المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ومضات - برود المعاني


حور العين
03-27-2016, 02:40 PM
من:الأخ / أديب سعيد
ومضات - برود المعاني

قال الشيخ محمد الحمد حفظه الله :

قبل سنوات زارني طبيب من إحدى البلاد العربية ,
وكان يعمل في أحد المستشفيات ,
وقد كان على النصرانية ودخل في الإسلام حديثاً ,
وكان عمره آنذاك يزيد على الأربعين سنه .

ولا حظت فيه فرحاً , ورقةً , واستشعاراً لعظمة الإسلام ,
وقناعة تامة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .

وكانت لديه مشكلة في علم والديه الكبيرين , وأصحابه الذين يعرفونه ,
فكان يخشى أن يتكدر والداه إذا علما بإسلامه ,
لذا صار متردداً في إخبارهم بذلك , فكان يخفي إسلامه .
وترتب عليه أن هويته نصرانية ,
وكان يرغب في أن تعدل إلى الإسلام , كل ذلك من أجل أن يدخل مكة ,
ويؤدي الحج والعمرة .

وقد دار بيني وبينه حديث طويل حول هذا الشأن ,

فكان إذا جاء ذكر مكة , والكعبة فاضت عيناه بالدمع ,
وصار يردد :

هل يعقل أنني سأذهب إلى مكة ؟
وهل أتصور أنني سأرى الكعبة وأطوف حولها ؟
هل سيتم ذلك لي ؟

حتى إن وجهه ليحمر من شدة ما يعتصره من حرقة ,
ويحدوه من أمل .
تعجبت من هذا الشعور , وكيف كانت معاني الإسلام ,
والمشاعر المقدسة حارة فوارة في حسه في الوقت التي بردت فيه
تلك المعاني عند كثير من المسلمين .

وبعدها بسنوات قابلت بعض المسلمين من فرنسا , وألمانيا ,
ورأيت عندهم ما يزيد على ما عند صاحبنا الأول من حرارة الأشواق ,
وصدق المشاعر , وحضور معاني الإسلام , وقوة الاعتزاز به .

بل لقد قابلت قبل تلك المواقف بسنوات
في شهر رمضان 1411 هـ في الحرم المكي رجلاً أمريكياً
يقول إنه يعمل في إحدى وكالات الأنباء العالمية

قابلته في صحن الحرم , وكان الوقت بعد العصر ,
ودار الحديث معه في جمع من الإخوة ,
وكان لا يركز كثيراً في الحديث , بل كان بصره مشدوداً إلى الكعبة
لا يكاد يلتفت عنها يمنة أو يسرة .

فلما قال له أحد الحاضرين :

ماذا تصنع ؟
مالذي يشدك إلى الكعبة ؟

قال :

لا أستطيع وصف هذا الشعور ,
ولو أن الأمريكان جاؤوا إلى هذا المكان , ورأوا الكعبة مباشرة ,
وما يكسوها من الجلال والروعة - لربما أسلموا دون دعوة .

والأمثلة على ما ذكر كثيرة جداً ,
وعند غيري خصوصاً ممن يمارسون دعوة غير المسلمين
الشيء الكثير من ذلك القبيل .

والشاهد مما مضى حضور معاني القدسية , واستشعار عظمة الله ,
وحرارة العواطف تجاه الإسلام عند هؤلاء , تلد المعاني والمشاعر ,
والعواطف التي بردت في حس أكثر المسلمين ,
وصارت أشبه بالأمور العادية جداً ولعل سبب ذلك
أن كثرة الإمساس تقلل الإحساس .
لذا فإن الحاجة شديدة لاستحضار تلك المعاني ,
وتجديدها في القلوب .

ولعل من أعظم أسباب ذلك :

التدبر في الآيات التي تدعو إلى تعظيم شعائر الله ,
وإستدعاء الذكريات التي تبعث الأشواق , وتجدد معاني الإيمان ,

* فإذا استشعر المسلم مثلاً فرضية الصلاة ,
وأنها فرضت في السماء ليلة عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم
وأنها صلة بين العبد وربه , وأن قدر الإسلام عنده كقدر الصلاة في قلبه
إلى غير ذلك من معاني التي تدور في هذا الفلك
كان ذلك داعياً إلى إحيائها في قلبه وشعوره ,
وإعطائها حقها من التكميل والخشوع .


* وقل مثل ذلك في الحج , بحيث يستشعر أن بطاح مكة
كانت موطئ أقدام الأنبياء , وأنها أشرف الأماكن , وأحبها إلى الله ,
وأنه إذا سار فيها متعبداً لله صار امتداداَ لتلك السلسلة المباركة ,
والركب الميمون من خاصة عباد الله من الأنبياء ,
والصديقين , والصالحين .

* وقل مثل ذلك في شأن كثير من العبادات التي تنطوي على الحكم
والأسرار , وكذلك الحال بالنسبة لكثير من الأعمال التطوعية
التي يبرد إحساس بعض القائمين بها من جراء طول العهد ,
فلا يكاد يستشعر عظم ما يقوم به , ولا الأجور المترتبة على ذلك .

فما أحوجنا إلى تجديد تلك المعاني , وتحريك تلك المشاعر ,
وألا يكون طول الأمد سبباً لبرود مشاعرنا , وتبلد إحساساتنا ,
وقسوة قلوبنا , لعلنا بذلك ننبعث إلى زيادة الإيمان ,
وقوة الإقبال على الله -عز وجل- .

ولعل من أسرار تكرار بعض العبادات يومياً كالصلاة , أو أسبوعياً كالجمعة ,
أو سنوياً كصيام رمضان , أو عمرياً كالحج ,
أن يكون المؤمن على ذكر من هذا المعنى , ألا وهو تجديد الإيمان ,
وإقامة ذكر الله , وإحياء تلك المعاني في النفوس , لتبقى فوارة حية ,
فإذا كان الأمر كذلك فإنه يعني حياة القلوب .
وإذا كانت الأخرى فإن ذلك يعني خمودها أو موتها .