المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بعنوان : صفات أهل المكر والخيانة


حور العين
10-10-2015, 08:45 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد البارئ بن عواض الثبيتي - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
صفات أهل المكر والخيانة
والتي تحدَّث فيها عن صفات أهل المكر والخيانة، مُحذِّرًا من سُلوك سبيلهم،
ومُبيِّنًا عِظَم خطرهم على المسلمين أفرادًا وجماعات .
الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي هدَى عبادَه وحفِظَهم من الكيد والمكر،

أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه على الغِنَى والفقر،

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلقُ والأمر،

وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه دلَّ أمَّتَه على طريق العزِّ والنصر،

صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه كلما عسعسَ ليلٌ وتنفَّس فجر .

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله،

قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

[ آل عمران: 102 ]

خلقَ الله - تبارك وتعالى - أبانا آدم - عليه السلام -،

وقام الشيطانُ بمُعاداته والمكر به لإغوائِه، تعرَّض الرُّسُل لأنواعِ من المكر والكيد،

ونُسِجَت لهم المُؤامرات.

يُوسف - عليه السلام - مكرَ به إخوتُه، فصبرَ على أذاهم،

فقال الله تعالى في حقِّه:

{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }

[ يوسف: 90 ].

وإبراهيمُ - عليه السلام - جُمِع له الحطب، وأُوقِدَت النار، فأُلقِيَ فيها،

فكانت بردًا وسلامًا، وبطَلَ مكرُهم،

{ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ }

[ الصافات: 98 ].

وعيسى - عليه السلام - كادَه قومُه، ومكروا به ليقتُلوه ويصلِبوه،

فنجَّاه الله تعالى من شرِّهم .

كادُوا لموسى - عليه السلام -، فقال الله تعالى :

{ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى }

[ طه: 69 ].
وجيشُ أبرهَة يكيدُ لهدم الكعبة، فأبطلَ الله مكرَهم،

{ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }

[ الفيل: 3- 5 ]

أجمعَ الأعداءُ أمرَهم، ومكروا برسُول الله - صلى الله عليه وسلم -،

وكان مكرُهم إلى زوال،

قال الله تعالى:
{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }

[ الأنفال: 30 ].
من صفات أهل المكر: الغدرُ وخيانةُ العُهود؛

ففي بئر معُونة قُتل سبعون من خيار الصحابة،

قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

[ الأنفال: 27 ].

وكان الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يستعيذُ بالله من الخيانة، ويقول:

( وأعوذُ بك من الخيانة؛ فإنها بِئسَت البِطانة )

والمُنافِقون كانوا مصدرَ أكبر كيدٍ عانَى منه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -،

بتلوُّن مواقفِهم، وتشكُّل أحوالهم، قال الله تعالى فيهم:

{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ

قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }

[ البقرة: 14 ]

وقال الله فيهم :

{ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

[ البقرة: 77 ]
أي: أولا يعلَمون أن الله يعلمُ ما يُسرُّون من كيدٍ وكُفر، وما يُعلِنون من إظهار إيمانٍ وُود.

ومن صفات أهل المكر: الظهورُ في أوقات المِحَن والحوادِث، والفرحُ بمُصاب المُسلمين،

فإذا أصابَ المُسلمين نصرٌ وتمكينٌ أصابَهم غيظٌ وهمٌّ وكربٌ،

وإذا نزلَت بالمُسلمين نازِلةٌ، وحلَّ بهم بلاء، انتشَى الأعداءُ فرحًا واختيالاً،

قال الله تعالى:

{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا }

[ آل عمران: 120 ].
ومن صفات الماكِرين: تضخيمُ الأحداث، وتصيُّد الزلَّة والخطأ وإشاعتُه،

وتجاهُل الإنجازات والإيجابيات، وهذا ديدَنُ الحاقِدين الحاسِدين.

ومن الكَيد: استِهدافُ الشباب، وإغواؤُهم بالكلمة والصورة والفِكرة،

عبرَ وسائل الإعلام والاتصال. وهذه أشدُّ خطرًا من الجيوش الجبَّارة والأسلِحة الفتَّاكة،

بنشر أفكار التطرُّف والغلُوِّ، لحساب أغراضٍ مشبُوهة، والاستيلاء على عقول الشباب،

والفصل بينهم وبين علمائِهم، ليسهُل اصطِيادُهم،

والتأثيرُ عليهم من نكِراتٍ لم يُعرَفوا بعملٍ ولا عمل .

ومن أعمال الحاقِدين: زرعُ التنظيمات الإرهابية في ديار المُسلمين،

لتكون وقودًا يحرِقُ الشبابَ ويُدمِّرُ مُستقبلَهم وبُلدانَهم.

ومن أساليب المكر: تصويرُ هذا الدين بمظهَر التخلُّف والفوضَى والهمجيَّة والوحشيَّة،

بعرضِ مناظِر دامِية، وتنفيذِ اغتِيالاتٍ من مُندسِّين في صُفوف المُسلمين،

ومن مُتلبِّسين بثوبِ الدين.

ومن صُور المكر: اختِلاقُ الأكاذيب، ونشرُ الإشاعات المُغرِضة،

وجاءَت الآياتُ البيِّنات لتُحذِّر من مُسايَرَة المُروِّجين،

والتوجيهَ بتسديد القول وعدم إلقائِه على عواهِنِه بغير حكمةٍ وتبيُّن،

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }

[ الأحزاب: 70 ].

وجَّه القرآنُ إلى إحكام القول والتدقيق فيه، ومعرفة هدفِه واتِّجاهه،

قبل مُتابَعة المُنافقين والمُرجِفين.

ومن المكر: بثُّ الشُّكوك بين المُسلمين في قيادتهم ووُلاة أمرهم،

بتزييف الحقائق وتزويرها.

ومن صُور التآمر: تصديرُ فتاوى الشُّبهات والفتنة،

وهذا يُفضِي إلى شُيوع الباطل وإلباسِه لَبُوس الحقِّ.

ومن العجب أن الفتاوى الغريبة شاعَت في زماننا، ولبَّسَت على العامَّة،

وتسابقَ في بثِّها المُنساقُون إلى غريب الأقوال،

وأحدثَت في الأمة آثارًا سليبَّة وأضرارًا بليغة .

من أساليب التآمُر: الصدُّ عن الحقِّ بإثارة الغرائِز والشهوات،

وإغراق الشباب بالمُخدِّرات .

ومن أعمال الماكِرين: إثارةُ الفوضَى والبلبلةِ والفِتَن، وتفريقُ صفِّ المُسلمين،

وإشعالُ الأزمَات، كي تتعطَّلَ حركةُ البناء والتنمية والعطاء في بلاد المُسلمين،

وتنصرِف إلى مُعالجَة آثار الفتن والعمل على إخماد نارها.

ومن مكر الماكرين: صناعةُ الإرجاف ببثِّ رُوح الضعف، والاستِكانة، والإحباط،

والهزيمة النفسية

قال الله تعالى:

{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا

وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }

[ آل عمران: 173 ].

هذا هو الحصنُ المنيعُ الذي يلجَأُ إليه المُؤمنون، عندما تُحيطُ بهم المصائِبُ والمِحَن،

ومهما اشتدَّت الخُطوب، فإنها لا تزيدُهم إلا ثباتًا وإيمانًا وتسليمًا.

فتاريخُ هذه الأمة المجيد يبعَثُ التفاؤُل، وهو تاريخُ السُّؤدَد والمجد والثقة بانتِقام الله

ممن بغَى وطغَى

{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ }

[ البروج: 12، 13 ].

نُحسِنُ الظنَّ بربِّنا، ونثِقُ بعدلِه، فإنه ناصِرٌ أولياءَه، قاهرٌ أعداءَه

قال الله تعالى:

{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ

وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا }

[ الأحزاب: 22 ].
من حفظِ الله للحقِّ وأهلِه: تحطُّم كل أنواع المكر والكيد على صخرة ثبات هذه الأمة،

التي تحمِلُ ميراثَ النبوة، وإن ضعُفَت زمنًا فالصَّولةُ والعاقبةُ لها، والتمكينُ مصيرُها،

قال الله تعالى:

{ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }

[ الروم: 47 ].
قد ينالُ المُسلمين بأسٌ من مكر الماكِرين، وأذًى من كيد الكائِدين،

وذلك ليبتلِيَ الله المُؤمنين، ويكشِف المُنافقين، ويمتحِنَ ثباتَ المُسلمين.

ومهما بلغَ شأنُ المكر والكيد فهو مُقيَّدٌ بقدَر الله، ومُحاطٌ بمشيئته،

والمكرُ السيئُ لا يرجِعُ إلا على فاعلِه،

قال الله تعالى:

{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ }

[ فاطر: 43 ].
إن اجتِماعَ الكلمة، ووحدةَ الصفِّ، وتآلُف القلوب طريقُ النصر والعزِّ، وأساسُ التمكين،

قال الله تعالى:

{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }

[ الأنفال: 46 ].
والأمةُ المُسلمةُ تجمعُ بين اتِّخاذ الأسباب والتوكُّل على الله - سبحانه -،

ومن وكلَ أمرَه إلى الله وفوَّضَه كفاه ربُّه، وحفِظَه وحماه،