المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيء من أخبار عضد الدولة


حور العين
04-14-2016, 01:15 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
شيء من أخبار عضد الدولة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

أبو شجاع بن ركن الدولة أبو علي الحسين بن بويه الديلمي، صاحب ملك
بغداد وغيرها، وهو أول من تسمى شاهنشاه، ومعناه‏:‏ ملك الملوك‏.‏
وهو أول من ضربت له الدبادب ببغداد، وأول من خطب له بها مع الخليفة‏.‏

وذكر ابن خلكان‏:‏ أنه امتدحه الشعراء بمدائح هائلة منهم المتنبي وغيره،
فمن ذلك قول أبي الحسن محمد بن عبد الله السلامي في قصيدة له‏:‏

إليك طوى عرض البسيطة جاعل * قصارى المطايا أن يلوح لها القصر
فكنت وعزمي في الظلام وصارمي * ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر
وبشرت آمالي بملك هو الورى * ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر

وقال المتنبي أيضاً‏:‏

هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى * ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق

قال‏:‏ وقال أبو بكر أحمد الأرجاني في قصيدة له بيتاً فلم يلحق
السلامي أيضاً وهو قوله‏:‏

لقيته فرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والأرض في دار

قال‏:‏ وكتب إليه افتكين مولى أخيه يستمده بجيش إلى دمشق يقاتل به
الفاطميين، فكتب إليه عضد الدولة‏:‏ غرك عزك فصار قصاراك ذلك،
فاخش فاحش فعلك، فعلّك بهذا تهدأ‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وقد جرى له من التعظيم من
الخليفة ما لم يقع لغيره قبله، وقد اجتهد في عمارة بغداد والطرقات،
وأجرى النفقات على المساكين والمحاويج، وحفر الأنهار وبنى المارستان
العضدي وأدار السور على مدينة الرسول، فعل ذلك مدة ملكه
على العراق، وهي خمسة سنين‏.‏

وقد كان عاقلاً فاضلاً حسن السياسة شديد الهيبة بعيد الهمة، إلا أنه كان يتجاوز
في سياسة الأمور الشرعية، كان يحب جارية فألهته عن تدبير المملكة، فأمر بتغريقها‏.‏

وبلغه أن غلاماً له أخذ لرجل بطيخة فضربه بسيفه فقطعه نصفين،
وهذه مبالغة‏.‏وكان سبب موته الصرع‏.‏

وحين أخذ في علة موته لم يكن له كلام سوى تلاوة قوله تعالى‏:

‏ ‏{ ‏مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ‏}‏
‏[‏الحاقة‏:‏ 28-29‏]‏

فكان هذا هجيراه حتى مات‏.‏

وحكى ابن الجوزي‏:‏ أنه كان يحب العلم والفضيلة، وكان يقرأ عنده كتاب
إقليدس وكتاب النحو لأبي علي الفارسي، وهو ‏(‏الإيضاح والتكملة‏)‏
الذي صنفه له‏.‏

قبحه الله وقبح شعره وقبح أولاده، فإنه قد اجترأ في أبياته هذه فلم يفلح
بعدها، فيقال‏:‏ إنه حين أنشد قوله‏:‏ غلاب القدر، أخذه الله فأهلكه‏.‏

ويقال‏:‏ إن هذه الأبيات إنما أنشدت بين يديه ثم هلك عقيبها‏.‏

مات في شوال من هذه السنة عن سبع أو ثمان وأربعين سنة، وحمل إلى
مشهد علي فدفن فيه، وكان فيه رفض وتشيع، وقد كتب على قبره في
تربته عند مشهد علي‏:‏ هذا قبر عضد الدولة، وتاج المملكة أبي شجاع
بن ركن الدولة، أحب مجاورة هذا الإمام المتقي لطمعه في الخلاص ‏

{‏ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏
‏[‏النحل‏:‏ 111‏]‏

والحمد لله وصلواته على محمد وعترته الطاهرة‏.‏

وأجلس ابنه صمصامة على الأرض وعليه ثياب السواد، وجاءه الخليفة
معزياً وناح النساء عليه في الأسواق حاسرات عن وجوههن أياماً كثيرة،
ولما انقضى العزاء ركب ابنه صمصامة إلى دار الخلافة، فخلع عليه
الخليفة سبع خلع وطوقه وسوره وألبسه التاج ولقبه شمس الدولة، وولاه
ما كان يتولاه أبوه، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

محمد بن جعفر

ابن أحمد بن جعفر بن الحسن بن وهب أبو بكر الجريري المعروف بزوج
الحرة، سمع ابن جرير والبغوي وابن أبي داود وغيرهم، وعنه ابن
رزقويه وابن شاهين والبرقاني، وكان أحد العدول الثقات جليل القدر‏.‏

وذكر ابن الجوزي والخطيب سبب تسميته بزوج الحرة‏:‏ أنه كان يدخل إلى
مطبخ أبيه بدار مولاته التي كانت زوجة المقتدر بالله، فلما توفي المقتدر
وبقيت هذه المرأة سالمة من الكتاب والمصادرات، وكانت كثيرة الأموال‏.‏

وكان هذا غلاماً شاباً حدث السن يحمل شيئاً من حوائج المطبخ على
رأسه، فيدخل به إلى مطبخها مع جملة الخدم، وكان شاباً رشيقاً حركاً،
فنفق على القهرمانة حتى جعلته كاتباً على المطبخ، ثم ترقى إلى أن صار
وكيلاً للست على ضياعها، وينظر فيها وفي أموالها‏.‏

ثم آل به الحال حتى صارت الست تحدثه من وراء الحجاب، ثم علقت به

وأحبته وسألته أن يتزوج بها، فاستصغر نفسه وخاف من غائلة ذلك
فشجعته هي وأعطته أموالاً كثيرة ليظهر عليه الحشمة والسعادة مما
يناسبها ليتأهل لذلك، ثم شرعت تهادي القضاة والأكابر، ثم عزمت على
تزويجه ورضيت به عند حضور القضاة، واعترض أولياؤها عليها
فغلبتهم بالمكارم والهدايا، ودخل عليها فمكثت معه دهراً طويلاً، ثم ماتت
قبله فورث منها نحو ثلاثمائة ألف دينار، وطال عمره بعدها حتى كانت
وفاته في هذه السنة، والله أعلم‏.‏