المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تشبيه القلب بالأرض


راجية الجنة
01-30-2016, 06:41 PM
تشبيه القلب بالأرض
الأخت / الملكة نــور


و لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب ،
و قحطُ النفوس متوالياً عليها
جدّد له الدعوة آلة هذه المأدبة وقتا بعد وقت رحمة منه به،


فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ،
و سَقيُها مستمطراً سحائب رحمته
لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة من نبات الإيمان ،
و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ،
و لئلا تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ،



فلا يزال القلب في استسقاء و استمطار هكذا دائما ،
يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى سُقيا رحمته ،
و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته.



فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ،
فالغفلة هي قحط القلوب و جدبها ،
و ما دام العبد في ذكر الله و الإقبال عليه
فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ،
فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة و كثرة ،
فإذا تمكَّنت الغفلة منه ،
و استحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ،
و سنته جرداء يابسة ،
و حريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب كالسَّمائم.
فتصير أرضه بورا بعد أن كانت مخصبة بأنواع النبات ،
و الثمار و غيرها ،



و إذا تدارك عليه غيث الرحمة
اهتزت أرض إيمانه و أعماله و ربت ،
و أنبتت من كلِّ زوج بهيج ،
فإذا ناله القحط و الجدب
كان بمنزلة شجرة رطوبتها و خضرتها و لينها و ثمارها من الماء ،
فإذا منعت من الماء يبسَت عروقها و ذبلت أغصانها ،
و حُبست ثمارها ، و ربما يبست الأغصان و الشجرة ،
فإذا مددت منها غصناً إلى نفسك لم يمتد ،
و لم ينْقَد لك ، و انكسر ،
فحينئذ تقتضي حِكمة قيِّم البستان قَطع تلك الشجرة
و جعلَها وقوداً للنار .


أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة