المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان : وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته


حور العين
12-21-2015, 12:35 AM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته

والتي تحدَّث فيها عن الحلول الحقيقية لمُشكلات الأمة وأزماتها التي تمرُّ بها

في كل وقتٍ وحين، من خلال وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم

لابن عباسٍ رضي الله عنهما - بحفظ الله تعالى في اتباع أوامره واجتناب نواهيه،

وقد عرَّج على أبرز معاني الحديث وفوائده .

الحمد لله .. المؤمنين وحافظ المُتقين،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين،

وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُصطفى الأمين،

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه أجمعين .

فيا أيها المسلمون :
أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -، وطاعته في السرِّ والنجوى؛

فإن طاعتَه هي الفلاح، وتقواه هو الفوز.

أيها المسلمون:

في خِضمِّ ما تمرُّ به أمَّتُنا من المُشكلات المُتعدِّدة، من سياسيةٍ واجتماعيةٍ

وأمنيةٍ وغيرها، فإن العُقلاء يتطلَّعون لرؤيةٍ مُستقبليَّةٍ تُنقِذُ الأمةَ مما هي فيه.

وقد أدلَى المُثقَّفون برؤيتهم، والساسةُ بحلولهم، والمُفكِّرون بنظراتهم.

تعدَّدت عندهم التحليلاتُ للأسباب، وتنوَّعت النظراتُ للمخارِج والحلول،

وكثُرت المُؤتمرات والاجتماعات، ولكن لا جدوَى ولا نفعَ من ذلك.

وقد آنَ الأوان للأمة جمعاء - شعوبًا وأفرادًا، حُكّامًا ومحكومين

أن يتبصَّروا الحقيقة وأن يستجْلُوا الحلول الناجحة من مُنطلقات ثوابت دينهم،

ومُرتكزات أصولهم، فإن الأمةَ اليوم لن تجِد الحلول الناجحة لأدوائِها،

والمخارِج لأزماتها ومُشكلاتها إلا من فهمٍ صحيحٍ من كتاب الله - جل وعلا -،

واستِلهامٍ من سُنَّة نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

إخوة الإسلام :

اسمعوا واعقِلوا وصيَّةً عظيمةً صدرَت من مُعلِّم البشرية وسيِّد الخليقة

نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يُوجِّهُ للأمة وثيقةً خالدةً،

تصلُح بها حياتُها وأُخراها، وتُفلِح بها في كل عصرٍ وحين.

وثيقةٌ يجبُ أن تكون نُصبَ أعيننا اليوم، وأن يكون تطبيقُها حاكم تصرُّفاتنا،

ومُوجِّه إراداتنا، ومُصحِّح حركاتنا وتوجُّهاتنا.

وصيَّةٌ تصدُرُ ممن لا ينطِقُ عن الهوى، لا تنظُر لتغليب مصلحةٍ قومية،

ولا تنطلِقُ من نزعةٍ عِرقية، أو نظرةٍ آنيَّة. وثيقةٌ صدرَت ممن لا ينطِقُ عن الهوى،

ولا يصدُر إلا عن وحيٍ يُوحَى.

وصيَّةٌ نورانيَّةٌ تنهضُ بالأمة الإسلامية اليوم إلى الحياة المُزدهِرة المُثمِرة بالخير

والعزِّ والصلاح والقوة .

إنها وصيَّةٌ مُستلهَمةٌ من قوله - جل وعلا -:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }

[ الأنفال: 24 ]

إن الأمة اليوم في سُباتٍ تحتاجُ معه إلى إحياءٍ شاملٍ، للأفراد والجماعات

والنفوس والمُقدَّرات.

حياةٌ تُبنى على قوة الإيمان بالله - جل وعلا - التي لا غِنى عنها في مُواجهة الأزمات؛

لتصِل بنا إلى صلاحٍ كاملٍ بأشمل معانيه وأدقِّ صُوره،

بما يجمعُ للأمة تحقيقَ السعادة،

ومُعايشَة الأمن والسلام والخير والازدهار والرُّقيِّ في جميع مجالات الحياة .

أيها المسلمون :

إن العزَّ في تحقيق هذه الوصيَّة مضمونٌ، والمجدَ في الدارَين بتنفيذ بنودها مرهُون.

كيف لا ؟

وقد قال الله - جل وعلا -:

{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ }

[ الأنبياء: 10 ]

{ فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

[ الأعراف: 35 ].

إنها وصيةٌ - أيها المسلمون - الأفرادُ بدون تحقيقها في ضياع،

والمُجتمعات في البُعد عن مضامينها إلى شتاتٍ ودمار،

والحُكَّام بدون تحقيقها وتحكيمها إلى عاقبةٍ وخيمةٍ ونهايةٍ مأساوية.

وثيقةٌ تصدُر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

تربط المُسلمين بالأصالة مع اتصالهم بالعصر الذي يعيشُون فيه.

وثيقةٌ ووصيةٌ تحقيقُها هو الضامنُ الأوحد للتحديات التي تُواجه الأمة الإسلامية،

وتستهدِفُ قيمَها ومُقدَّراتها وخصائصها.

قال عُمر الفاروق - رضي الله عنه -:

[ إنما سبقتُم الناسَ بنصرة هذا الدين ]

ولنستمع - يا رعاكم الله - إلى تلك الوصيَّة العظيمة،

والوثيقة الخالِدة سماعَ استِجابةٍ وتحقيقٍ، واستماع امتِثالٍ وانقِياد،

لعلَّ الله أن يرحمَنا وأن يُصلِح أوضاعَنا.

قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -:

كنتُ خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال لي:

( يا غُلام ! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ الله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك،

إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله،

واعلَم أن الأمةَ لو اجتمعَت على أن ينفعوك بشيءٍ لن ينفعوك إلا بشيءٍ

قد كتبَه الله لك،

وإن اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لن يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك،

رُفِعت الأقلامُ، وجفَّت الصُّحُف )

رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح".

وفي رواية غيره:

( احفَظ الله تجِده أمامك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرِفك في الشدَّة،

واعلَم أن ما أخطأك لم يكُن ليُصيبَك، وأن ما أصابَك لم يكُن ليُخطِئَك،

واعلَم أن النصر مع الصبر، وأن الفرَجَ مع الكرب، وأن مع العُسر يُسرًا )

قال أهلُ العلم:

[ هذا الحديثُ يتضمَّنُ وصايا عظيمة، وقواعد من أهم أمور الدين ]

حتى قال بعضُهم:

[ تدبَّرتُ هذا الحديث، فأدهشَني وكِدتُّ أن أطيش

فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث، وقلَّة التفهُّم لمعناه ]

كيف وبحالنا اليوم كثيرٌ لا يتفهَّمون حروفَه، ولا يعقِلون معناه، ولا يمتثِلون بأمره.

أيها المسلمون:

حفظُ الله المُراد في هذا الحديث: هو حفظُ حدوده، والالتِزامُ بحقوقه،

والوقوف عند أوامره بالامتِثال، وعند مناهيه بالاجتِناب،

{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ }

[ ق: 32، 33 ].
حفظٌ يُوجبُ على الإنسان أن يحفَظ الرأسَ وما وعَى، والبطنَ وما حوَى.

أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - مرفوعًا:

( الاستحياءُ من الله حقَّ الحياء:

أن تحفظَ الرأسَ وما وعَى، والبطنَ وما حوَى )

حفظٌ يمنعُ الجوارِح من الزَّلَل، والحواسَّ عن الخلَل.

قال - صلى الله عليه وسلم -:

( من يضمنُ لي ما بين لَحيَيه وما بين رِجلَيه، أضمنُ له الجنة )

رواه البخاري.

حفظٌ يُوجبُ على الأمة أن تضبط شهواتها أن تميلَ بها إلى الضلال،

أو أن تجنَحَ بهم عن مبادئ القِيَم وكريم الخِلال،

{ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }

[ الأحزاب: 35 ].
معاشر المسلمين:

من قواعد الدين: أن الجزاءَ من جنسِ العمل؛

فمن حقَّق حفظَ الله بالمعنى المُتقدِّم تحقَّق له حفظُ الله - جل وعلا -،

ورعايتُه وعنايتُه، ونصرُه وتمكينُه، حفظًا يشملُ دينَه ودُنياه،

ويُحقِّقُ له المصالِح بأنواعها، ويدفعُ عنه الأضرار بشتَّى أشكالها.

قال أهلُ العلم:

وحفظُ الله للعبد يدخلُ فيه نوعان من الحفظ :

أحدهما: حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه، بحفظه من الشُّبهات المُضلَّة، ومن الشهوات المُحرَّمة، بالحيلولة بينه وبين ما يُفسِدُ عليه دينَه،

{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }

[ يوسف: 24 ].

النوع الثاني: حفظٌ للعبد في مصالح دُنياه؛ كحفظِه في بدنه وولده وأهله وماله

قال - جل وعلا -:

{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }

[ الرعد: 11 ].

قال ابن عباسٍ:

[ أي: ملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء قدرُ الله تخلَّوا عنه ]

قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -:

[ ومن عجيب حفظِ الله بمن حفِظَه:

أن يجعل الحيوانات المُؤذِية بالطبع حافظً له من الأذى،

كما جرى لسفينة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛