المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة المقتدر بالله


حور العين
12-22-2015, 07:43 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ترجمة المقتدر بالله
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
هو
جعفر بن أحمد المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد الموفق بن جعفر المتوكل

على الله بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، يكنى أبا الفضل، أمير

المؤمنين العباسي، مولده في ليلة الجمعة لثمان بقين من رمضان سنة

ثنتين وثمانين ومائتين، وأمه أم ولد اسمها شغب، ولقبت في خلافة

ولدها بالسيدة‏.‏

بويع له بالخلافة بعد أخيه المكتفي يوم الأحد لأربع عشرة مضت من ذي

القعدة، سنة خمس وتعسين ومائتين، وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة

سنة وشهر وأيام‏.‏

ولهذا أراد الجند خلعه في ربيع الأول من سنة ست وتسعين محتجين

بصغره وعدم بلوغه، وتولية عبد الله بن المعتز، فلم يتم ذلك،

وانتقض الأمر في ثاني يوم كما ذكرنا‏.‏

ثم خلعوه في المحرم من سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وولوا أخاه محمداً

القاهر كما تقدم، فلم يتم ذلك سوى يومين، ثم رجع إلى الخلافة كما ذكرنا‏.‏

وقد كان المقتدر ربعة من الرجال حسن الوجه والعينين، بعيد ما بين

المنكبين، حسن الشعر، مدور الوجه، مشرباً بحمرة، حسن الخلق، قد

شاب رأسه وعارضاه، وقد كان معطاءاً جواداً، وله عقل جيد، وفهم وافر،

وذهن صحيح‏.‏

وقد كان كثير التحجب والتوسع في النفقات، وزاد في رسوم الخلافة

وأمور الرياسة، وما زاد شيء إلا نقص‏.‏

كان في داره إحدى عشر ألف خادم خصي، غير الصقالبة وأبناء فارس

والروم والسودان، وكان له دار يقال لها‏:‏ دار الشجرة، بها من الأثاث

والأمتعة شيء كثير جداً، كما ذكرنا ذلك في سنة خمس،

حين قدم رسول ملك الروم‏.‏

وقد ركب المقتدر يوماً في حراقة، وجعل يستعجل الطعام فأبطأوا به

فقال للملاح‏:‏ ويحك هل عندك شيء آكل‏؟‏

قال‏:‏ نعم، فأتاه بشيء من لحم الجدي وخبز حسن وملوحاً وغير ذلك‏.‏

فأعجبه ثم استدعاه فقال‏:‏ هل عندك شيء من الحلواء،

فإني لا أحس بالشبع حتى آكل شيئاً من الحلواء‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن حلواءنا التمر والكسب‏.‏

فقال‏:‏ هذا شيء لا أطيقه‏.‏

ثم جيء بطعام فأكل منه وأوتي بالحلواءات فأكل وأطعم الملاحين، وأمر

أن يعمل كل في الحراقة بمائتي درهم، حتى إذا اتفق ركوبه فيها أكل منها،

وإن لم يتفق ركوبه كانت للملاح‏.‏

وكان الملاح يأخذ ذلك في كل يوم عدة سنين متعددة،

ولم يتفق ركوبه مرة أخرى أبداً‏.‏

وقد أراد بعض خواصه أن يطهر ولده فعمل أشياء هائلة ثم طلب من أم

الخليفة أن يعار القرية التي عملت في طهور المقتدر من فضة ليراها

الناس في هذا المهم، فتلطفت أم المقتدر عند ولدها حتى أطلقها له

بالكلية، وكانت صفة قرية من القرى كلها من فضة، بيوتها وأعاليقها

وأبقارها وجمالها، ودوابها وطيورها، وخيولها وزروعها، وثمارها

وأشجارها وأنهارها، وما يتبع ذلك مما يكون في القرى، الجميع

من فضة مصوّر‏.‏

وأمر بنقل سماطه إلى دار هذا الرجل، وأن لا يكلف شيء من المطاعم

سوى سمك طري، فاشترى الرجل بثلاثمائة دينار سمكاً طرياً، وكان جملة

ما أنفق الرجل على سماط المقتدر ألفاً وخمسمائة دينار، والجميع من عند

المقتدر، وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحرمين وأرباب

الوظائف، وكان كثير التنفل بالصلاة والصوم والعبادة، ولكنه كان مؤثراً

لشهواته، مطيعاً لخصاياه كثير العزل والولاية والتلون‏.‏

وما زال ذلك دأبه حتى كان هلاكه على يدي غلمان مؤنس الخادم، فقتل

عند باب الشماسية لليلتين بقيتا من شوال من هذه السنة - أعني سنة

ثلاثمائة وعشرين - وله من العمر ثمان وثلاثون سنة، وكانت مدة خلافته

أربعاً وعشرين سنة وإحدى عشر شهراً وأربعة عشر يوماً، كان أكثر

مدة ممن تقدمه من الخلفاء‏.‏