المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بعنوان : القرآن الكريم: فضله وفضل حملَته


حور العين
12-27-2015, 08:29 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد القاسم - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
القرآن الكريم: فضله وفضل حملَته

والتي تحدَّث فيها عن القرآن الكريم وأنه كلام الله تعالى،

ثم شرعَ يُعدِّد بعضَ فضائله كما وردَت في كتاب الله تعالى وسُنَّة

النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعض آثار السلف الصالح في تأثُّرهم

بالقرآن الكريم،

كما حثَّ على الإكثار من قراءته والعناية به؛ لنَيل أجره وفضله .

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،

من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه،

وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوَى.

أيها المسلمون :

ربُّنا - سبحانه - كاملٌ في ذاته وأسمائِه وصفاتِه، لا كُفؤ له ولا مثيل،

وصفاتُه أكملُ الصفات وأحسنُها، ومن صفاته - سبحانه - الكلام، يتكلَّم متى شاء،

إذا شاء، بما شاء، ولا مُنتهى لكلماته،

{ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ

قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }
[ الكهف: 109 ] .

كلامُه أحسنُ الكلام، وفضلُ كلامه على كلام الخلق كفضلِ الخالقِ على المخلُوق،

وآلاؤُه - سبحانه - على العباد لا تُحصَى.

ومن حكمة الله ورحمته بهم أن بعثَ فيهم رُسُلَه وأنزل عليهم كُتُبَه،

فأنزل التوراة والإنجيلَ والزَّبُور وصُحف إبراهيم وموسى،

وختمَها بالقرآن العظيم أعظمها فضلاً وأشرفها قدرًا.

حمِدَ نفسَه - سبحانه - على إنزاله للقرآن فقال:

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا }

[ الكهف: 1 ] .

وعظَّم ذاتَه العليَّة بإنزاله فقال:

{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا }

[ الفرقان: 1 ] .

وأقسمَ به فقال:

{ يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ }

[ يس: 1، 2 ] .

وهو مما أقسم عليه

{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }

[ الواقعة: 75، 76 ] .

مُصدِّقٌ لما بين يديه من الكُتب ومُهيمِنٌ عليها وناسِخٌ لها ومُؤتمنٌ على ما كان فيها.

بشَّرَت به الأنبياءُ قبل نزوله،

{ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ }

[ الشعراء: 196 ] .

قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -:

[ ذكرُ هذا القرآن والتنويهُ به موجودٌ في كتب الأولين المأثُورة عن أنبيائِهم ]

ودعا إبراهيمُ وإسماعيلُ - عليهما السلام - أن يبعثَ الله نبيًّا لتلاوته وتعليمه، فقالا:

{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }

[ البقرة: 129 ] .

القرآنُ كلامُ ربِّ العالمين تكلَّم به حقيقةً بحرفٍ وصوتٍ مسمُوعَين،

منه بدأ وإليه يعودُ في آخر الزمان، سمِعَه جبريلُ - عليه السلام - خيرُ الملائكة من الله،

ونزل به على خير الرُّسُل في أشرف البِقاع، وفي خير شهرٍ،

وفي خير الليالي ليلة القدر، لخير أمةٍ بأفضل لغةٍ وأجمعها.

كتابٌ لا يعدِلُه كتاب

{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ }

[ العنكبوت: 51 ] .

امتنَّ به - سبحانه - على هذه الأمة فقال:

{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ

يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }

[ آل عمران: 164 ] .

هو شرفٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأمته،

{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ }

[ الزخرف: 44 ] .

وهو روحُها لتوقُّف الحياة الحقيقية عليه، وإذا ابتعدَ المرءُ عنه كان حيًّا بلا حياة،

قال - سبحانه -:

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا }
[ الشورى: 52 ] .

لو أنزلَه الله على جبلٍ لخشعَ وتصدَّع ذلاًّ لله وطاعة.

لا يصحُّ إيمانٌ عبدٍ حتى يُؤمنَ به جُملةً وتفصيلاً،

قال - سبحانه -:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ }

[ النساء: 136 ] .

وهو في السماء في صُحف مُكرَّمة، مرفوعةٍ مُطهَّرةٍ،

بأيدي سفَرَة - وهم الملائكةُ -، كرامٍ برَرة.

حفِظَه الله قبل إنزاله، فقال:

{ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ }

[ البروج: 21، 22 ] .

وصانَه من الشياطين وقت نزوله،

{ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ }

[ الشعراء: 210، 211 ]

وتكفَّل بحفظِه بعد نزوله،

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

[ الحجر: 9 ] .

قدَّمه الله في الذكر على كثيرٍ من نعمه، فقال:

{ الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ }

[ الرحمن: 1، 2 ] .

علَّم الله عبادَه القرآن ويسَّره لهم تلاوةً وعملاً وحفظًا، يحفظُه العربيُّ والعجميُّ،

والصغيرُ والكبيرُ، والذكرُ والأنثى، والغنيُّ والفقيرُ.

كثُرَت أسماؤُه وتعدَّدت أوصافُه، جعلَه الله هُدًى وذكرَى للعالمين،

عامٌّ للبشرية كلِّها كعُموم رسالة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -،

فلا يختصُّ بأمةٍ دون أمة.

يُشبِهُ بعضُه بعضًا، وتُصدِّقُ آياتُه آياتِه،

{ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ }

[ الزمر: 23 ] .

مُستقيمٌ لم يجعل الله له عِوجًا، لا اختلاف فيه ولا تناقُض،

{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }

[ النساء: 82 ] .

هو أحسنُ الحديث وأفضلُه،

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ }

[ الزمر: 23 ] .

قال النوويُّ - رحمه الله -:

[ فدلَّ على أنه أحسن من سائر الأحاديث المُنزَّلة من عند الله وغير المُنزَّلة ]

وصفَه الله بالعظمة فقال:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }

[ الحجر: 87 ] .

وكتبَ الله له العلُوَّ في ذاته وقدره، فقال:

{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }

[ الزخرف: 4 ] .

بيِّنٌ في لفظه ومعناه، وبيانٌ للأمور على جليَّتها، قال - سبحانه -:

{ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ }

[ آل عمران: 138] .

قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -:

[ بيَّن لنا في هذا القرآن كل علمٍ وكل شيءٍ ]

حكيمٌ فيه ومنه الحكمة،

{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }

[ يونس: 1 ]

كريمٌ عند الله فيه من المكارِم أعلاها، وبه يُكرَم العبدُ ويُعظَّم عند الله وخلقِه،

قال تعالى:

{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }

[ الواقعة: 77 ] .