أكَّد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في خُطبته في عرفاتٍ ثم في مِنى على حُرمة

الدماء المعصُومة، والأموال، والأعراض،

وأن المُسلمين تتكافؤُ دماؤُهم وأموالُهم وأعراضُهم، وهي حرامٌ كحُرمة البلد الحرام،

في الشهر الحرام، وقرَّر - صلى الله عليه وآله وسلم - مبدأَ المُساواة والعدالة،

وأن المُؤمنين كلهم إخوةٌ مُتساوُو الحقوق، لا فضلَ لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى .

وأكَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن كل شعائِر الجاهلية؛ من الشرك، والعصبيات،

والفخر بالأحساب، وغيرها مرفوضةٌ وباطلة،

وأن من أعظم شعائِر الجاهلية الباطلة الربا،

تلكم الكبيرة الشنيعة الماحِقة لكل خيرٍ وبركة، التي تُفسد الاقتصاد والحياة والأخلاق .

وشدَّد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على حقوق المرأة،

وحذَّر من ظُلمها والتعدِّي عليها، لضعفها وقلَّة حيلتها،