المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكر أخذ دمشق من أيدي الفاطميين


حور العين
03-28-2016, 09:34 AM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ذكر أخذ دمشق من أيدي الفاطميين
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

ذكر ابن الأثير في ‏(‏كامله‏)‏‏:‏

أن الفتكين، غلام معز الدولة الذي كان قد خرج عن طاعته كما تقدم،
والتف عليه عساكر وجيوش من الديلم والترك والأعراب، نزل في هذه
السنة على دمشق، وكان عليها من جهة الفاطميين ريان الخادم، فلما نزل
بظاهرها خرج إليه كبراء أهلها وشيوخها، فذكروا له ما هم فيه من الظلم
والغشم، ومخالفة الاعتقاد بسبب الفاطميين، وسألوه أن يصمم على أخذها
ليستنقذها منهم‏.‏

فعند ذلك صمم على أخذها، ولم يزل حتى أخذها وأخرج منها ريان الخادم،
وكسر أهل الشر بها، ورفع أهل الخير، ووضع في أهلها العدل، وقمع أهل
اللعب واللهو، وكف أيدي الأعراب الذين كانوا قد عاثوا في الأرض فساداً،
وأخذوا عامة المرج والغوطة، ونهبوا أهلها‏.‏

ولما استقامت الأمور على يديه، وصلح أمر أهل الشام، كتب إليه المعز
الفاطمي يشكر سعيه، ويطلبه إليه ليخلع عليه، ويجعله نائباً من جهته،
فلم يجبه إلى ذلك؛ بل قطع خطبته من الشام وخطب للطائع العباسي، ثم
قصد صيدا، وبها خلق من المغاربة عليهم ابن الشيخ، وفيهم ظالم
بن موهوب العقيلي، الذي كان نائباً على دمشق للمعز الفاطمي، فأساء
بهم السيرة، فحاصرهم، ولم يزل حتى أخذ البلد منهم، وقتل منهم نحواً
من أربعة آلاف من سراتهم‏.‏

ثم قصد طبرية، ففعل بأهلها مثل ذلك، فعند ذلك عزم المعز الفاطمي على
المسير إليه، فبينما هو يجمع له العساكر إذ توفي المعز في سنة خمس
وستين كما سيأتي‏.‏

وقام بعده ولده العزيز، فاطمأن عند ذلك الفتكين بالشام، واستفحل أمره،
وقويت شوكته، ثم اتفق أمر المصريين على أن يبعثوا جوهراً القائد
لقتاله، وأخذ الشام من يده، فعند ذلك حلف أهل الشام لأفتكين أنهم معه
على الفاطميين، وأنهم ناصحون له غير تاركيه‏.‏

وجاء جوهر فحصر دمشق سبعة أشهر حصراً شديداً، ورأى من شجاعة
الفتكين ما بهره، فلما طال الحال أشار من أشار من الدماشقة على الفتكين
أن يكتب إلى الحسين بن أحمد القرمطي، وهو بالأحساء ليجيء إليه‏.‏

فلما كتب إليه أقبل لنصره، فلما سمع به جوهر لم يمكنه أن يبقى بين
عدوين من داخل البلد وخارجها، فارتحل قاصداً الرملة، فتبعه ألفتكين
والقرمطي في نحو من خمسين ألفاً، فتواقعوا عند نهر الطواحين على
ثلاث فراسخ من الرملة، وحصروا جوهراً بالرملة‏.‏

فضاق حاله جداً من قلة الطعام والشراب، حتى أشرف هو ومن معه
على الهلاك، فسأل من الفتكين على أن يجتمع هو وهو على ظهور الخيل،
فأجابه إلى ذلك، فلم يزل يترفق له أن يطلقه حتى يذهب بمن معه من
أصحابه إلى أستاذه شاكراً له مثنياً عليه الخير، ولا يسمع من القرمطي
فيه - وكان جوهر داهية - فأجابه إلى ذلك، فندمه القرمطي، وقال‏:‏
الرأي أنا كنا نحصرهم حتى يموتوا عن آخرهم، فإنه يذهب إلى أستاذه،
ثم بجمع العساكر ويأتينا، ولا طاقة لنا به‏.‏

وكان الأمر كما قال، فإنه لما أطلقه الفتكين من الحصر لم يكن له دأب،
إلا أنه حث العزيز على الخروج إلى الفتكين بنفسه، فأقبل في جحافل أمثال
الجبال، وفي كثرة من الرجال والعدد والأثقال والأموال، وعلى مقدمته
جوهر القائد‏.‏

وجمع الفتكين والقرمطي الجيوش والأعراب، وساروا إلى الرملة،
فاقتتلوا في محرم سنة سبع وستين، ولما تواجهوا رأى العزيز من
شجاعة الفتكين ما بهره، فأرسل إليه يعرض عليه إن أطاعه ورجع إليه
أن يجعله مقدم عساكره، وأن يحسن إليه غاية الإحسان‏.‏

فترجل افتكين عن فرسه بين الصفين، وقبل الأرض نحو العزيز، وأرسل
إليه يقول‏:‏ لو كان هذا القول سبق قبل هذا الحال، لأمكنني وسارعت
وأطعت، وأما الآن فلا‏.‏

ثم ركب فرسه، وحمل على ميسرة العزيز، ففرق شملها، وبدد خيلها
ورجلها، فبرز عند ذلك العزيز من القلب، وأمر الميمنة فحملت حملة
صادقة فانهزم القرمطي، وتبعه بقية الشاميين، وركبت المغاربة أقفيتهم
يقتلون ويأسرون من شاؤوا، وتحول العزيز فنزل خيام الشاميين بمن
معه، وأرسل السرايا وراءهم، وجعل لا يؤتى بأسير إلا خلع على من جاء
به، وجعل لمن جاءه الفتكين مائة ألف دينار‏.‏

فاتفق أن الفتكين عطش عطشاً شديداً، فاجتاز بمفرج بن دغفل، وكان
صاحبه فاستسقاه فسقاه، وأنزله عنده في بيوته، وأرسل إلى العزيز
يخبره بأن طلبته عنده، فليحمل المال إلي، وليأخذ غريمه‏.‏

فأرسل إليه بمائة ألف دينار، وجاء من تسلمه منه، فلما أحيط بالفتكين لم
يشك أنه مقتول فما هو إلا أن حضر عند العزيز، أكرمه غاية الإكرام، ورد
إليه حواصله وأمواله، لم يفقد منها شيئاً، وجعله من أخص أصحابه
وأمرائه، وأنزله إلى جانب منزله، ورجع به إلى الديار المصرية مكرماً
معظماً، وأقطعه هنالك إقطاعات جزيلة‏.‏

وأرسل إلى القرمطي أن يقدم عليه ويكرمه، كما أكرم الفتكين، فامتنع
عليه وخاف منه، فأرسل إليه بعشرين ألف دينار، وجعلها له عليه في كل
سنة، يكف بها شره، ولم يزل الفتكين مكرماً عند العزيز، حتى وقع بينه
وبين الوزير ابن كلس، فعمل عليه حتى سقاه سماً فمات، وحين علم العزيز بذلك غضب
على الوزير، وحبسه بضعاً وأربعين يوماً وأخذ منه
خمسمائة ألف دينار، ثم رأى أن لا غنى به عنه، فأعاده إلى الوزارة‏.‏
وهذا ملخص ما ذكره ابن الأثير‏.‏