المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة خمس عشرة وثلاثمائة


حور العين
12-11-2015, 11:19 AM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة خمس عشرة وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
في صفر منها

كان قدوم علي بن عيسى الوزير من دمشق، وقد تلقاه الناس إلى أثناء

الطريق، فمنهم من لقيه إلى الأنبار، ومنهم دون ذلك‏.‏

وحين دخل إلى الخليفة خاطبه الخليفة فأحسن مخاطبته ثم انصرف

إلى منزله، فبعث الخليفة وراءه بالفرش والقماش وعشرين ألف دينار،

واستدعاه من الغد فخلع عليه فأنشد وهو في الخلعة‏:‏

ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها * فكيف ما انقلبت به انقلبوا

يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت * يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا

وفيها‏:‏

جاءت الكتب بأن الروم دخلوا شميساط وأخذوا جميع ما فيها، ونصبوا

فيها خيمة الملك، وضربوا الناقوس في الجامع بها، فأمر الخليفة مؤنس

الخادم بالتجهيز إليهم، وخلع عليه خلعة سنية‏.‏

ثم جاءت الكتب بأن المسلمين وثبوا على الروم فقتلوا منهم

خلقاً كثيراً جداً فلله الحمد والمنة‏.‏

ولما تجهز مؤنس للمسير جاءه بعض الخدم فأعلمه أن الخليفة يريد أن

يقبض عليه إذ دخل لوداعه، وقد حضرت له ريبة في دار الخلافة مغطاة

ليقع فيها، فأحجم عن الذهاب وجاءت الأمراء إليه من كل جانب ليكونوا

معه على الخليفة، فبعث إليه الخليفة رقعة فيها خطه يحلف له أن هذا

الأمر الذي بلغه ليس بصحيح‏.‏

فطابت نفسه وركب إلى دار الخلافة في غلمانه فلما دخل على الخليفة

خاطبه مخاطبة عظيمة، وحلف أنه طيب القلب عليه وله عنده الصفاء

الذي يعرفه‏.‏

ثم خرج من بين يديه معظماً مكرماً، وركب العباس بن الخليفة والوزير

ونصر الحاجب في خدمته لتوديعه، وكبر الأمراء بين يديه مثل الحجبة،

وكان خروجه يوماً مشهوداً قاصداً بلاد الثغور لقتال الروم‏.‏

وفي جمادى الأولى منها

قبض على رجل خناق قد قتل خلقاً من النساء، وكان يدّعي لهن أنه

يعرف العطف والتنجيم، فقصده النساء لذلك فإذا انفرد بالمرأة قام إليها

ففعل الفاحشة وخنقها بوتر وأعانته امرأته وحفر لها في داره فدفنها،

فإذا امتلأت تلك الدار من القتلى انتقل إلى دار أخرى‏.‏

ولما ظهر عليه وجد في داره التي هو فيها أخيراً سبع عشرة امرأة قد

خنقهن، ثم تتبعت الدور التي سكنها فوجدوه قد قتل شيئاً كثيراً من

النساء، فضرب ألف سوط ثم خنق حتى مات‏.‏

وفيها‏:

‏ كان ظهور الديلم قبحهم الله ببلاد الري، وكان فيهم ملك غلب على أمرهم

يقال له‏:‏ مرداويج، يجلس على سرير من ذهب وبين يديه سرير من فضة،

ويقول‏:‏ أنا سليمان بن داود‏.‏

وقد سار في أهل الري وقزوين وأصبهان سيرة قبيحة جداً، فكان يقتل

النساء والصبيان في المهد، ويأخذ أموال الناس، وهو في غاية الجبروت

والشدة والجرأة على محارم الله عز وجل، فقتلته الأتراك

وأراح الله المسلمين من شره‏.‏

وفيها‏:‏

كانت بين يوسف بن أبي الساج وبين أبي طاهر القرمطي عند الكوفة

موقعة، فسبقه إليها أبو طاهر فحال بينه وبينها، فكتب إليه يوسف

بن أبي الساج‏:‏ اسمع وأطع وإلا فاستعد للقتال يوم السبت تاسع شوال

منها، فكتب إليه‏:‏ هلم‏.‏

فسار إليه، فلما تراءا الجمعان استقل يوسف الجيش القرمطي، وكان مع

يوسف بن أبي الساج عشرون ألفاً، ومع القرمطي ألف فارس

وخمسمائة رجل‏.‏

فقال يوسف‏:‏ وما قيمة هؤلاء الكلاب‏؟‏

وأمر الكاتب أن يكتب بالفتح إلى الخليفة قبل اللقاء، فلما اقتتلوا ثبت

القرامطة ثباتاً عظيماً، ونزل القرمطي فحرَّض أصحابه، وحمل بهم حملة

صادقة، فهزموا جند الخليفة، وأسروا يوسف بن أبي الساج أمير الجيش،

وقتلوا خلقاً كثيراً من جند الخليفة، واستحوذوا على الكوفة، وجاءت

الأخبار بذلك إلى بغداد‏.‏

وشاع بين الناس أن القرامطة يريدون أخذ بغداد، فانزعج الناس لذلك

وظنوا صدقه، فاجتمع الوزير بالخليفة وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الأموال

إنما تدخر لتكون عوناً على قتال أعداء الله، وإن هذا الأمر لم يقع أمر بعد

زمن الصحابة أفظع منه، قد قطع هذا الكافر طريق الحج على الناس،

وفتك في المسلمين مرة بعد مرة، وإن بيت المال ليس فيه شيء،

فاتق الله يا أمير المؤمنين، وخاطب السيدة - يعني أمه - لعل أن يكون

عندها شيء ادخرته لشدة، فهذا وقته‏.‏

فدخل على أمه فكانت هي التي ابتدأته بذلك، وبذلت له خمسمائة ألف

دينار، وكان في بيت المال مثلها، فسلمها الخليفة إلى الوزير ليصرفها في

تجهيز الجيوش لقتال القرامطة، فجهز جيشاً أربعين ألف مقاتل مع أمير

يقال له‏:‏ بليق، فسار نحوهم، فلما سمعوا به أخذوا عليه الطرقات، فأراد

دخول بغداد فلم يمكنه، ثم التقوا معه فلم يلبث بليق وجيشه أن انهزم،

فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وكان يوسف بن أبي الساج معهم مقيداً في خيمة فجعل ينظر إلى محل

الوقعة، فلما رجع القرمطي قال‏:‏ أردت أن تهرب‏؟‏

فأمر به فضربت عنقه‏.‏

ورجع القرمطي من ناحية بغداد إلى الأنبار، ثم انصرف إلى هيت فأكثر

أهل بغداد الصدقة، وكذلك الخليفة وأمه والوزير شكراً لله على صرفه

عنهم‏.‏

وفيها‏:‏

‏ بعث المهدي المدعي أنه فاطمي ببلاد المغرب ولده أبا القاسم في جيش

إلى بلاد منها، فانهزم جيشه وقتل من أصحابه خلق كثير‏.‏

وفيها‏:‏

اختط المهدي المذكور مدينته المحمدية‏.‏
وفيها‏:‏

حاصر عبد الرحمن بن الداخل إلى بلاد المغرب الأموي مدينة طليطلة،

وكانوا مسلمين، لكنهم نقضوا عهده ففتحها قهراً وقتل خلقاً من أهلها‏.‏