المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تدبر آية الروم


حور العين
01-25-2016, 06:07 PM
من:الأخ / أديب سعيد
تدبر آية الروم

يجب على كل مسلم في هذا القرآن

أن يتدبر آية الروم

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله .

في تفسيره لسورة الروم

عند قول اللَّهُ تعالى :

{ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ *

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } .

[ الروم : 6 , 7 ]

اعلم أنه يجب على كل مسلم في هذا القرآن أن يتدبر آية الروم

تدبراً كثيراً ، ويبين ما دلت عليه لكل من استطاع بيانه له من الناس .

وإيضاح ذلك :

أن من أعظم فتن آخر الزمان التي ابتلى ضعاف العقول من المسلمين

شدة إتقان الإفرنج ، لأعمال الحياة الدنيا ومهارتهم فيها على كثرتها ،

واختلاف أنواعها مع عجز المسلمين عن ذلك ،

فظنوا أن من قدر على تلك الأعمال أنه على الحق ،

وأن من عجز عنها متخلف وليس على الحق ،

وهذا جهل فاحش ، وغلط فادح .

وفي هذه الآية الكريمة إيضاح لهذه الفتنة وتخفيف لشأنها

أنزله الله في كتابه قبل وقوعها بأزمان كثيرة ،

فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه ، وما أعظمه ، وما أحسن تعليمه .

فقد أوضح جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أكثر الناس لا يعلمون ،

ويدخل فيهم أصحاب هذه العلوم الدنيوية دخولاً أولياً ،

فقد نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل ،

لأنهم لا يعلمون شيئاً عمن خلقهم ، فأبرزهم من العدم إلى الوجود ،

وزرقهم ، وسوف يميتهم ، ثم يحييهم ، ثم يجازيهم على أعمالهم ،

ولم يعلموا شيئاً عن مصيرهم الأخير الذي يقيمون فيه إقامة أبدية

في عذاب فظيع دائم :

ومن غفل عن جميع هذا فليس معدوداً من جنس من يعلم

كما دلت عليه الآيات القرآنية المذكورة ،

لما نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل

أثبت لهم نوعاً من العلم في غاية الحقارة بالنسبة إلى غيره .

وعاب ذلك النوع من العلم بعيبين عظيمين :

أحدهما :

قلته وضيق مجاله ، لأنه لا يجاوز ظاهراً من الحياة الدنيا ،

والعلم المقصور على ظاهر من الحياة الدنيا في غاية الحقارة ،

وضيق المجال بالنسبة إلى العلم بخالق السماوات والأرض جل وعلا ،

والعلم بأوامره ونواهيه ، وبما يقرب عبده منه ، وما يبعده منه ،

وما يخلد في النعيم الأبدي من أعمال الخير والشر .

والثاني منهما :

هو دناءة هدف ذلك العلم ، وعدم نبل غايته ،

لأنه لا يتجاوز الحياة الدنيا ،

وهي سريعة الانقطاع والزوال

ويكفيك من تحقير هذا العلم الدنيوي

أن أجود أوجه الإعراب في قوله :

{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا }

أنه بدل من قوله قبله لا يعلمون ، فهذا العلم كلا علم لحقارته .

قال الزمخشري في الكشاف ، وقوله :

يعلمون بدل من قوله : لا يعلمون ،

وفي هذا الإبدال من النكته أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ،

ويسد مسده ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل ،

وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا .

وقوله :

{ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }

يفيد أن الدنيا ظاهراً وباطناً فظاهرها ما يعرفه الجهال

من التمتع بزخارفها ، والتنعيم بملاذها وباطنها ،

وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة ، يتزود منها إليها بالطاعة

والأعمال الصالحة .

وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً

من ظواهرها ،

و{ هُمْ } الثانية يجوز أن يكون مبتدأ ،

وغافلون خبره ، والجملة خبر ، { هُمْ } الأولى ،

وأن يكون تكريراً للأولى ،

{ غَافِلُونَ } : خبر الأولى ،

وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ،

ومقرها ، ومحلها وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع .

انتهى كلام صاحب الكشاف وقال غيره :

وفي تنكير قوله :

ظاهراً تقليل لمعلومهم ، وتقليله يقربه من النفي ،

حتى يطابق المبدل منه.اهـ ، ووجهه ظاهر .

واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلم هذه العلوم الدنيوية ،

كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاح في سورة مريم في الكلام

على قوله تعالى :

{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا }

[ مريم : 78 ]

وهذه العلوم الدنيوية التي بينا حقارتها

بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار ،

إذا تعلمها المسلمون ،

وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقًا لما أمر الله به ،

على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

كانت من أشرف العلوم وأنفعها ،

لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة الله ومرضاته جل وعلا ،

وإصلاح الدنيا والآخرة ، فلا عيب فيها إذن

كما قال تعالى :

{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ }

[ الأنفال : 60 ]

فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالًا لأمر الله تعالى

وسعيًا في مرضاته ، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار

الغافلين عن الآخرة ، كما ترى الآيات بمثل ذلك كثيرة .

والعلم عند الله تعالى