المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بعنوان : الاستعاذة في الكتاب والسنة


حور العين
11-15-2015, 09:09 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد القاسم - يحفظه الله

خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
الاستعاذة في الكتاب والسنة
والتي تحدَّث فيها عن الاستعاذة كما وردَت في كتاب الله تعالى

وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -،

من خلال استشهاده بكثيرٍ من الآيات والأحاديث التي وردَ فيها ذكرُ الاستعاذة،

مُبيِّنًا عِظَمَ الاستعاذة، وأنها لا تكون إلا من الله تعالى وحده.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،

من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه،

وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى .

أيها المسلمون :

نعَتَ الله نفسَه بصفات الجلال والجمال والكمال،

فأسماؤُه حُسنى وصفاتُه عُلى، خلقَ فأبدعَ وأتقنَ ما صنع .

ومن كمال حكمته وقُدرته أن خلقَ من كل شيءٍ زوجين اثنين؛

فخلقَ الشيءَ وضدَّه من ليلٍ ونهار، وذكرٍ وأنثى، وخيرٍ وشرٍّ.

والعبدُ ضعيفٌ ولا غِنى له عن الله في كل حال، يسألُه الخيرَ ويستعيذُ به من الشر،

قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }

[ فاطر: 15 ].

وهو - سبحانه - المدعُوُّ عند الشدائد، المرجُوُّ عند النوازِل

{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }

[ النمل: 62 ].

وهو الذي يمسُّ بالضُّرِّ وهو الذي يكشِفُه،

قال - سبحانه -:

{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ }

[ الأنعام: 17 ].

وأمرَ عبادَه بدعائِه وحدَه ووعدَهم الإجابة، وذلك من حقِّه الذي لا يشرَكُه فيه غيرُه.

ومن دُعائِه: الاستعاذةُ به من المخاوِف، فهي عبادةٌ من أجلِّ العبادات،

يظهرُ فيها تعظيمُ الله وتعلُّق القلب به وإفرادُه بالطلب والافتِقار،

وعلى قدرِ صِدق العبد ولجُوئِه إلى الله يتحقَّقُ مُبتغاه،

قال الله في الحديث القُدسي إذا أحبَّ عبدَه:

( وإن سألَني لأُعطينَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذنَّه )

رواه البخاري.

ومن كان لله أعظمَ عبوديةً كان أشدَّ استِعاذةً به ولجُوءًا إليه.

والرسلُ - عليهم السلام - كانوا يعوذون بالله في الكُروب ودفع المكارِه والشُّرور،

لما نهَى الله نوحًا - عليه السلام - عن الدعاء لابنِه لكفره بالله،

قال:

{ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ }

[ هود: 47 ].

ويوسف - عليه السلام - اعتصمَ بالله من الفتنة:

{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }

[ يوسف: 23 ].

وموسى - عليه السلام - لما توهَّم قومُه أنه يسخرُ بهم بأمره ونهيِه، قال:

{ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }

[ البقرة: 67 ].

وتكبَّر فرعونُ وقومُه على دعوته فقال:

{ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ }

[ غافر: 27 ].

واستعاذَ - عليه السلام - من أذيَّة فرعون وجُنده له، فقال:

{ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ }

[ الدخان: 20 ].

وأولياءُ الله لجأوا إليه؛ امرأةُ عمران وضعَت حملَها وقالت:

{ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }

[ آل عمران: 36 ].

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( ما من مولودٍ يُولَد إلا نخسَه الشيطان، فيستهلُّ صارخًا من نخسة الشيطان،

إلا ابنَ مريم وأمَّه )

متفق عليه.

ومريم - عليه السلام - جاءَها الملَكُ لنفخ الروح فيها، فظنَّت أنه بشرٌ يُريدُ بها سُوءًا،

فقالت:

{ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا }

[ مريم: 18 ].
ونبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كان دائِمَ اللُّجوء إلى ربِّه مُقبِلاً عليه

في كل أحواله؛ فيستعيذُ بالله إذا أصبحَ وإذا أمسَى، وإذا سافرَ وأقام،

وفي السِّلم والحرب، وإذا أخذَ مضجعَه للنوم أو استيقظَ، وعند دخول الخلاء.

وفي صلاتِه يُكثِرُ من التعوُّذات؛ ففي قيامِه في الصلاة إذا مرَّ بآية عذابٍ تعوَّذ،

ويتعوَّذُ في سجوده وجُلوسه، وإذا رأى ما يكرَه لجأَ إلى الله واستعاذَ به،

لا يدَعُ شرًّا إلا استعاذَ بالله منه، يستعيذُ بالله مما يُناقِضُ الإيمانَ وما يُنقِصُه،

كان يقول:

( وأعوذُ بك من الفقر، والكفر، والشرك، والنفاق، والسُّمعة، والرياء )

رواه ابن حبان.

ويُعلِّم أصحابَه ذلك ويحثُّهم عليه ويُعوِّذُ الصغار؛

فكان يُعوِّذُ الحسنَ والحسينَ - رضي الله عنهما - ويقول:

( إن أباكما كان يُعوِذُ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذُ بكلمات الله التامة،

من كل شيطانٍ وهامَّة، ومن كل عينٍ لامَّة )

رواه البخاري.

وكان يغرِسُ في النفوس عِظمَ شأن الاستِعاذة بالله؛ فيقول:

( من استعاذَ بالله فأعيذُوه )

رواه أبو داود.

وقضَت حكمةُ الله أن لكل مسلمًا عدوًّا من شياطين الإنس والجن،

قال - سبحانه -

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ }

[ الأنعام: 112 ]

أي: وكذلك أتباعُهم

{ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }

[ الأنعام: 112 ].

والشيطانُ هو العدوُّ المُبين، وأساسُ كل شرٍّ وبليَّة،

يسعَى بكل سبيلٍ للضررِ بالعبدِ وشقائِه، ولا نجاةَ منه إلا بالله،

وقد أنزلَ الله سورةً كاملةً في الاستِعاذة من شرِّه وشرِّ جنوده من الجنِّ والإنس:

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }

[ الناس: 1 ].
ومن اعتصمَ بالله وأخلصَ له وتوكَّل عليه لا يقدِرُ على إغوائِه وإضلالِه:

{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

[ النحل: 99 ].

وأُمر المُسلم أن يستعيذَ من همَزَات الشياطين؛ أي: من نزغَاته ووساوسِه،

{ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ }

[ المؤمنون: 97 ].

وأعظمُ مقاصِد الشيطان: إغواءُ بني آدم وإضلالُهم:

{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }

[ ص: 82 ].

يُوسوِسُ للناس في أصول الإيمان، ولا نجاةَ منه إلا بالله

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( يأتي الشيطانُ أحدَكم، فيقول: من خلق كذا ؟ من خلقَ كذا ؟

حتى يقول: من خلق ربَّك؟! فإذا بلغَه فليستعِذ بالله ولينتهِ )

رواه البخاري.

والله أمرَ بأوامر في محاسِن الدين وكسبِ قلوب الناس للإسلام؛ من الصفح،

وأمر الناس بالمعروف، والإعراض عن الجاهل. والشيطانُ يصدُّ عن ذلك،

ولا مخرجَ إلا بالاستِعاذة بالله منه،

قال - سبحانه -:
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

[ الأعراف: 199، 200 ].

وكلما كان العملُ أنفعَ للعبد وأحبَّ إلى الله كان اعتراضُ الشيطان له أشدُّ؛

ففي الصلاة يُوسوِسُ للمُصلِّي،

قال - عليه الصلاة والسلام -:

( ذاك شيطان يُقال له: خَنزَب،

فإذا أحسستَه فتعوَّذ بالله منه واتفُل على يسارِك ثلاثًا )

رواه مسلم.

وعند قراءة القرآن تُشرعُ الاستِعاذة منه،

{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
[ النحل: 98 ].