المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستبداد الفكري ( سلسلة التغيير الواعي 1 )


vip_vip
02-06-2011, 10:53 AM
الاستبداد الفكري ( سلسلة التغيير الواعي 1 ) (http://www.ataaalkhayer.com/)

حسن أبو مطير


الاستبداد لغة: هو غرور المرء بنفسه والأنفة عن قبول النصيحة
والاستقلال بالرأي ومحاولة إلغاء الآخر. (الكواكبي)
و قياسا على ذلك يمكن أن نعرف ما بات يعرف اليوم
بالاستبداد الفكري (http://www.ataaalkhayer.com/) فنقول : هو غرور المرء بأفكاره و أرائه
و ظنه أن هذه الأفكار تحمل الحق المطلق الذي لا يقبل نقاشا
و لا جدالا , و أن ما عدا أفكاره يحتمل الخطاء بدرجة كبيرة
و لا يستحق الوجود.

و ظاهرة الاستبداد الفكري ظاهرة قديمة منذ أن خلق الله الخلق،
و قد ذكرنا أن الاختلاف سنة من السنن التي فطر الله الناس عليها،
و قانون من قوانين حركة الحياة و أن الأضطراب يحل بالمجتمع
حينما نتصادم مع هذه القوانين و لا نتساوق معها.


:: آفة الفكر المعاصر ::

الاستبداد الفكري هو آفة الفكر المعاصر حيث تجد أن صاحب
أي أطروحة أو فكرة يمجد فكرته و يتخذ لها من أسباب التفوق
و النجاح ما يجعله يسفه الأفكار الأخرى , و إن كانت تحمل من
الصواب ما يفوق طرحه بمرات , و قد قال الفقهاء
” لم يشتم رائحة الفقه من لم يعرف الأختلاف ” , و من هنا
يمكن لنا أن نقول في الفكر ” لم يشتم رائحة الفكر من لم يعرف
الأختلاف” و ليس المقصود الأختلاف من أجل الأختلاف أو تأكيد
الذات لمجرد حب الظهور و لو كانت على غير الحق ,
و لكن المقصود هو اختلاف الأراء و تنوعها بما يشير أن كل
منها يحمل الصواب بنسبة معينة , و قد قال الإمام الشافعي
رضي الله عنه في تأكيد هذا المعنى ” رأي صواب يحتمل
الخطاء , و رأيٌ غيري خطاء يحتمل الصواب ” .


والاستبداد الفكري هو آفة العصر لانه السوسة التي تنخر
في عضد أي حضارة, فالبشرية في تاريخها لم تعرف داء أضر
على هويتها وكينونتها من الاستبداد والأمر أخص عندما يتعلق
بالاستبداد الفكري كونه لا يستهدف الإنسان في ماله أو قوته
بل يستهدفه في عقله وتفكيره فيعمل على جعل جمجمته حجرة
مستأجرة لمسلمات ومقدسات تُؤخذ كما هي في غير ما نقد
أو نقاش وما هي إلا شعوذات من جهل وأساطير ما أنزل الله بها
من سلطان أو اجتهادات بشر لها نصيب من الصحة كما لها
نصيب من الخطاء فليس هناك من يملك أن يقول أنه على الحق
المطلق غير رسول الله صلى الله عليه و سلم, و قد قال أهل العلم
” كل يؤخذ منه و يرد إلا صاحب هذا المقام
”في إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم.


و الاستبداد الفكري له أثار تظهر في جوانب متعددة من الحياة
حيث تظهر في الاستبداد السياسي و المعرفي و الثقافي
و الحضاري و الاجتماعي و الأخلاقي …إلخ.


هذه كلها أثار لظاهرة الاستبداد الفكري الذي لا يقبل الرأي
و الرأي الأخر, ليس هذا فحسب بل يعمل على قمع كل ما يخالف
رأيه و فكرته . و سنأتي بشيء من التفصيل على خصائص
المستبد فكريا في مقال لاحق لهذا المقال بحول الله و طوله .
إن أهم نتائج الاستبداد الفكري أن يعمل على صناعة مجتمع إمعي
مسُتغفل مسُتخف به , و يحدثنا القرآن الكريم عن مثال لهذا
المجتمع حين يحكي قصة قوم فرعون
(فاستخف قومه فأطاعوه ) الزخرف: ٥٤ . و كان لهذا الأستبداد
الذي قاده فرعون أثر سيء على جميع المجتمع.


إن وجود ظاهرة الاستبداد الفكري في مجتمع ما تُنبى عن أمرين
خطيرين الأول : وجود من يتسلط بفكره و رايه و يستغل نفوذه
و جاهه لبسط ما يرى بغض النظر أهي صحيحة أم لا ,
و الثاني : وجود مجتمع قَبِل أفراده أن يتحكم غيرهم بهم و أن
يسيرهم و يوجهم كيفما شاء و يحجر على طاقاتهم الفكرية
و يكبت حريتهم الفكرية و التي لا تحدها حدود.


و مجتمع كهذا لا تتوفر فيه الأرضية الخصبة لقيام نهضة مهما
عمل من أعمال لانها في النهاية ستكون أسيرة لرؤية و احدة
و فكرة واحدة و رأي واحد , و هذه الفكرة أو الرؤية لم تأخذ
نصيبها من التمحيص و الغربلة و الإختبار في عقول الناس
فهي إذن نظرة قاصرة مهما كانت عظيمة في عين صاحبها !.
و لعل لنا في قصص الأنبياء مع قومهم حين دعوهم في أول
أمرهم إلى التوحيد مثالا على الاستبداد الفكري , حيث قام صناديد
الكفر و الشرك بمجابهة هذه الدعوة لانها ستعمل على إزالة
جبروتهم و سطوتهم على رقاب الناس و عقولهم و هذا ما
لا يرضون به من أجل ذلك كان لابد من محاربة دعوة الأنبياء
و كل من يقف معها .


::كيف ينشأ الاستبداد الفكري؟::


إن المشاهد التارخية تبرهن لنا على أن الاستبداد الفكري هو
المتلازمة المرتبطة بأي حراك فكري جديد ولكن في الاتجاه
المعاكس تخف حدته أو تشتد بحسب قوة العوامل السابقة.



ينشأ الاستبداد الفكري في ظل سلطة جاهلة مستبدة سر ديمومتها
وكيانها في ضعف تعليمها وسذاجة نقاشات واهتمامات أجيالها
ولذا فإن الديكتاتورية أو سياسة الإكراه ترتبط أول ما ترتبط
بتكميم أفواه مفكريها وكثرتهم في المنافي والمعتقلات والمقابر
الجماعية بالطبع.


الاستبداد الفكري ينشأ حينما يتحول العمل الثقافي إلى مشروع
رياء كبير يرفض أن تكون الثقافة معبرة عن واقع مجتمعها
وصورته الحقيقية وإنما تظل دائرة في فلك المثاليات
والمفترضات فتكون السلطة هنا منافقة حاذقة تعمل على تنقية
الأفكار فتختار منها ما وافق الصورة الأفلاطونية المتوهمة
وتغتال أي محاولة لنقاش واقع المجتمع وأمراضه لأنها بنظرهم
تهديد لقيم المجتمع وثوابت الدين وتتحول معها الثقافة إلى
طلاسم و شعوذات يرفض أن يتعاطاها عاقل لأنها لا تعبر عنه
و إنما تعبر عن مثاليات يعجز عن الوصل إليها.


ينشأ الاستبداد الفكري حينما نتعامل مع ثقافة ترفض الأخر
أو تقبله بشكل مطلق دون أخذ النافع منه و ترك غير النافع
وفقا لما جاء في هدي النبي صلى الله عليه و سلم
(الحكمة ضالة المؤمن أنى و جدها فهو أحق الناس بها ).
من الطبيعي أن نرفض في هذه الحالة أن نتعامل مع هذا الثقافة
الانتقائية لأننا نعيش الوجع ولن نصدق ألف طبيب يقسم لنا بأنا
أصحاء.


ينشأ الاستبداد الفكري حين تتغلغل الخرافة والأسطورة في جسد
مجتمع ما وتصبح عقيدة متمكنة من نفوس تابعيها وأي محاولة
للخلاص منها أشبه ما تكون بعملية إستشهادية . ولا غرو حين
يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل
والرجلان والنبي وليس معه أحد في دلالة واضحة على الأثر
المدمر للاستبداد حين يقترن بفكرة أو معتقد ويصبح دستورا
وعقيدة أضف إلى ذلك حين تنشأ في مجتمع منغلق وتتراكم مع
مرور الزمن في الأذهان أساطيرالأولين.


و للحديث صلة ….