المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تغامر بثمرة فؤادك 04


vip_vip
03-10-2011, 11:00 AM
لا تغامر بثمرة فؤادك


محمود الزاهد


الجزء الرابع







الزاوية الثانية: ماذا نعلِّم أبناءنا؟!
يتساءل كثيرٌ من أهل الصَّلاح: ولَدِي قد بلغ عمرُه كذا من السنين، ماذا يُمْكن أن أعلِّمه إيَّاه في هذه المرحلة؟
وهذا سؤالٌ يدلُّ على جدِّيَّة صاحبه، وحرصه على أبنائه، وهو خيْرٌ من كثيرٍ من الذين لا يتساءلون ولا يتلَمَّسون السبيل، ولكن يُشِير في نفس الوقت إلى عدم وضوح مَنْهجٍ تطبيقي في التَّربية والتعليم، ومن ثَم يقع الكثيرُ في الحيرة والاضطراب، ويتفلَّت عمر الولد من بين أيديهم دون أن يُحقِّقوا هدفهم، أو يَصِلوا إلى مقصودهم، والمقصود هو أن يتَّضِح لدى الآباء والمربِّين منهجٌ واضح، وبرنامَجٌ عمَليٌّ للتربية بِحَسب مراحل النُّمو الْمُختلفة، مِمَّا يجعل الأمر أكثر وضوحًا، والأهداف أكثر قابليَّةً للتحقيق، ولا يقتصر الأمر على معلومةٍ من هنا أو من هناك.
ولِمَعرفة الفَرْق بَيْن التَّوجيه التربويِّ وفْقَ منهجٍ تطبيقيٍّ واضح، وبين التربية العفَويَّة التي تعتمد على خبرات متناثرة، ومعلومات مكتسَبة من مصادِرَ شتَّى؛ نضرب مثالاً بِمَوضوع التربية بالقِصَّة، فالتربية القَصَصيَّة مِحْور مهم من مَحاور منهج التربية الإسلاميَّة؛ حيث نجد في القرآنِ الكثيرَ من القصص الذي له دورٌ كبير في تَجْلية الحقائق، وتثبيت الإيمان، واستخلاص العِبْرة والموعظة، وعند مُمارسة هذا اللَّون من التوجيه بشكل عمَلي في واقع التربية تَجِد أنَّ الْمُمارسات تختلف بحسب إدراك الْمربِّين أو الآباء لفكرة المنهجيَّة في التربية.
فمثلاً: أحيانًا تجد الأمهات لا يجيدون إلقاء القصص على الأولاد، ولا يُجِيدون هذا اللَّون من التوجيه، بل يكتفون فقط بالتوجيه الْمُباشر: "صواب، أو خطَأ، عيب، لا يجوز"، وأُخْريات يُجِيدون القصص، ولكن بلا توجيه "حكايات مُسلِّية".
وهنا نلْمَس واقِعَنا بعينِه، فإنَّ توظيف القِصَّة، وبلوغَ مغزاها إلى الولَد بالشَّكل الْمُلائم والْمُناسب لواقعه، ولِنُموِّه العقليِّ هو الْمنهجيَّة، وغير ذلك عشوائيَّة، قد تُوصِّل إلى المقصود أوْ لا.
فإلى متى نتعامل بتلك العشوائية ونعتبرها أسلوبًا بنَّاءً، وإلى متَى نَجْعل مصادرنا في التربية هي تلك الاجتِهاداتِ الفرديَّةَ القاصرة في قضايا خطيرةٍ ومصيرية، مثل تربية الأبناء وتنشئتهم، دون أن نلتفت إلى مدى أهْلِيَّتِنا للاجتهاد، والحصيلة التي نبْنِي عليها آراءنا وقراراتنا التربويَّة، مع أنَّه من المعلوم أنَّ الاجتهاد لا يكون إلاَّ مع الأهلية، فلا اجتهاد لِمَن لا أهليَّة له؟!
والْمتأمِّل في الواقع العمَليِّ لكثيرٍ من بيوت أهل الصَّلاح يجد اجتهاداتٍ عجيبةً في مَجال التربية، وأحيانًا تجد تُرَّهاتٍ عقلية واهية، وحساباتٍ ساذجةً، تنعكس على النَّشء، وتُخْرِج جيلاً من أضعف ما يكون، إلاَّ أن يتداركَنا الله برحمته.
ونَخْلص من ذلك إلى أنَّنا يجب ألاَّ نُغامر بأبنائنا، وألاَّ نُجرِّب فيهم؛ فالأَمْر لا يَحْتمل الْمُخاطرة، والتَّهاون في تعليمهم وتوجيههم نفسيًّا وسلوكيًّا، وعِلْميًّا وشرعيًّا لَهُو جريمة في حقِّهم، وترك ذلك كلِّه - لاحتمالاتِ خروجهم صالِحين؛ لأنَّهم من بيوت أهل الصلاح - جريمةٌ أخرى؛ إذْ هي مقامرة غيْر معلومة العواقب، وغير مضمونة النتائج، بل وغير قابلةٍ للاستدراك.
أدرِكْ ولدك قبل فوات الأوان:
الاهتمام بالتنشئة الأولى تَقِي الآباء معاناةَ جُنوح الأبناء في مراحلهم المتأخِّرة؛ حيث إنَّ الفِتَن تزداد مع زيادة العمر، وتكثر النَّوازع والجواذب، ولكنَّ الابن يَحْفظ ما تعلَّمه في الصِّغَر من الأدَب، وما غُرِس في قلبه من خشية الله، ولزوم طاعته.
والرِّعاية والتَّعاهُد الإيمانِيُّ والنَّفسيُّ في المراحل الأولى، وحتَّى ما قبل الْمُراهقة، يَجب أن يصاحِبَهما هدَفٌ منهجي، ألا وهو توجيه مَحابِّ الولد، والتأثير في اهتماماته، ومن ثَمَّ تكوين اتِّجاهات أصيلة في شخصيَّتِه، بحيث إذا ما وصَل إلى مرحلة المراهقة وما قبْلَها بقليل، وأراد أن يستقِلَّ برأيه، وأن ينفرد باتِّخاذ بعض قراراته، فإنَّ استقلاليَّتَه هذه تكون منحصِرة في الاتِّجاه المَحْفور داخِلَه، وسنضرب على ذلك مثالاً:
• أبٌ عوَّد ابنه منذ الصِّغَر على مَحبَّة أهل الدِّين، وتوقير العلم والعُلَماء، فلما شبَّ الولَدُ أراد أن يستقلَّ عن والده في بعض الآراء، فأصبح يُفضِّل التلقِّي عن بعض أهل العلم غيْر الذي اختارَه له أبوه.
ونُلاحظ هنا أنَّ الولد يُمارس اختياراته داخل الاتِّجاه الذي قد تَمَّ تحديده من قبل، وليس مُحتاجًا إلاَّ تعريفه من جديد بِقَدْر العلم، بل هو يعرف ذلك، ويتحرَّك داخل هذا الإطار.
مثالٌ آخَر: نشأَت الأسرة على محبَّة القراءة، واقتناءِ الكتب المفيدة، والشَّغَف بتحصيل المعارف والمعلومات، وكان الوالِدَان يقومان باختيار هذه الكتب بعناية وَفْق معايير مُعْلَنةٍ للأبناء، مثل: "كتب نافعة - منظَّمة - درجة احتياجنا لَها... وهكذا"، وعندما شبَّ أحد أبناء الأُسْرة أصبح يُحقِّق ذاتَه بالانفراد باختيار بعض ما يَحتاجه من كتبٍ وموادَّ معرفيَّة، ولاحَظ الوالدان أنَّه عند اختياره كان يقيِّم ما يقتنيه بطريقةٍ مُشابِهة إلى حدٍّ كبير، بالمعايير التي نشأَتْ عليها الأسرة.