المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان :من أخلاق_النبى_صلى الله عليه وسلم_:الوفاء


حور العين
11-18-2015, 08:45 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -: الوفاء

والتي تحدَّث فيها عن أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: خُلُق الوفاء،

مُبيِّنًا من خلال سيرته - عليه الصلاة والسلام - صُور وفائِه - صلى الله عليه وسلم

لزوجاته وبناته، وأصحابه، والأنصار، وحتى المُشركين والأسرَى،

كما حثَّ على التخلُّق بهذا الخُلُق النبيل، وحذّرَ من الخيانة والغدر،

مُبيِّنًا أن ذلك من صفات المُنافقين .

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه،

ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،

من يهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له،

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه،

وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين،

والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

فإن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،

وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

ثم اتقوا الله تعالى وراقِبوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه،

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

[ آل عمران: 102 ]

اللهم أقِل العَثرة، واعفُ عن الزلَّة، وتجاوَز بحلمِك عن جهل من لم يرْجُ غيرَك،

فإنك واسِع المغفِرة، ليس لذي خطيئةٍ من خطيئتِه مهربٌ إلا إليك .

عباد الله :

رسولُ الله محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - هو وحدَه الذي جمع العظمةَ من أطرافِها .

ما من العُظماء أحدٌ إلا وله جوانبُ من حياته يحرِصُ على سرتها، وكتمان أمرها،

ويخشَى أن يطَّلِع الناسُ على خبرِها. ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم

هو الذي كشفَ حياتَه للناس جميعًا، فكانت كتابًا مفتوحًا، ليس فيه صفحةٌ مُطبَقة،

ولا سطرٌ مطمُوس، يقرأُ فيه من شاءَ ما شاء .

وهو وحدَه الذي أذِن لأصحابِه أن يُذيعُوا عنه كل ما كان منه ويُبلِّغوه،

فروَوا كل ما رأوا من أحواله، حتى روَوا كل شيء.

عباد الله :
ومن أخلاقه العزيمة، وشمائله الكريمة التي نقلَها عنه أصحابُه: خُلُق الوفاء،

والوفاءُ بمعناه الواسِع: القيامُ بالحقوق، وجزاءُ الإحسان، ورعايةُ الوُد، وحِفظُ العهد .

وقد بلغَ في ذلك كلِّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المبلغَ الأعظم،

فما وراءَه غاية، ولا مِثلُه أحد .

خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لربه،

وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أعبَدَ الناس، وفَّى لربِّه مقامات العبودية،

كما وفَّى إبراهيم - عليه السلام -،

فقال الله فيه:
{ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى }

[ النجم: 37 ]

كان - صلى الله عليه وسلم - يقول:

( واللهِ إني لأتقاكُم لله وأخشاكُم له )

كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلَّى، قام حتى تفطَّر رِجلاه.

قالت عائشةُ - رضي الله عنها -:

( يا رسولَ الله ! أتصنعُ هذا وقد غُفر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر؟!

فقال: يا عائشة ! أفلا أكون عبدًا شكُورًا )

رواه مسلم، وهو في "الصحيحين" عن المُغيرة - رضي الله عنه -.

وكان يستغفرُ اللهَ ويتوبُ إليه في اليوم مائةَ مرَّة.

قيامُ الإنسان بحقوق والدَيه، وإحسانُه إليهما،

وبرُّه بهما كما ربَّياه صغيرًا من أعظم الوفاء، ويعظُمُ هذا حالَ كِبَرهما وضعفهما،

أما بعد موتهما فالدعاءُ لهما والصدقةُ عليهما.

وخُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛

روى مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

زارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أمِّه فبكَى وأبكَى من حولَه، فقال:

( استأذنتُ ربي في أن أستغفِر لها، فلم يُؤذَن لي، واستأذنتُه في أن أزورَ قبرَها،

فأذِنَ لي، فزُوروا القبور؛ فإنها تُذكِّرُ الموت )

خُلُقه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ في "الصحيحين":

أن العباسَ بن عبد المُطلب - رضي الله عنه - قال:

( يا رسولَ الله ! هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيءٍ، فإنه كان يحُوطُك ويغضبُ لك؟!

قال: نعم، هو في ضَحضاحٍ من نار، لولا أنا لكان في الدَّرك الأسفَل من النار )

خُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لزوجاته، وخيرُ الناس خيرُهم لأهله.

قالت عائشةُ - رضي الله عنها -:

[ ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غِرتُ على خديجة،

وما رأيتُها، ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ ذِكرَها،

وربما ذبحَ الشاةَ ثم يقطعُها أعضاءً، ثم يبعثُها في صدائِق خديجة

فربما قلتُ له: كأنه لم يكُن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة ! فيقول:

( إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد

ويقول: إني رُزِقتُ حُبَّها )

وفي "الصحيحين": عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:

( استأذنَت هالةُ بن خُويلِد أخت خديجة على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم

فعرفَ استئذانَ خديجة، فارتاحَ لذلك. وفي روايةٍ:

فارتاعَ لذلك، فقال: اللهم هالَة ! )

وفي يوم بدرٍ أُسِر العاصُ بن الربيع فيمن أُسِر، وبعثَ أهلُ مكة كلٌّ في فداءِ أسيرِه،

فبعثَت زينبُ بنتُ الرسولِ بمالٍ وقلادةٍ تفدِي زوجَها،

وكانت هذه القِلادةُ هديةَ خديجة لزينبَ يوم زواجها،

فلما رآها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رقَّ رِقَّةً شديدةً، وتذكَّر أيامَه الأولى.

فانبعَثَ الحَنينُ في فُؤادِه، وقال:

( إن رأيتُم أن تُطلِقوا لها أسيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها، فافعلُوا !

فقالوا: نعم، يا رسول الله )

خُلُقُه - عليه الصلاة والسلام - الوفاءُ مع الأصهار والأرحام؛ أوصَى بأهل مِصر خيرًا،

وقال - كما ثبتَ في "صحيح مسلم" عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -:

( إنكم ستفتَحون مصر، فإذا فتحتُموها فأحسِنوا إلى أهلِها،

فإن لهم ذمَّةً ورحِمًا أو قال: ذِمَّةً وصِهرًا )

خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ بعد قتالِه لهوازِن، أُسِر من أُسِر من نسائِهم،

وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُسترضَعًا فيهم، فجاءَه وفدُ هوازِن،

وقالوا: إنما في الأَسر يا رسول الله حواضِنُك وخالاتُك، فامنُن علينا.

فأطلقَ لهم ستَّة آلاف صبيٍّ وامرأة.

وقدِمَت عليه الشيماء - أختُه من الرَّضاعة - فبسطَ لها رداءَه وأجلسَها معه،

ثم أعطاها ما أعطاها.

خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لأصحابِه، نوَّه بفضلِهم،

ونهَى عن سبِّهم، ورفعَ قدرَهم وأعلى شأنَهم، وخصَّ الصدِّيقَ من بينهم؛

إذ كان صاحبَه في الغار.
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -:

( كنتُ جالِسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم –

إذ أقبلَ أبو بكرٍ آخِذًا بطرف ثوبِه حتى أبدَى عن رُكبتِه،

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما صاحبُكم فقد غامَرَ

فسلَّم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيءٌ فأسرعتُ إليه، ثم ندِمتُ،

فسألتُه أن يغفِرَ لي فأبَى عليَّ، فأقبلتُ إليك.

فقال: يغفِرُ الله لك يا أبا بكر، يغفِرُ الله لك يا أبا بكر،

يغفِرُ الله لك يا أبا بكر ثلاثًا

ثم إن عُمر ندِمَ فأتى منزل أبي بكرٍ، فقال: أثَمَّ أبو بكر؟!

فقالوا: لا،

فأتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم،

فجعلَ وجهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعَّر،

حتى أشفقَ أبو بكرٍ فجثَا على رُكبتَيه،

فقال: يا رسولَ الله ! واللهِ أنا كنتُ أظلَم، واللهِ أنا كنتُ أظلَم مرتين

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

إن الله بعثَني إليكم، فقلتُم: كذبتَ، وقال أبو بكرٍ: صدقَ،

وواساني بنفسِه ومالِه، فهل أنتُم تارِكوا لي صاحبي؟!

فهل أنتُم تارِكوا لي صاحبي؟! مرتين

قال أبو الدرداء: فما أُوذِيَ أبو بكرٍ بعدها )

وفي مرضِه - صلى الله عليه وسلم - الذي ماتَ فيه،

قعدَ على المِنبَر وهو عاصِبٌ رأسَه بخِرقَة، فحمِد الله وأثنَى عليه، ثم قال:

( إنه ليس من الناس أحدٌ أمنَّ عليَّ في نفسه ومالِه من أبي بكر بن أبي قُحافَة،

ولو كنتُ مُتَّخِذًا من الناس خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً،

ولكن خُلَّة الإسلام أفضَل، سُدُّوا عني كلَّ خوخَةٍ في هذا المسجِد

غيرَ خوخَة أبي بكرٍ )

والخَوخَةُ هي البابُ الصغيرُ ونحوُه.

قال العلماء:

[ وفي هذا تنبيهٌ إلى خلافته من بعده، فأبقَى له مدخلاً إلى المسجِد؛

لأنه سيكونُ الخليفةَ والإمام ]

ويوم حُنين قسمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الغنائِم، ولم يُعطِ الأنصارَ شيئًا،

فكأنَّهم وجدوا في أنفسهم شيئًا،

فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

( أوَجَدتم في أنفسِكم يا معشرَ الأنصار في لُعاعَةٍ من الدنيا

تألَّفتُ بها قومًا ليُسلِموا، ووكَلتُكم إلى إسلامكم؟!

أفلا ترضَون يا معشر الأنصار أن يذهبَ الناسُ بالشاة والبَعير

وترجِعون برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في رِحالكم؟!

فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه؛ لولا الهِجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصار،

ولو سلكَ الناسُ شِعبًا وسلكَت الأنصارُ شِعبًا، لسلكتُ شِعبَ الأنصار،

اللهم ارحَم الأنصار، وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار

فبكَى القوم حتى أخضَلُوا لِحاهم، وقالوا:

رضِينا برسولِ الله قسَمًا وحظًّا )