vip_vip
01-12-2011, 12:07 PM
42 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / النظافـــة
لفضيلة العضو الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
الحمد لله المحمود بكل لسان ، واسع الفضل و الإحسان ،
أحمده سبحانه و أشكره حمداً و شكراً تنال به مواهب الرضوان .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله المبعوث للثقلين الإنس و الجان ،
بلغ الرسالة و أوضح المحجة حتى علا منار الحق و أستبان .
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه ذوي التقى و الإيمان ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمــــــا بعـــــــــد :
فأوصيكم أيها الناس بتقوى الله عز و جل ، فالسعيد من تدبر أمره ،
و أخذ حذره و أستعد ليوم لا تنفع فيه عبرة .
أيها المسلمون ، الإسلام دين الفطرة ، تصلح له و تصلح به كل الأزمنة و كل الأمكنة .
فهو دين العقيدة و الشريعة ، يعالج شؤون الحياة كلها في سلفية لا تتوقف
عند عصرٍ بل تتجدد لتعالج أوضاع كل عصر، و تفتي في كل شأن ، و تقضي في كل أمر .
دينٌ يجمع البشاشة في حياء ، و حسن الخلق في ابتسامة ،
دين يعترف بما للبشر من أشواق قلبية ، و حظوظ نفسية ، و طبائع إنسانية .
لقد أقر الدين ما تتطلبه الفطرة من سرور و فرح ، و لباس و زينة ،
محاط بسياج من الأدب الرفيع يبلغ بالمتعة كمالها و نقاءها ،
و بالسرور غايته بعيداً عن الخنا و الحرام ، و الظلم و العدوان ، و الغل و إيغال الصدور .
و متطلبات الفطرة هذه جاءت في دين الإسلام مصاحبة و مرتبطة و ملازمة
للعناية بإصلاح المعتقد و سلامة الباطن :
{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ }
[ المدثر:1-5 ] .
فتطهير العقيدة و تنقيتها من شوائب الشرك و البدع و المعاصي
مقرونة بتطهير الظاهر في بدن الإنسان و ثوبه و بقعته ليجمع المسلم بين النظافتين ،
و يحافظ على الطهارتين .
فحين يجمّل الدين بواطنهم بالهداية إلى لصراط المستقيم ،
فإنه يجمّل ظواهرهم في أحسن تقويم .
إذا كان ذلك كذلك ـ أيها الإخوة ـ فإن الأخذ بالزينة ، و القصد إلى التجمل ،
و العناية بالمظهر، و الحرص على التنظف و التطهر من أصول الإصلاح الدينية
و المدنية التي جاء بها ديننا و تميّز بها أتباعه .
إن حب الزينة و التزين من أقوى غرائز البشر الدافعة لهم إلى إظهار سنن الله في الخليقة .
و لقد امتن الله على بني آدم كلهم بلبس الزينة حين قال عز شأنه :
{ يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ }
[ الأعراف: 26 ] .
و في خبر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم :
(( خمس من الفطرة :
الإستحداد ، و الختان ، و قص الشارب ، و نتف الإبط ، و تقليم الأظافر )) ،
إنها الفطرة و سنن المرسلين ؛ أتفقت عليه الشرائع و دعت إليها الديانات .
و ترك ذلك و إهماله مزرٍ بالجسم ، و تشبه بالوحوش و السباع ،
بل تشبه بالكفار المبتعدين عن صحيح الفطرة و هدي المرسلين .
و من أجل هذا أيها الإخوة فإن الإسلام حريص على أخذ أبنائه بنظافة الحس
مع نظافة النفس ، و صفاء القلب مع نقاء البدن ، و سلامة الصدر مع سلامة الجسد ،
فالله يحب المطهرين و يحب المتطهرين .
أيها الإخوة ، المسلمون هم الذين نشروا النظافة و التنظيف في أصقاع الدنيا
حيثما حلّوا و أينما وجدوا مما لم تعرفه الأمم السابقة قبلهم .
إن من يقرأ تاريخ الأمم و الملل يعلم أن أكثر البشر يعيشون كما تعيش الوحوش
في جزائر البحار ، و كهوف الجبال ، و أكواخ الأدغال ،
كلهم أو جلهم يعيشون عراة أو شبه عراة الرجال منهم و النساء .
و ما دخل الإسلام بيئة و لا بيتاً إلا و علّمهم حسن اللباس ، و جمال الستر ،
و نظافة البدن ، و طهارة المسلك بالإيجاب تارة و بالإستحباب أخرى
نقلهم من الوحشية الفاحشة إلى الحضارة الراقية .
و هذا الحديث لا يخص العصور الغابرة بل إنك و بكل ثقة و أسى لا ترى أمكنة أو أزمنة
انطمست فيها آثار النبوة إلا و يتجلى فيها صور الجهل و الظلم ،
و الكفر بالخالق ، و الشرك بالمخلوق ، و إستحسان القبائح ، و فساد العقائد ،
و إنحراف السلوك و ما خليت ديارٌ من هدي النبوة
إلا و كان أهلها أشبه بالبهائم يتهارشون في الطرقات ،
و يتعاملون كالعجماوات ، لا يعرفون معروفاً و لا ينكرون منكراً ،
و لا يتورعون عن قبيح ، و لا يهتدون إلى سبيل .
و شواهد ذلك في عصركم هذا تجلّ عن الحصر و العدّ .
إن المسلمين نماذج رائعة للطهر و الجمال عندما ينفذون تعاليم دينهم في أبدانهم
و بيوتهم و طرقهم و مدنهم . و مساكين بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يولّون
وجوههم شطر نظم و تقاليد وعادات يعجبون بها وهي لغيرهم ،
يتشبثون بها وعندهم خير منها ، في دينهم و الله ما هو أزكى و أتقى و أعلى و أنقى
{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً }
[ البقرة : 138 ] .
أيها الإخوة : و هذا استعراض لبعض مظاهر الطهر و النقاء و الجمال و الزينة
في توجيهات الإسلام ، و سلوك المسلمين المتمسكين ؛ الطهور شطر الإيمان .
و الصلاة أهم فرائض الإسلام بعد الشهادتين شرع لها التطهر من الحدث ،
و التنظف من القذر و النجس . و الوضوء على الوضوء نور على نور ،
مع مطلوبات من الوضوء أخرى للنوم و العبادات الطارئة كالجنازة
و الخسوف و الكسوف و سجود التلاوة و العيدين و غير ذلك .
إنها الصلوات الخمس تنظف الباطن و تنهى عن الفحشاء و المنكر ،
وضؤها ينظف الظاهر ؛
(( أرأيتم لو كان باب أحدكم على نهر جار يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء )) .
و غسل الجمعة واجب على كل محتلم .
(( لا يغتسل رجل يوم الجمعة و يتطهر ما استطاع من طهر و يدّهن من دهنه
و يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين
ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) .
بهذا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و التطهر المأمور به ليس مقصوراً على المجامع و مجالس الناس
و لكنه مطلوب في جميع الأحوال حتى إذا قعد المرء في بيته أو ذهب إلى فراشه ،
فقد جاء في الخبر مرفوعاً :
(( طهروا الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك
لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً )) .
رواه الطبراني بسند جيد من حديث أبن عباس رضي الله عنهما .
و في خبر آخر عند أبي داود :
(( ما من مسلم يبيت طاهراً: فيتعار من الليل ـ أي يستيقظ ـ
فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا و الآخرة إلا أعطاه الله إياه )) .
و أمة محمد صلى الله عليه و سلم تعرف يوم القيامة بين الأمم
بغرتها و تحجيلها من آثار الوضوء .
و السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ، و قص الشارب و حلقه من التجمل ،
و من كان له شعر فليكرمه ، بالغسل و الدهن و الترجيل و التطييب .
و قد رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا شعثا رأسه قد تفرق شعره فقال :
(( أما كان يجد ما يسكّن شعره ؟ )) .
و قص الأظافر ، و غسل البراجم و هي مفاصل الأصابع ، و نتف شعر الإبط،
و حلق العانة ، و أجتناب الروائح الكريهة من الثوم و البصل و غيرها .
و الإنسان قد يحتمل من غيره ألوانا من الأذى و لكنه لا يصبر على الرائحة المنتنة
تنبعث من فم أو عرق أو غيرهما . و يتأكد ذلك في المساجد التي يؤمّها المسلمون
للطاعة و ذكر الله و الصلاة ،
و كيف تخشع نفس مهتاجة مضطربة تعرّضت للأذى ، و تعكر عليها صفو مناجاة الرب ؟
و أنقطعت من لذة التضرع و التذلل ؟؟
و من المستكره فتح الفم عند التثاؤب لما في ذلك من قبح المنظر و قلة الذوق
و إيذاء الجليس و سرور الشيطان .
و في مقابل ذلك جاء الحرص على الطيب و الحث على التطيب ،
و نبيكم محمدصلى الله عليه و سلم يحب الطيب و يكثر من التطيب .
و غطوا الإناء ، و أوكئوا السقاء ، و أجتنبوا الجشاء ،
و لا تشرب من فم السقاء و لا تتنفس في الإناء و لا تنفخ فيه .
و التنظف من بقايا الطعام و فضلاته في الأيدي و الأفواه و الأسنان مندوب إليه .
و شرب نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم لبناً ثم تمضمض و قال :
(( إن له دسماً )).
و التطهر و التنظف يمتد من الأبدان إلى البيوت و الطرقات و المساجد و مجامع الناس ؛
{ وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }
[ الحج : 26 ] .
{فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ }
[ النور : 36 ] .
(( وإماطة الأذى عن الطريق صدقة )) .
أما حسن الملبس و جمال الهندام فمطلوب قدر الاستطاعة و حسب الوجد .
عن الأحوص الجشمي قال : رآني النبي صلى الله عليه و سلم
و علي أطمارٌ ـ أي ثياب بالية ـ فقال :
(( هل لك من مال ؟ قلت : نعم ،
قال : و من أي المال ؟ قلت : من كل ما أتى الله من الإبل و الشاء،
قال : فلتر نعمته و كرامته عليك ؛ فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده )) .
و كما قال عليه الصلاة و السلام :
(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ؛
فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة ؛
فقال عليه الصلاة و السلام :
إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق و غمط الناس )) .
و في الناس أجلاف يظنون أن قصد الزينة تصنع ، فيرد عليهم ابن الجوزي بقوله :
و هذا ليس بشيء فإن الله تعالى زيننا لما خلقنا لأن للعين حظاً من النظر ،
قال : و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أنظف الناس و أطيب الناس ،
و كان لا يفارقه السواك ، و يكره أن يشم منه ريح ليست طيبة .
فهو عليه الصلاة و السلام كامل في العلم و العمل فبه يكون الاقتداء و هو الحجة على الخلق .
بل إن بعض الجهال يحسبون فوضى اللباس و إهمال الهيئة
و التبذل المستكره ضرباً من العبادة ، و ربما ارتدوا المرقعات و الثياب المهملات
و هم على خير منها قادرون ليظهروا زهدهم في الدنيا و حبهم للأخرى ،
و هذا جهل و خروج عن الجادة . إنه لا يطيق الروائح الكريهة و الأقذار المستنكرة
إلا ناقص الفطرة و جمال الأدب .
أيها الإخوة ، و من دقق النظر في طبائع النفوس و أخلاق البشر
رأى بين طهارة الظاهر و طهارة الباطن و طهارة الجسد و اللباس و طهارة النفس
و كرامتها ارتباطاً وثيقاً و تلازماً بيّناً .
نعم ، إن هناك تلازما بين شرع الله اللباس للستر و الزينة
و بين تقوى الله في النفوس فكلاهما لباس .
فالتقوى لباس يستر عورات القلوب و يزيّنها و الثياب تستر عورات الجسم و تزيّنها .
من تقوى الله ينبع الحياء الذي ينبت الشعور باستقباح عري الجسد و الحياء منه ،
و من لا يستحي من الله و لا يتقيه فلا يكترث أن يتعرى أو يدعو إلى التعري .
و من أجل هذا أيها الإخوة فإن ستر الجسد ليس مجرد أعراف و تقاليد
كما يزعم الماديون الهادمون لأسوار العفة و الفضيلة
و لكنها فطرة الله التي فطر الخلق عليها و شريعته التي أنزلها و كرّم بني آدم بها .
و بعد أيها الإخوة ، فعناية الإسلام بالنظافة و التجمل و الصحة و التطهر
جزء من عنايته بقوة المسلم .
إن المطلوب أجسام تجري في عروقها دماء العافية ،
و تمتلئ أبدان أصحابها قوة و فتوة ، فالأجسام المهزولة لا تطيق حملاً ،
و الأيدي القذرة غير المتوضئة لا تقدم خيراً ، و رسالة الإسلام أوسع في أهدافها
و أصلب في كيانها من أن تحيا في أمة مريضة موبوءة عاجزة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }
[ الأعراف :31 ] .
بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .
أقول ما سمعتم و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب
فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
لفضيلة العضو الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
الحمد لله المحمود بكل لسان ، واسع الفضل و الإحسان ،
أحمده سبحانه و أشكره حمداً و شكراً تنال به مواهب الرضوان .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله المبعوث للثقلين الإنس و الجان ،
بلغ الرسالة و أوضح المحجة حتى علا منار الحق و أستبان .
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه ذوي التقى و الإيمان ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمــــــا بعـــــــــد :
فأوصيكم أيها الناس بتقوى الله عز و جل ، فالسعيد من تدبر أمره ،
و أخذ حذره و أستعد ليوم لا تنفع فيه عبرة .
أيها المسلمون ، الإسلام دين الفطرة ، تصلح له و تصلح به كل الأزمنة و كل الأمكنة .
فهو دين العقيدة و الشريعة ، يعالج شؤون الحياة كلها في سلفية لا تتوقف
عند عصرٍ بل تتجدد لتعالج أوضاع كل عصر، و تفتي في كل شأن ، و تقضي في كل أمر .
دينٌ يجمع البشاشة في حياء ، و حسن الخلق في ابتسامة ،
دين يعترف بما للبشر من أشواق قلبية ، و حظوظ نفسية ، و طبائع إنسانية .
لقد أقر الدين ما تتطلبه الفطرة من سرور و فرح ، و لباس و زينة ،
محاط بسياج من الأدب الرفيع يبلغ بالمتعة كمالها و نقاءها ،
و بالسرور غايته بعيداً عن الخنا و الحرام ، و الظلم و العدوان ، و الغل و إيغال الصدور .
و متطلبات الفطرة هذه جاءت في دين الإسلام مصاحبة و مرتبطة و ملازمة
للعناية بإصلاح المعتقد و سلامة الباطن :
{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ }
[ المدثر:1-5 ] .
فتطهير العقيدة و تنقيتها من شوائب الشرك و البدع و المعاصي
مقرونة بتطهير الظاهر في بدن الإنسان و ثوبه و بقعته ليجمع المسلم بين النظافتين ،
و يحافظ على الطهارتين .
فحين يجمّل الدين بواطنهم بالهداية إلى لصراط المستقيم ،
فإنه يجمّل ظواهرهم في أحسن تقويم .
إذا كان ذلك كذلك ـ أيها الإخوة ـ فإن الأخذ بالزينة ، و القصد إلى التجمل ،
و العناية بالمظهر، و الحرص على التنظف و التطهر من أصول الإصلاح الدينية
و المدنية التي جاء بها ديننا و تميّز بها أتباعه .
إن حب الزينة و التزين من أقوى غرائز البشر الدافعة لهم إلى إظهار سنن الله في الخليقة .
و لقد امتن الله على بني آدم كلهم بلبس الزينة حين قال عز شأنه :
{ يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ }
[ الأعراف: 26 ] .
و في خبر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم :
(( خمس من الفطرة :
الإستحداد ، و الختان ، و قص الشارب ، و نتف الإبط ، و تقليم الأظافر )) ،
إنها الفطرة و سنن المرسلين ؛ أتفقت عليه الشرائع و دعت إليها الديانات .
و ترك ذلك و إهماله مزرٍ بالجسم ، و تشبه بالوحوش و السباع ،
بل تشبه بالكفار المبتعدين عن صحيح الفطرة و هدي المرسلين .
و من أجل هذا أيها الإخوة فإن الإسلام حريص على أخذ أبنائه بنظافة الحس
مع نظافة النفس ، و صفاء القلب مع نقاء البدن ، و سلامة الصدر مع سلامة الجسد ،
فالله يحب المطهرين و يحب المتطهرين .
أيها الإخوة ، المسلمون هم الذين نشروا النظافة و التنظيف في أصقاع الدنيا
حيثما حلّوا و أينما وجدوا مما لم تعرفه الأمم السابقة قبلهم .
إن من يقرأ تاريخ الأمم و الملل يعلم أن أكثر البشر يعيشون كما تعيش الوحوش
في جزائر البحار ، و كهوف الجبال ، و أكواخ الأدغال ،
كلهم أو جلهم يعيشون عراة أو شبه عراة الرجال منهم و النساء .
و ما دخل الإسلام بيئة و لا بيتاً إلا و علّمهم حسن اللباس ، و جمال الستر ،
و نظافة البدن ، و طهارة المسلك بالإيجاب تارة و بالإستحباب أخرى
نقلهم من الوحشية الفاحشة إلى الحضارة الراقية .
و هذا الحديث لا يخص العصور الغابرة بل إنك و بكل ثقة و أسى لا ترى أمكنة أو أزمنة
انطمست فيها آثار النبوة إلا و يتجلى فيها صور الجهل و الظلم ،
و الكفر بالخالق ، و الشرك بالمخلوق ، و إستحسان القبائح ، و فساد العقائد ،
و إنحراف السلوك و ما خليت ديارٌ من هدي النبوة
إلا و كان أهلها أشبه بالبهائم يتهارشون في الطرقات ،
و يتعاملون كالعجماوات ، لا يعرفون معروفاً و لا ينكرون منكراً ،
و لا يتورعون عن قبيح ، و لا يهتدون إلى سبيل .
و شواهد ذلك في عصركم هذا تجلّ عن الحصر و العدّ .
إن المسلمين نماذج رائعة للطهر و الجمال عندما ينفذون تعاليم دينهم في أبدانهم
و بيوتهم و طرقهم و مدنهم . و مساكين بعض المنتسبين إلى الإسلام ممن يولّون
وجوههم شطر نظم و تقاليد وعادات يعجبون بها وهي لغيرهم ،
يتشبثون بها وعندهم خير منها ، في دينهم و الله ما هو أزكى و أتقى و أعلى و أنقى
{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً }
[ البقرة : 138 ] .
أيها الإخوة : و هذا استعراض لبعض مظاهر الطهر و النقاء و الجمال و الزينة
في توجيهات الإسلام ، و سلوك المسلمين المتمسكين ؛ الطهور شطر الإيمان .
و الصلاة أهم فرائض الإسلام بعد الشهادتين شرع لها التطهر من الحدث ،
و التنظف من القذر و النجس . و الوضوء على الوضوء نور على نور ،
مع مطلوبات من الوضوء أخرى للنوم و العبادات الطارئة كالجنازة
و الخسوف و الكسوف و سجود التلاوة و العيدين و غير ذلك .
إنها الصلوات الخمس تنظف الباطن و تنهى عن الفحشاء و المنكر ،
وضؤها ينظف الظاهر ؛
(( أرأيتم لو كان باب أحدكم على نهر جار يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء )) .
و غسل الجمعة واجب على كل محتلم .
(( لا يغتسل رجل يوم الجمعة و يتطهر ما استطاع من طهر و يدّهن من دهنه
و يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين
ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)) .
بهذا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و التطهر المأمور به ليس مقصوراً على المجامع و مجالس الناس
و لكنه مطلوب في جميع الأحوال حتى إذا قعد المرء في بيته أو ذهب إلى فراشه ،
فقد جاء في الخبر مرفوعاً :
(( طهروا الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك
لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً )) .
رواه الطبراني بسند جيد من حديث أبن عباس رضي الله عنهما .
و في خبر آخر عند أبي داود :
(( ما من مسلم يبيت طاهراً: فيتعار من الليل ـ أي يستيقظ ـ
فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا و الآخرة إلا أعطاه الله إياه )) .
و أمة محمد صلى الله عليه و سلم تعرف يوم القيامة بين الأمم
بغرتها و تحجيلها من آثار الوضوء .
و السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ، و قص الشارب و حلقه من التجمل ،
و من كان له شعر فليكرمه ، بالغسل و الدهن و الترجيل و التطييب .
و قد رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا شعثا رأسه قد تفرق شعره فقال :
(( أما كان يجد ما يسكّن شعره ؟ )) .
و قص الأظافر ، و غسل البراجم و هي مفاصل الأصابع ، و نتف شعر الإبط،
و حلق العانة ، و أجتناب الروائح الكريهة من الثوم و البصل و غيرها .
و الإنسان قد يحتمل من غيره ألوانا من الأذى و لكنه لا يصبر على الرائحة المنتنة
تنبعث من فم أو عرق أو غيرهما . و يتأكد ذلك في المساجد التي يؤمّها المسلمون
للطاعة و ذكر الله و الصلاة ،
و كيف تخشع نفس مهتاجة مضطربة تعرّضت للأذى ، و تعكر عليها صفو مناجاة الرب ؟
و أنقطعت من لذة التضرع و التذلل ؟؟
و من المستكره فتح الفم عند التثاؤب لما في ذلك من قبح المنظر و قلة الذوق
و إيذاء الجليس و سرور الشيطان .
و في مقابل ذلك جاء الحرص على الطيب و الحث على التطيب ،
و نبيكم محمدصلى الله عليه و سلم يحب الطيب و يكثر من التطيب .
و غطوا الإناء ، و أوكئوا السقاء ، و أجتنبوا الجشاء ،
و لا تشرب من فم السقاء و لا تتنفس في الإناء و لا تنفخ فيه .
و التنظف من بقايا الطعام و فضلاته في الأيدي و الأفواه و الأسنان مندوب إليه .
و شرب نبيكم محمد صلى الله عليه و سلم لبناً ثم تمضمض و قال :
(( إن له دسماً )).
و التطهر و التنظف يمتد من الأبدان إلى البيوت و الطرقات و المساجد و مجامع الناس ؛
{ وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }
[ الحج : 26 ] .
{فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ }
[ النور : 36 ] .
(( وإماطة الأذى عن الطريق صدقة )) .
أما حسن الملبس و جمال الهندام فمطلوب قدر الاستطاعة و حسب الوجد .
عن الأحوص الجشمي قال : رآني النبي صلى الله عليه و سلم
و علي أطمارٌ ـ أي ثياب بالية ـ فقال :
(( هل لك من مال ؟ قلت : نعم ،
قال : و من أي المال ؟ قلت : من كل ما أتى الله من الإبل و الشاء،
قال : فلتر نعمته و كرامته عليك ؛ فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده )) .
و كما قال عليه الصلاة و السلام :
(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ؛
فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة ؛
فقال عليه الصلاة و السلام :
إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق و غمط الناس )) .
و في الناس أجلاف يظنون أن قصد الزينة تصنع ، فيرد عليهم ابن الجوزي بقوله :
و هذا ليس بشيء فإن الله تعالى زيننا لما خلقنا لأن للعين حظاً من النظر ،
قال : و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أنظف الناس و أطيب الناس ،
و كان لا يفارقه السواك ، و يكره أن يشم منه ريح ليست طيبة .
فهو عليه الصلاة و السلام كامل في العلم و العمل فبه يكون الاقتداء و هو الحجة على الخلق .
بل إن بعض الجهال يحسبون فوضى اللباس و إهمال الهيئة
و التبذل المستكره ضرباً من العبادة ، و ربما ارتدوا المرقعات و الثياب المهملات
و هم على خير منها قادرون ليظهروا زهدهم في الدنيا و حبهم للأخرى ،
و هذا جهل و خروج عن الجادة . إنه لا يطيق الروائح الكريهة و الأقذار المستنكرة
إلا ناقص الفطرة و جمال الأدب .
أيها الإخوة ، و من دقق النظر في طبائع النفوس و أخلاق البشر
رأى بين طهارة الظاهر و طهارة الباطن و طهارة الجسد و اللباس و طهارة النفس
و كرامتها ارتباطاً وثيقاً و تلازماً بيّناً .
نعم ، إن هناك تلازما بين شرع الله اللباس للستر و الزينة
و بين تقوى الله في النفوس فكلاهما لباس .
فالتقوى لباس يستر عورات القلوب و يزيّنها و الثياب تستر عورات الجسم و تزيّنها .
من تقوى الله ينبع الحياء الذي ينبت الشعور باستقباح عري الجسد و الحياء منه ،
و من لا يستحي من الله و لا يتقيه فلا يكترث أن يتعرى أو يدعو إلى التعري .
و من أجل هذا أيها الإخوة فإن ستر الجسد ليس مجرد أعراف و تقاليد
كما يزعم الماديون الهادمون لأسوار العفة و الفضيلة
و لكنها فطرة الله التي فطر الخلق عليها و شريعته التي أنزلها و كرّم بني آدم بها .
و بعد أيها الإخوة ، فعناية الإسلام بالنظافة و التجمل و الصحة و التطهر
جزء من عنايته بقوة المسلم .
إن المطلوب أجسام تجري في عروقها دماء العافية ،
و تمتلئ أبدان أصحابها قوة و فتوة ، فالأجسام المهزولة لا تطيق حملاً ،
و الأيدي القذرة غير المتوضئة لا تقدم خيراً ، و رسالة الإسلام أوسع في أهدافها
و أصلب في كيانها من أن تحيا في أمة مريضة موبوءة عاجزة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }
[ الأعراف :31 ] .
بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .
أقول ما سمعتم و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب
فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم