المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمثال في القرآن جزء عاشر


حور العين
04-22-2016, 02:23 PM
من: الأخت / الملكة نــور
الأمثال في القرآن
جزء عاشر

الأمثال في القرآن
للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد

الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ،

اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،

ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

قال تعالى :

{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
[ المدثر : 49 - 51 ]

البشر نوعان ؛ مُقبل ومُعرض :

أيها الأخوة الكرام ، آية المثل هي قوله تعالى :

{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
[ المدثر : 49 - 51 ]

بالمناسبة ، من الصور البلاغية والبيانية التشبيه ، فقد يشبه الله
في قرآنه الكريم شيئاً بشيء بأداةٍ ووجه شبه ، فإذا قلت مثلاً : عليٌ كالأسد
في الشجاعة ، فعليٌّ مشبه ، والأسد مشبه به ، والأداة هي الكاف ،
ووجه الشبه ، هو الأسد ، في أي تشبيهٍ لابدّ من مشبهٍ ومن مشبهٍ به
ومن أداة التشبيه ومن وجه الشبه ، هذه أركان التشبيه ، لذلك قد تكون
الأداةُ مثل ، أو الكاف ، أو ما شاكل ذلك ، وقد تحذف الأداةُ ويحذف
وجه الشبه عندئذٍ يكون التشبه بليغاً ، عليٌ أسدٌ ، فقد حذفنا وجه الشبه
في الشجاعة ، وحذفنا أداة التشبيه الكاف ، وقد يكون التشبيه تاماً ،
فيه وجه الشبه ، وأداة، ومشبه ، ومشبه به .

في هذه الآية الله عز وجل يُشبه الإنسان الذي أعرض عنه بالحمر،
ذكرته فلم يتذكر ، نبهته فلم ينتبه ، وعظته فلم يتعظ ، لفتّ نظره فلم يلتفت ،
بالغت في توضيح الحقائق له فجعل أصابعه في آذانه ،
وقال : إنا عن هذا الكلام معرضون ، هذا الإنسان المعرض ،
فالبشر نوعان : مقبل ومعرض ، مستقيم ومنحرف ، من أهل الدنيا
أو من أهل الآخرة ، محسن أو مسيء.

من أعرض عن ذكر الله عز وجل له حياة شقيّة تعيسة :

في النهاية البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ،
وطوائفهم ، ومذاهبهم ، وتياراتهم ، وتابع هذا التقسيمات إلى ما شاء الله ،
كلها تقسيمات بني البشر ، لكن البشر جميعاً عند خالق البشر صنفان :

{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى }
[ الليل : 5 - 7 ]

عرف الله ، انضبط بمنهجه ، أحسن إلى خلقه ، سلم ،
وسعد في الدنيا والآخرة ، غفل عن الله ، تفلت من منهجه ، أساء إلى خلقه ،
هلك وشقي في الدنيا والآخرة ، هم نموذجان ، فهذا الذي ذكرته
فلم يتذكر ، نبهته فلم ينتبه ، دعوته فلم يستجيب ، أعرض عن ذكر الله .

{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً }
[ طه : 124 ]

له حياة شقية .

ضيق القلب هي المعيشة الضنك التي يعاني منها
القوي والغني الغافل عن الله عز وجل :

لكن هناك أحد المفسرين لفت نظري في هذا التساؤل ،
قال: فما بال الأقوياء والأغنياء ؟
ملك يملك كل البلاد ، كفرعون مثلاً ، ما معيشته الضنك؟
لو طلب الأشياء النادرة المستحيلة كانت أمامه ، هذا شأن الملك دائماً ،
والغني الذي يملك مليارات ممليرة ،
ما معنى المعيشة الضنك عند هؤلاء؟
عند الأقوياء وعند الأغنياء ، المال موجود ، الأطباء كلهم في خدمته ،
القصور ، الطعام ، الشراب ، الأثاث ، الثياب ، المكانة ،
هؤلاء الأقوياء والأغنياء ما هي المعيشة الضنك التي يعيشونها ؟
على الشبكية لا يوجد معيشة ضنك، هناك بيوت ، و قصور ، ومركبات ،
وطعام ، ووجاهة ، وإعلان ، وإعلام ،
ما معنى المعيشة الضنك عندهم ؟
قالها هذا المفسر :
إنها الشدة النفسية ، ضيق القلب ، صدقوا ولا أبالغ ،
بقلب المعرض عن الله من القلق والخوف
ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .

تشبيه الإنسان الغافل عن الله بحمر سمعت صوت الأسد
فولت هاربة لا تلوي على شيء :

قال تعالى :

{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ }

لعلكم تذكرون أن حمر الوحش ، الحمر المخطط طولاً ، بيضاء وسوداء ،
هذه الحمر إن سمعت صوت الأسد ولت مدبرة لا تلوي على شيء.
لذلك قال تعالى :

{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }

قسورة : الأسد ، معنى ذلك أن الله يشبه هذا الإنسان الغافل ،
هذا الإنسان المعرض ، هذا الإنسان الشارد ، هذا الإنسان الذي لم يستجيب ،
لم يرعوِ ، لم يتأثر ، لم يفعل شيئاً في حياته ، هو غارق بملذاته وشهواته ،
هذا شبه بحمر سمعت صوت الأسد فولت هاربة لا تلوي على شيء ،
المستنفرة غير نافرة ، طبعاً نَفَرَ ينفرُ نافر، هنا مستنفرة ، من شدة الخوف ،
أي بعضها ينفر من بعض .

هناك تجربة دقيقة جداً تعني شيئاً كثيراً ، جاؤوا بقرد وضعوه بقفص ،
علقوا في سقف القفص فاكهة الموز ، والقرد يحبها كثيراً ،
فلما تطاول ليأكل من هذه الفاكهة جاء من يضربه وينهاه ،
لما تطاول ثانيةٍ جاء من يضربه وينهاه ، ثالثةً رابعةً فيئس ،
أدخلوا عليه قرداً آخر ، فلما تطاول هذا الآخر ليأكل من هذه الفاكهة ،
القرد الأول هو الذي نهاهُ وعنفه.

أحياناً الناس يخافون، من مظاهر خوفهم أنهم يُخوفون بعضهم بعضاً ،
أي إذا الإنسان تكلم بكلمة حق هناك من يعترض عليه ،
يقول له :
ليس لك من هذا الكلام ، دعك من هذا الكلام ، انجُ بريشك ،
الناس عندئذٍ يسهمون بتخويف بعضهم بعضاً، لذلك :

{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
[ آل عمران : 173 ]

فأنت أحياناً مشكلتك مع الناس ، لو وقفت موقفاً أخلاقياً ،
لو وقفت موقفاً جريئاً ، لو وقفت موقفاً رائعاً ، الذين يخوفونك
هم الذين حولك ،

{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ }

جمع حمار، وهو حمار الوحش ،

{ مُسْتَنْفِرَةٌ }

كل حمار ينفر الآخر ، ليست القضية المجموع خاف من هذا الوحش ،
لا ، الواحد من هؤلاء الحمر يخوف الآخر ،

{ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }

القسورة هي الأسد .

كل إنسان أعرض عن ربه وتوجه إلى شهواته
فهو ممن تنطبق عليه الآية التالية :

لذلك أيها الأخوة ،
من يتمنى أن يشبه في القرآن الكريم بالحمر المستنفرة ؟
هذا كلام الله ، هذا هو الحق المبين ، هذا هو كلام خالق السماوات والأرض ،
فكل إنسان أعرض عن ربه ، وتوجه إلى شهواته ، ولم يستجيب
لنداء الله عز وجل ، فهو ممن ينطبق عليه هذا الكلامُ العظيم ،

{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }

مثلاً : تجد إنساناً غافلاً عن الله ، شارداً ، غارقاً في ملذاته ، في انحطاطه ،
قد يشعر بألمٍ في القسم الأيسر من صدره ، يذهب إلى الطبيب فإذا هي
آفة قلبية ، تقربه من الموت ، الهلع ، والخوف ، والجزع ،
واختلال التوازن ، شيء لا يصدق .

مرة سألت طبيب قلب مقيم في أمريكا عن حال مرضاه الذين أصيبوا
بأمراض القلب ، قال لي : فزعهم عجيب ، الإنسان إذا شرد عن الله ،
ولم يستجب لله ، ليس له عمل يقبله الله عز وجل ، هذا إذا أصابه مرض
عضال انهارت معنوياته .

حدثني أخٌ كريم يعمل مضيفاً في طائرة ، هذه الطائرة دخلت في سحابة
مكهربة وكانت على وشك السقوط ، طبعاً تحطمت مقدمتها ،
تحطم زجاج الطيار، واختل توازنها ، وكانت على وشك السقوط ،
يصف لي ركاب الطائرة وصفاً لا يصدق ، أكثرهم يضربُ وجهه بيديه ،
بعضهم مزق ثيابه ،
بعضهم صاح : يا ويلتاه ، أي وضع الركاب وضع مخيف ،
فاضطراب الركاب سبب ضغطاً على الطيار ، فطلب من بعض
المضيفين أن يهدئهم ،
فقال له : لا أحد يستجيب لي ،
فأجابه : ابحث عن إنسان هادئ ،
فوجد إنساناً هادئاً فقال : هذا أنسب إنسان ،
فقال له : قم وأعن الطيار على تهدئة الركاب ،
وجده مغمىً عليه ، هذا الوحيد .

{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }