المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمثال في القرآن "جزء ثامن"


حور العين
04-13-2016, 03:01 PM
من: الأخت / الملكة نــور
الأمثال في القرآن
جزء ثامن

الأمثال في القرآن

للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد

الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ،

اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،

ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

المقارنة بين إنسان خامل معتزل الناس

وبين إنسان يأخذ بيد الخلق إلى الله :

أيها الأخوة الكرام ، من آيات الأمثال هذه الآية ،

وهي قوله تعالى :

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ

وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا

هَلْ يَسْتَوُونَ }

[ النحل : 75 ]

إنسان مكبل ، مقيد ، خامل ، منطوٍ على نفسه ، معتزل الناس ،

لا يفكر بعمل صالح ، ولا بخدمة إنسان ، ولا بعطاء ، ولا بنصيحة ،

ولا بدعوة ، يعيش ليأكل ، وإنسان آخر:

{ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا }

[ النحل : 75 ]

رزقه علماً ، ومالاً ، وحكمة ، وطلاقة لسان ، وقدرة على التأثير ،

يعمل ليلاً نهاراً في خدمة الخلق ، يأخذ بيد الخلق إلى الله ، يوفق بينهم ،

يقرب فيما بينهم ، يطعم جائعهم ، يرعى مريضهم، يصل من قطعه ،

يعطي من حرمه ، يعفو عمن ظلمه ،

هل هناك تساوٍ بين هذين الشخصين؟

{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }

[ السجدة : 18 ]

{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }

[ الجاثية : 21 ]

الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :

أيها الأخوة الكرام ، أريد أن أبين لكم هذه الحقيقة ، هناك من يتوهم

أن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ؛ أن المؤمن يصلي فقط ، ويصوم ،

ويحج بيت الله الحرام ، ويؤدي زكاة ماله ، لا والله ،

والله الفرق لا تستوعبه الصفحات ، ولا خطب في سنوات ،

الفرق جوهري ، هناك ذهب عياره أربعة وعشرون ،

و ذهب عياره واحد وعشرون ، وذهب ثمانية عشر ،

الفرق بينهما بالدرجة ، لكن هناك قطعة ألماس رأيتها بعيني في متحف

في اسطنبول ، توبي كوبي ، ثمنها مئة وخمسون مليون دولار ،

بحجم البيضة ، وهناك قطعة فحم لا تساوي قرشاً ، والألماس أصله فحم

هل يستويان ؟

أنا أريد أن أقول لكم المؤمن الحقيقي إنسان آخر ، إنسان آخر بمبادئه ،

بقيمه ، بأخلاقه ، بأذواقه ، برحمته ، بعدله ، بإنصافه ، بسعادته ،

بتوفيقه ، الدعاة إلى الله لا يدعونكم إلى أن تصلوا فقط ،

يدعونكم إلى سعادة الدنيا والآخرة ، يدعونكم إلى الفلاح ،

أن تكسب الدنيا والآخرة معاً ، أو أن تكون نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة ،

إذا دعاك الله إليه ، دعاك إلى رحمته ، دعاك إلى أن تكون غنياً ، قوياً ،

عفيفاً ، متألقاً ، تملك سعادة الدنيا والآخرة .

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا }

[ النحل : 75 ]

تجلس مع إنسان لا يحدثك كلمة في الدين ، إلا بأسعار السيارات ،

بالأسهم ، بالتجارات ، بالبيوت ، والمركبات ، همه الدنيا ،

لذلك ورد في بعض الأحاديث :

( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ،

وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ،

ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ،

وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة )

الترمذي عن أنس

عرف أنه مخلوق للجنة ، مخلوق لجنة عرضها

السماوات والأرض .

عدم استواء المؤمن مع غير المؤمن بنص القرآن الكريم :

إنسان عرف الله، عرف طريقه إلى الجنة ، عرف الحق والباطل ،

عرف الخير والشر، عرف الحلال والحرام ، عرف ما يمكن وما لا يمكن ،

ما يجوز وما لا يجوز ، تضبطه القيم ، تحكمه المبادئ ،

يرتقي من حال إلى حال ، إنسان آخر عرف الطعام والشراب ،

عرف النساء ، عرف الشهوات ، يعبدها من دون الله ، اتخذ إلهه هواه ،

الفرق كبير جداً أكبر مما تتصورون ،

لذلك يكفيك قوله تعالى :

{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }

[ السجدة : 18 ]

{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }

[ القلم : 35 , 36 ]

{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى }

[ الليل : 5 , 6 ]

وبنى حياته على العطاء ، يتقرب إلى الله بالعطاء ، بخدمة الخلق ،

بنصيحتهم ، يرحمهم ، يحلم عليهم ، يصبر على مسيئهم ، ينتظر مدينهم ،

وبين إنسان يسعى لشهوته ، يسعى لمتعته ، فرق كبير جداً ، لذلك :

{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }

[ القلم : 35 , 36 ]

{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }

[ السجدة : 18 ]

المؤمن واضح يعمل تحت ضوء الشمس

و لا يخشى في الله لومة لائم : الآية دقيقة جداً :

{ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً

فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }

[ القصص : 61 ]

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا }

[ النحل : 75 ]

مقيد بشهواته ، محبوس في ترهاته ، مرة كنت في الكويت ألقى أخ

محاضرة كان في بلد محتل من قبل العدو الصهيوني ،

لكن أهله على درجة عالية من التدين ،

أقسم لي بالله قال لي : نحن المحاصرون، وليسوا هم ، نحن محاصرون

بشهواتنا، ومصالحنا ، هم أحرار ، فلذلك المسافة كبيرة جداً

بين الذهب وهو من أثمن المعادن وبين أخس المعادن ، أنا مرة اطلعت

على مقالة سفينة قبل مئتي عام غرقت في المحيط الأطلسي ،

ومحملة بخمسة أطنان من الذهب الخالص ، في النهاية عثر عليها ،

واستخرجوا الذهب ، ونظرت إلى صورة الذهب ، مئتا عام في البحر

وكأن الذهب يلمع لمعاناً مذهلاً ، الذهب ذهب ، المؤمن ألماس أو ذهب ،

لا يخونك ، لا يكذب عليك ، لا يحتال عليك ، لا يغتابك ، لا يمكر فيك ،

لا ينافق ، لا يتذلل ، لا يتضعضع ، ليس دخيلاً ، كريم ، مبادئه واضحة ،

يعمل تحت ضوء الشمس ، لا يخشى في الله لومة لائم ، المؤمن واضح .

المسافة الكبيرة بين المؤمن و الكافر :

الآية التالية تريد أن تبين كم هي المسافة كبيرة بين مؤمن وكافر ،

أقسم لكم بالله لو أن إنساناً دخله لا يزيد عن مبلغ لا يكفيه أسبوعاً

من الشهر ، وساكن في بيت صغير ، قميء ، وطعامه خشن ، وثيابه خشنة ،

لكنه مؤمن ، لكنه يعرف الله ، وآخر معه ألف مليار ، ألف مليون ،

وساكن بأجمل بيت ، ويركب أجمل مركبة ، وعنده أجمل زوجة ،

يقتني أغلى الآلات، ليس هناك مسافة تجمع بينهما :

{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }

[ السجدة : 18 ]

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ

وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا

هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
[ النحل : 75 ]

بل أكثرهم لا يعلمون السعادة التي ينعم بها المؤمن ، لا يعلمون الأمن

الذي يملأ قلب المؤمن ، لا يعلمون الراحة التي يعيشها المؤمن ،

لا يعلمون البصيرة التي يملكها المؤمن ، لا يعلمون مقدار هذا النور

الذي يقذفه الله في قلب عبده المؤمن .

المؤمن مقيد بالإيمان وبمنهج الرحمن والإنسان الآخر متفلت

يفعل أي شيء من أجل متعته

مثل آخر :

{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ }

[ النحل : 76 ]

أخرس ، لا يتكلم كلمة خير ، ولا يفكر بدعوة إلى الله ، ولا بنصيحة ،

ولا بالتوفيق بين شخصين :

{ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ

هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

[ النحل : 76 ]

من خلال هذين المثلين في هذه الآية يتضح أن المسافة كبيرة جداً

بين مؤمن وغير مؤمن ، وآيات كثيرة تدعونا إلى الموازنة ،

إنسان ترتاح له ، لا تخاف منه ، لا تخاف أن يغدرك ،

لا تخاف أن يطعنك بالظهر ، لا تخاف أن يغتابك ، لا تخاف أن يحتال عليك ،

لا تخاف أن يفعل معك شيئاً لا يرضي الله .

( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ )

أخرجه أبو داود عن أبي هريرة

مقيد بالإيمان ، مقيد بمنهج الرحمن ، والإنسان الآخر متفلت ،

يفعل أي شيء من أجل متعته ، يرتكب كل حماقة من أجل شهوته ،

يركب رأسه أحياناً ، يتناقض ، يقسو ولا يرحم ، يأخذ ولا يعطي ،

يعلو ولا يتواضع ، هؤلاء النموذجان في حياة الناس .