المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة خمسة وثلاثمائة


حور العين
11-27-2015, 11:47 AM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة خمسة وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
فيها
قدم رسول ملك الروم في طلب المفاداة والهدنة، وهو شاب حدث السن

ومعه شيخ منهم وعشرون غلاماً، فلما قدم بغداد شاهد أمراً عظيماً جداً،

وذلك أن الخليفة أمر الجيش والناس بالاحتفال بذلك ليشاهد ما فيه إرهاب

الأعداء، فركب الجيش بكماله وكان مائة ألف وستين ألفاً، ما بين فارس

وراجل، غير العساكر الخارجة في سائر البلاد مع نوابها، فركبوا في

الأسلحة والعدد التامة، وغلمان الخليفة سبعة آلاف، أربعة آلاف بيض،

وثلاثة آلاف سود، وهم في غاية الملابس والعدد والحلي، والحجبة يومئذ

سبعمائة حاجب، وأما الطيارات التي بدجلة والزيارب والسمريات فشيء

كثير مزينة، فحين دخل الرسول دار الخلافة انبهر وشاهد أمراً أدهشه،

ورأى من الحشمة والزينة والحرمة ما يبهر الأبصار‏.‏

وحين اجتاز بالحاجب ظن أنه الخليفة فقيل له‏:‏ هذا الحاجب،

فمر بالوزير في أبهته فظنه الخليفة فقيل له‏:‏ هذا الوزير‏.‏

وقد زينت دار الخلافة بزينة لم يسمع بمثلها، كان فيها من الستور يومئذ

ثمانية وثلاثون ألف ستر، منها عشرة آلاف وخمسمائة ستر مذهبة، وقد

بسط فيها اثنان وعشرون ألف بساط لم ير مثلها، وفيها من الوحوش

قطعان متآنسة بالناس، تأكل من أيديهم ومائة سبع من السباعة‏.‏

ثم أدخل إلى دار الشجرة، وهي عبارة عن بركة فيها ماء صاف وفي وسط

ذلك الماء شجرة من ذهب وفضة لها ثمانية عشر غصناً أكثرها من ذهب،

وفي الأغصان الشماريخ والأوراق الملونة من الذهب والفضة واللآلئ

واليواقيت، وهي تصوت بأنواع الأصوات من الماء المسلط عليها،

والشجرة بكمالها تتمايل كما تتمايل الأشجار بحركات عجيبة

تدهش من يراها‏.‏

ثم أدخل إلى مكان يسمونه الفردوس فيه من أنواع المفارش

والآلات ما لا يحد ولا يوصف كثرة وحسناً‏.‏

وفي دهاليزه ثمانية عشرة ألف جوشن مذهبة‏.‏

فما زال كلما مر على مكان أدهشه وأخذ ببصره حتى انتهى إلى المكان

الذي فيه الخليفة المقتدر بالله، وهو جالس على سرير من آبنوس، قد

فرش بالديبقى المطرز بالذهب، وعن يمين السرير سبعة عشر عنقود

معلقة، وعن يساره مثلها وهي جوهر من أفخر الجواهر، كل جوهرة يعلو

ضوؤها على ضوء النهار، ليس لواحدة منها قيمة ولا يستطاع ثمنها،

فأوقف الرسول والذين معه بين يدي الخليفة على نحو من مائة ذراع،

والوزير علي بن محمد بن الفرات واقف بين يدي الخليفة، والترجمان

دون الوزير، والوزير يخاطب الترجمان والترجمان يخاطبهما، ‏فلما فرغ

منها خلع عليهما وأطلق لهما خمسين سقرقاً في كل سقرق خمسة آلاف

درهم، وأخرجا من بين يديه وطيف بهما في بقية دار الخلافة، وعلى

حافات دجلة الفيلة والزرافات والسباع والفهود وغير ذلك، ودجلة داخلة

في دار الخلافة، وهذا من أغرب ما وقع من الحوادث في هذه السنة‏.‏

وحج بالناس فيها

الفضل الهاشمي‏.‏

وفيها توفي من الأعيان‏:‏

محمد بن أحمد أبو موسى

النحوي الكوفي المعروف بالجاحظ، صحب ثعلباً أربعين سنة وخلفه

في حلقته، وصنف غريب الحديث، وخلق الإنسان، والوحوش والنبات،

وكان ديناً صالحاً، روى عنه أبو عمر الزاهد‏.‏

توفي ببغداد في ذي الحجة منها، ودفن بباب التين‏.‏

و عبد الله شيرويه الحافظ، وعمران بن مجاشع،

وأبو خليفة الفضل بن الحباب‏.‏

وقاسم بن زكريا ابن يحيى المطرز المقري أحد الثقات الأثبات، سمع أبا

كريب، وسويد بن سعيد، وعنه الخلدي وأبو الجعابي، توفي ببغداد‏.‏