المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلافة المطيع لله


حور العين
01-25-2016, 05:36 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
خلافة المطيع لله
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

لما قدم معز الدولة بغداد وقبض على المستكفي وسمل عينيه، استدعى

بأبي القاسم الفضل بن المقتدر بالله، وقد كان مختفياً من المستكفي وهو

يحث على طلبه ويجتهد، فلم يقدر عليه‏.‏

ويقال‏:‏ إنه اجتمع بمعز الدولة سراً فحرضه على المستكفي حتى كان من

أمره ما كان، ثم أحضره وبويع له بالخلافة ولقب بالمطيع الله، وبايعه

الأمراء والأعيان والعامة، وضعف أمر الخلافة جداً حتى لم يبق للخليفة

أمر ولا نهي ولا وزير أيضاً، وإنما يكون له كاتب على أقطاعه، وإنما

الدولة ومورد المملكة ومصدرها راجع إلى معز الدولة، وذلك لأن بني

بويه ومن معهم من الديلم كان فيهم تعسف شديد، وكانوا يرون أن بني

العباس قد غصبوا الأمر من العلويين، حتى عزم معز الدولة على تحويل

الخلافة إلى العلويين واستشار أصحابه فكلهم أشار عليه بذلك، إلا رجلاً

واحداً من أصحابه، كان سديد الرأي فيهم، فقال‏:‏ لا أرى لك ذلك‏.‏

قال‏:‏ ولم ذاك‏؟‏

قال‏:‏ لأن هذا خليفة ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الإمارة، حتى لو

أمرت بقتله قتله أصحابك، ولو وليت رجلاً من العلويين اعتقدت أنت

وأصحابك ولايته صحيحة، فلو أمرت بقتله لم تطع بذلك، ولو أمر بقتلك

لقتلك أصحابك‏.‏

فلما فهم ذلك صرفه عن رأيه الأول، وترك ما كان عزم عليه للدنيا

لا لله عز وجل‏.‏

ثم نشبت الحرب بين ناصر الدولة بن حمدان وبين معز الدولة بن بويه،

فركب ناصر الدولة بعدما خرج معز الدولة والخليفة إلى عكبرا، فدخل

بغداد فأخذ الجانب الشرقي ثم الغربي، وضعف أمر معز الدولة والديلم

الذين كانوا معه، ثم مكر به معز الدولة وخدعه حتى استظهر عليه

وانتصر أصحابه فنهبوا بغداد وما قدروا عليه من أموال التجار وغيرهم،

وكان قيمة ما أخذ أصحاب معز الدولة من الناس عشرة آلاف ألف دينار،

ثم وقع الصلح بين ناصر الدولة ومعز الدولة‏.‏

ورجع ابن حمدان إلى بلده الموصل، واستقر أمر معز الدولة ببغداد، ثم

شرع في استعمال السعاة ليبلغ أخاه ركن الدولة أخباره، فغوى الناس في

ذلك وعلموا أبناءهم سعاة، حتى أن من الناس من كان يقطع نيفاً

وثلاثين فرسخاً في يوم واحد‏.‏

وأعجبه المصارعون والملاكون، وغيرهم من أرباب هذه الصناعات التي

لا ينتفع بها إلا كل قليل العقل فاسد المروءة، وتعلموا السباحة ونحوها،

وكانت تضرب الطبول بين يديه ويتصارع الرجال، والكوسان تدق حول

سور المكان الذي هو فيه، وكل ذلك رعونة وقلة عقل وسخافة منه‏.‏

ثم احتاج إلى صرف أموال في أرزاق الجند فأقطعهم البلاد عوضاً عن

أرزاقهم، فأذى ذلك إلى خراب البلاد وترك عمارتها إلا الأراضي التي

بأيدي أصحاب الجاهات‏.‏

وفي هذه السنة

وقع غلاء شديد ببغداد، حتى أكلوا الميتة والسنانير والكلاب، وكان من

الناس من يسرق الأولاد فيشويهم ويأكلهم‏.‏

وكثر الوباء في الناس حتى كان لا يدفن أحد أحداً، بل يتركون على

الطرقات فيأكل كثيراً منهم الكلاب، وبيعت الدور والعقار بالخبز، وانتجع

الناس إلى البصرة فكان منهم من مات في الطريق، ومنهم من وصل إليها

بعد مدة مديدة‏.‏

وفيها‏:

كانت وفاة القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن عبد الله المهدي، وولى

الأمر من بعده ولده المنصور إسماعيل، وكان حازم الرأي شديداً شجاعاً

كما ذكرنا ذلك في السنة الماضية، وكانت وفاته في شوال من هذه السنة

على الصحيح‏.‏

وفيها توفي‏:

الأخشيد محمد بن طغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية، كانت

وفاته بدمشق وله من العمر بضع وستون سنة، وأقيم ولده أبو القاسم

أبو جور - وكان صغيراً - وأقيم كافور الأخشيد أتابكه، وكان يدبر الممالك

بالبلاد كلها، واستحوذ على الأمور كلها وسار إلى مصر فقصد سيف

الدولة بن حمدان دمشق فأخذها من أصحاب الأخشيد، ففرح بها فرحاً

شديداً، واجتمع بمحمد بن محمد بن نصر الفارابي التركي الفليسوف بها‏.‏

وركب سيف الدولة يوماً مع الشريف العقيلي في بعض نواحي دمشق،

فنظر سيف الدولة إلى الغوطة فأعجبته وقال‏:‏ ينبغي أن يكون هذا كله

لديوان السلطان - كأنه يعرض بأخذها من ملاكها - فأوغر ذلك صدر

العقيلي وأوعاه إلى أهل دمشق، فكتبوا إلى كافور الأخشيدي يستنجدونه،

فأقبل إليهم في جيوش كثيرة كثيفة، فأجلى عنهم سيف الدولة وطرده عن

حلب أيضاً، واستناب عليها ثم كر راجعاً إلى دمشق، فاستناب عليها بدراً

الأخشيدي - ويعرف ببدير - فلما صار كافور إلى الديار المصرية رجع

سيف الدولة إلى حلب، فأخذها كما كانت أولاً له، ولم يبق له في دمشق

شيء يطمع فيه‏.‏ وكافور هذا الذي هجاه المتنبي ومدحه أيضاً‏.‏