المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 24.07.1437


حور العين
05-02-2016, 10:52 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ آثار التبرك الممنوع ]

لاشك أن التبرك الممنوع يفضي إلى شرور كثيرة، اعتقادية وعملية،
وإلى مفاسد عظيمة، دينية ودنيوية، فله آثار سيئة وخطيرة.

وسأتكلم عن أهم هذه الآثار بالتفصيل، مبيناً كيفية حصول
كل أثر منها، مع الاستشهاد بنماذج توضح ذلك.

أولا: الشرك:
من آثار التبرك الممنوع: الشرك، والمقصود به الشرك الأكبر.

وهو أعظم الآثار وأشدها خطراً، كيف لا وهو أكبر الكبائر، يخرج من ملة
الإسلام، ويحبط جميع الأعمال، ويوجب الخلود في النار لمن مات عليه،
وفيه تنقص لله رب العالمين.

ولهذا بعث الله تعالى رسله من أجل إفراده بالعبادة بجميع أنواعها، وترك
عبادة ما سواه، كما قال عز وجل:

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }
[النحل: 36].

أما كيف يوصل التبرك الممنوع إلى الشرك؟
فإن ذلك يحصل من إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون التبرك الممنوع في حد ذاته شركاً.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك: التبرك بالأموات – من الأنبياء والصالحين
وغيرهم – في دعائهم لقضاء الحاجات الدينية أو الدنيوية، وتفريج
الكربات والاستغاثة بهم، والتقرب إليهم بالذبح أو النذر لهم،
والطواف على قبورهم.

فهذا ونحوه من الشرك الأكبر، لأنهم قد اعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يعتقد
إلا في الله، فأنزلوهم منزلة الربوبية، أو صرفوا لهم من العبادات ما لا
يجوز أن يصرف إلا لله تبارك وتعالى، وهذا بسبب المبالغة في تعظيمهم،
والافتتان فيهم، والتعلق بهم.

ووصل الأمر في اعتقاد بعض المشركين بأصحاب القبور إلى أن قالوا:
إن البلاء يندفع عن أهل البلد بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء
والصالحين.

وكل هذه الأمور الشركية تفعل باسم التبرك، وأحياناً باسم
التوسل والتشفع.

الحالة الثانية: أن يؤدي التبرك الممنوع إلى الشرك، فيكون التبرك
الممنوع من وسائله، ويكون الشرك من نتائج التبرك الممنوع ومن آثاره.
ولهذا حصل المنع من بعض أنواع التبرك سداً للذريعة إلى الشرك،
وخوفاً من الوقوع فيه.

ومن الأمثلة على ذلك النهي عن الصلاة عند القبور، أو بناء المساجد
أو القباب عليها، أو الدعاء عندها، ونحو ذلك من المظاهر والمشاهد
مما يراد به تعظيم أصحابها.

ويلحق بذلك: التبرك بأمكنة وآثار الأنبياء والصالحين،
وتعظيمها وتقديسها.

فإن هذه الأمور ونحوها من أعظم الذرائع والأسباب المؤدية إلى وقوع
الشرك بأصحاب القبور والآثار في وقت من الأوقات مع تطاول الأيام.
وقد كان أصل حصول الشرك وعبادة الأصنام في الأرض بسبب تعظيم
الموتى الصالحين.

روى ابن جرير الطبري رحمه الله عن بعض السلف في تفسيره
لقوله تعالى:

{ وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا
وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا }
[نوح: 23-24]

أن هذه أسماء رجال صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم،
فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق
لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا جاء آخرون دب إليهم
إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر, فعبدوهم. وروى
ابن جرير أن هذه الأصنام كانت تعبد في زمان نوح عليه السلام،
ثم اتخذها العرب بعد ذلك .

وأيضا فإن (اللات) التي هي من أكبر أوثان العرب في الجاهلية، كان سبب
عبادتهم تعظيم قبر رجل صالح والعكوف عليه.

وبهذا تبين أن سبب عبادة الأصنام هو المبالغة في تعظيم الصالحين.
ولهذا نهى الشارع الحكيم عن كل ما يؤدي إلى اتخاذ الأوثان، مثل تعظيم
قبور الأنبياء والصالحين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي
التي أوقعت كثيراً من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من
الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين... ونحو ذلك،
فلأن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه، أعظم من أن يشرك
بخشبة أو حجر على تمثاله، وبهذا نجد أقواماً كثيرين يتضرعون عندها
ويخشعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في المسجد، بل ولا في
السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها
والدعاء بها ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال).

ثم قال رحمه الله: (فهذه المفسدة، التي هي مفسدة الشرك – كبيره
وصغيره – هي التي حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها، حتى نهى
عن الصلاة في المقبرة مطلقاً، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته،
كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة، ونحو ذلك، كما نهى عن الصلاة
وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها، لأنها الأوقات التي يقصد
المشركون بركة الصلاة للشمس فيها، فنهى المسلم عن الصلاة حينئذ –
وإن لم يقصد ذلك – سدًّا للذريعة) اهـ.

ومن الأمثلة أيضاً على النهي عن بعض أنواع التبرك سدًّا لذريعة الوقوع
في الشرك: التبرك الممنوع بالأشجار والأحجار وبعض البقع، وتعظيمها،
فإن هذا التبرك قد يؤدي إلى الشرك مع مرور الزمان.

ولقد كان من أسباب عبادة الأوثان والأحجار عند العرب أن الواحد منهم
كان إذا أراد سفراً حمل معه حجراً من حجارة البيت تبركاً به وتعظيماً،
حتى صاروا إلى عبادة الأحجار والجمادات.

جاء في كتاب (الأصنام) لابن الكلبي (أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما
السلام لما سكن مكة، وولد بها أولاد كثير حتى ملأوا مكة... ضاقت عليهم
مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضاً، فتفسحوا
في البلاد... وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان
لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم، تعظيماً
للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة،
تيمناً منهم بها، وصبابة بالحرم وحباً له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة،
ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه،
واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا
إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم...).

ثانياً: الابتداع:
التبرك الممنوع ابتداع في الدين، ليس عليه دليل من كتاب الله تعالى
ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله السلف الصالح رحمهم
الله تعالى، وهو مخالف للتبرك المشروع الذي دلت عليه الأدلة الشرعية.
فالتبرك الممنوع كله إذاً من أصنام البدع المحدثة المذمومة، إلا أن بدعيته
تتفاوت وتختلف باختلاف صوره وكيفيته، فإن منه ما يصل إلى حد الشرك
... ومنه ما يكون أدنى من ذلك.

والأمثلة على صور التبرك الممنوع المبتدعة كثيرة جداً،. ....
ومن نماذج ذلك على سبيل الإجمال ما يأتي:-

- شد الرحال إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
وغيره من الأنبياء والصالحين.

- التبرك بقبور الأنبياء والصالحين، كأداء العبادات عندهم، مثل الصلاة
والدعاء والطواف، وكتقبيل القبور والتمسح بها، وحمل شيء
من ترابها والعكوف عندها.

- قصد مواضع صلاة أو جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة
أو الدعاء، مما لم يفعله صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد.

- التبرك بمكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بليلة مولده
أو بليلة الإسراء والمعراج، أو ذكرى الهجرة، ونحو ذلك.

- وكذا التبرك بموالد الصالحين، أو من يسمون بالأولياء.

- التبرك المبتدع ببعض الجبال والمواضع.

وكما أن التبرك الممنوع بدعة في حد ذاته فهو أيضاً يجر إلى بدع أخرى.
وأكتفي هنا من الشواهد على ذلك بمثالين فقط.

أحدهما: أن من النتائج السيئة للتبرك الممنوع بقبور الأنبياء والصالحين
بناء المساجد عليها، وبناء القباب فوقها، وزخرفة القبور وتشييدها،
وكذا بناء المساجد على آثار الأنبياء والصالحين، ونحو ذلك
من الأعمال المحدثة في الإسلام.

الثاني: أن التبرك الممنوع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته قد أدى
إلى إحداث عيد المولد النبوي والاحتفال به، ثم تدرج الأمر، فأقيمت
الاحتفالات لأعياد أخرى كثيرة مبتدعة، في مواسم متفرقة، كليلة الإسراء
والمعراج, وذكرى الهجرة، وغير ذلك من الأعياد المبتدعة التي تفعل
باسم الدين، وكأنها من شعائر الإسلام، والتي يزداد عددها
مع مرور الأيام.

وهذا هو شأن البدعة، فإن فعل القليل منها يؤدي إلى فعل الكثير
من البدع الأخرى.

فلا يجوز التهاون في شأن البدعة مهما صغرت، فإنها تتدرج
حتى تكبر وتعظم، ويشتد خطرها وأثرها.

قال الإمام أبو محمد البربهاري رحمه الله محذراً عن ذلك: (واحذر صغار
المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، وكذلك كل
بدعة أحدثت من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، وكذلك
كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيراً يشبه الحق، فاغتر بذلك
من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت، وصارت ديناً
يدان بها) .

وحسبنا في ذم البدع والابتداع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:

( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )

وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر:

( وشر الأمور محدثاتها ) .

ثالثا: اقتراف المعاصي:
إن من آثار التبرك الممنوع انتهاك الحرمات، ووقوع كثير من المفاسد
والمنكرات، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:

1- ما تتضمنه غالباً أعياد المولد النبوي، وأعياد موالد الأولياء، وكذا
الأعياد المبتدعة الأخرى من أنواع المعاصي والمنكرات الظاهرة.
ومنها استعمال الأغاني وآلات اللهو والطرب، وما يتبع ذلك من الرقص.
وإقامة حلقات الذكر على الوجه المحرم شرعاً، مع قلة احترام
كتاب الله تعالى.

ومنها اختلاط الرجال بالنساء، وما ينتج عن ذلك من الفتنة.

ومنها إضاعة الأموال وتبذيرها لإقامة الحفلات، والإسراف في إيقاد
الشموع في المساجد والطرقات, ونفقات الزينة.

إلى غير ذلك من الأمور المخالفة للشرع، التي تفعل باسم التبرك
والاحتفال بليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها من المناسبات.

2- ما يترتب من المفاسد والأضرار على التبرك الممنوع بالقبور
واتخاذها مزارات ومشاهد وأعياد متكررة.