المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة


حور العين
12-25-2015, 11:05 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
في صفر منها
أحضر القاهر رجلاً كان يقطع الطريق فضرب بين يديه ألف سوط،

ثم ضربت عنقه وقطع أيدي أصحابه وأرجلهم‏.‏
وفيها‏:‏

أمر القاهر بإبطال الخمر والمغاني والقيان، وأمر ببيع الجواري المغنيات

بسوق النخس، على أنهن سواذج‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وإنما فعل ذلك لأنه كان محباً للغناء فأراد أن يشتريهن

برخص الأثمان، نعوذ بالله من هذه الأخلاق‏.‏

وفيها‏:‏

أشاعت العامة بينهم بأن الحاجب علي بن بليق يريد أن يلعن معاوية على

المنابر، فلما بلغ الحاجب ذلك بعث إلى رئيس الحنابلة البربهاري أبي

محمد الواعظ ليقابله على ذلك، فهرب واختفى، فأمر بجماعة من أصحابه

فنفوا إلى البصرة‏.‏

وفيها‏:‏

عظم الخليفة وزيره على بن مقلة وخاطبه بالاحترام والإكرام‏.‏

ثم إن الوزير ومؤنساً الخادم وعلي بن بليق وجماعة من الأمراء اشتوروا

فيما بينهم على خلع القاهر وتولية أبي أحمد المكتفي، وبايعوه سرّاً فيما

بينهم، وضيقوا على القاهر بالله في رزقه، وعلى من يجتمع به‏.‏

وأرادوا القبض عليه سريعاً‏.‏

فبلغ ذلك القاهر - بلغه طريف اليشكري - فسعى في القبض عليهم، فوقع

في مخالبه الأمير المظفر مؤنس الخادم‏.‏

فأمر بحبسه قبل أن يراه والاحتياط على دوره وأملاكه - وكانت فيه عجلة

وجرأة وطيش وهوج وخرق شديد - وجعل في منزلته - أمير الأمراء

ورياسة الجيش - طريفاً اليشكري، وقد كان أحد الأعداء لمؤنس

الخادم قبل ذلك‏.‏

وقبض على بليق، واختفى ولده علي بن بليق، وهرب الوزير ابن مقلة

فاستوزر مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله في مستهل شعبان،

وخلع عليه وأمر بتحريق دار ابن مقلة، ووقع النهب ببغداد، وهاجت

الفتنة، وأمر القاهر بأن يجعل أبو أحمد المكتفي بين حائطين ويسد

عليه بالآجر والكلس، وهو حي فمات‏.‏

وأرسل منادي على المختفين‏:‏ إن من أخفاهم قتل وخربت داره‏.‏

فوقع بعلي بن بليق فذبح بين يديه كما تذبح الشاة، فأخذ رأسه في طست

ودخل به القاهر على أبيه بليق بنفسه، فوضع رأس ابنه بين يديه، فلما

رآه بكى وأخذ يقبله ويترشفه، فأمر بذبحه أيضاً فذبح، ثم أخذ الرأسين في

طستين فدخل بهما على مؤنس الخادم، فلما رآهما تشهد ولعن قاتلهما،

فقال القاهر‏:‏ جروا برجل الكلب، فأخذ فذبح أيضاً وأخذ رأسه فوضع

في طست وطيف بالرؤوس في بغداد‏.‏

ونودي عليهم‏:‏ هذا جزاء من يخون الإمام ويسعى في الدولة فساداً‏.‏

ثم أعيدت الرؤوس إلى خزائن السلاح‏.‏

وفي ذي القعدة منها‏:‏

قبض القاهر على الوزير أبي جعفر محمد بن القاسم وسجنه، وكان

مريضاً بالقولنج، فبقي ثمانية عشر يوماً ومات، وكانت وزارته ثلاثة

أشهر واثني عشر يوماً، واستوزر مكانه أبا العباس أحمد بن عبيد الله

بن سليمان الخصيبي، ثم قبض على طريف اليشكري الذي تعاون

على مؤنس وابن بليق وسجنه‏.‏

ولهذا قيل‏:‏ من أعان ظالماً سلطه الله عليه‏.‏

فلم يزل اليشكري في الحبس حتى خلع القاهر‏.‏

وفيها‏:‏

جاء الخبر بموت العامل بديار مصر، وأن ابنه محمداً قد قام مقامه فيها،

وسارت الخلع إليه من القاهر بتنفيذ الولاية واستقراره‏.‏

ابتداء أمر بني بويه وظهور دولتهم

وهم ثلاثة إخوة‏:‏

عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة

أبو الحسين أحمد أولاد أبي شجاع بويه بن قباخسرو بن تمام بن كوهي

بن شيرزيل الأصغر بن شيركيده بن شيرزيل الأكبر بن شيران شاه بن

شيرويه بن سيسان شاه بن سيس بن فيروز بن شيرزيل بن سيسان

بن بهرام جور الملك بن يزدجرد الملك بن سابور الملك بن سابور

ذي الأكتاف الفارسي‏.‏

كذا نسبهم الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتابه‏.‏

وإنما قيل لهم‏:‏ الديالمة، لأنهم جاوروا الديلم، وكانوا بين أظهرهم مدة،

وقد كان أبوهم أبو شجاع بويه فقيراً مدقعاً، يصطاد السمك ويحتطب بنوه

الحطب على رؤوسهم، وقد ماتت امرأته وخلفت له هؤلاء الأولاد الثلاثة،

فحزن عليها وعليهم، فبينما هو يوماً عند بعض أصحابه وهو شهريار

بن رستم الديلمي، إذ مرّ منجم فاستدعاه فقال له‏:‏ إني رأيت مناماً غريباً

أحب أن تفسره لي، رأيت كأني أبول فخرج من ذكري نار عظيمة حتى

كادت تبلغ عنان السماء، ثم انفرقت ثلاث شعب ثم انتشرت كل شعبة

حتى صارت شعباً كثيرة، فأضاءت الدنيا بتلك النار، ورأيت البلاد والعباد

قد خضعت لهذه النار‏.‏

فقال له‏:‏ المنجم هذا منام عظيم لا أفسره لك إلا بمال جزيل‏.‏

فقال‏:‏ والله لا شيء عندي أعطيك، ولا أملك إلا فرسي هذه‏.‏

فقال‏:‏ هذا يدل على أنه يملك من صلبك ثلاثة ملوك، ثم يكون

من سلالة كل واحد منهم ملوك عدة‏.‏

فقال له‏:‏ ويحك أتسخر بي‏؟‏

وأمر بنيه فصفعوه ثم أعطاه عشرة دراهم‏.‏

فقال لهم المنجم‏:‏ اذكروا هذا إذا قدمت عليكم وأنتم ملوك وخرج وتركهم‏.‏

وهذا من أعجب الأشياء، وذلك أن هؤلاء الأخوة الثلاثة كانوا عند ملك

يقال له‏:‏ ماكان بن كاني، في بلاد طبرستان، فتسلط عليه مرداويج فضعف

ماكان، فتشاوروا في مفارقته حتى يكون من أمره ما يكون، فخرجوا عنه

ومعهم جماعة من الأمراء، فصاروا إلى مرادويج فأكرمهم

واستعملهم على الأعمال في البلدان‏.‏

فأعطى عماد الدولة على بويه نيابة الكرج، فأحسن فيها السيرة والتف

عليه الناس وأحبوه، فحسده مردوايج وبعث إليه بعزله عنها، ويستدعيه

إليه فامتنع من القدوم عليه، وصار إلى أصبهان فحاربه نائبها فهزمه

عماد الدولة هزيمة منكرة، واستولى على أصبهان‏.‏

وإنما كان معه سبعمائة فارس، فقهر بها عشرة آلاف فارس،

وعظم في أعين الناس‏.‏

فلما بلغ ذلك مرداويج قلق منه، فأرسل إليه جيشاً فأخرجوه من أصبهان،

فقصد أذربيجان فأخذها من نائبها وحصل له من الأموال شيء كثير جداً،

ثم أخذ بلداناً كثيرة، واشتهر أمره وبعد صيته وحسنت سيرته‏.‏

فقصده الناس محبة وتعظيماً، فاجتمع إليه من الجند خلق كثير وجم غفير،

فلم يزل يترقى في مراقي الدنيا حتى آل به وبأخويه الحال إلى أن ملكوا

بغداد من أيدي الخلفاء العباسيين، وصار لهم فيها القطع والوصل،

والولاية والعزل، وإليهم تجبى الأموال، ويرجع إليهم في سائر الأمور

والأحوال، على ما سنذكر ذلك مبسوطاً والله المستعان