المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة خمس وثمانين وثلاثمائة


حور العين
05-03-2016, 02:07 AM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏
استوزر ابن ركن الدولة بن بويه أبا العباس أحمد بن إبراهيم الضبي،
الملقب بالكافي، وذلك بعد وفاة الصاحب إسماعيل بن عباد، وكان
من مشاهير الوزراء‏.‏

وفيها‏:‏
قبض بهاء الدولة على القاضي عبد الجبار وصادره بأموال جزيلة، فكان
من جملة ما بيع له في المصادرة ألف طيلسان وألف ثوب معدني، ولم
يحج في هذه السنة وما قبلها وما بعدها، ركب العراق والخطبة في
الحرمين للفاطميين‏.‏

وممن توفي من الأعيان‏:‏
الصاحب بن عباد
وهو إسماعيل بن عباد بن عباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني
أبو القاسم الوزير المشهور بكافي الكفاة، وزر لمؤيد الدولة بن ركن
الدولة بن بويه، وقد كان من العلم والفضيلة والبراعة والكرم والإحسان
إلى العلماء والفقراء على جانب عظيم‏.‏ ‏

كان يبعث في كل سنة إلى بغداد بخمسة آلاف دينار لتصرف على أهل
العلم، وله اليد الطولى في الأدب، وله مصنفات في فنون العلم، واقتنى
كتباً كثيرة، وكانت تحمل على أربعمائة بعير، ولم يكن في وزراء بني بويه
مثله ولا قريب منه في مجموع فضائله، وقد كانت دولة بني بويه مائة
وعشرين سنة وأشهراً، وفتح خمسين قلعة لمخدوميه مؤيد الدولة، وابنه
فخر الدولة، بصرامته وحسن تدبيره وجودة رأيه، وكان يحب العلوم
الشرعية، ويبغض الفلسفة وما شابهها من علم الكلام والآراء البدعية،
وقد مرض مرة بالإسهال فكان كلما قام عن المطهرة وضع عندها عشرة
دنانير لئلا يتبرم به الفراشون، فكانوا يتمنون لو طالت علته، ولما عوفي
أباح للفقراء نهب داره، وكان فيها ما يساوي نحواً من خمسين ألف
دينار من الذهب‏.‏

وقد سمع الحديث من المشايخ الجياد العوالي الإسناد، وعقد له في وقت
مجلس للإملاء فاحتفل الناس لحضوره، وحضره وجوه الأمراء، فلما
خرج إليه لبس زي الفقهاء وأشهد على نفسه بالتوبة والإنابة مما يعانيه
من أمور السلطان، وذكر للناس أنه كان يأكل من حين نشأ إلى يومه هذا
من أموال أبيه وجده مما ورثه منهم، ولكن كان يخالط السلطان وهو تائب
مما يمارسونه، واتخذ بناء في داره سماه بيت التوبة، ووضع العلماء
خطوطهم بصحة توبته، وحين حدث استملى عليه جماعة لكثرة مجلسه،
فكان في جملة من يكتب عنه ذلك اليوم القاضي عبد الجبار الهمداني
وأضرابه من رؤوس الفضلاء وسادات الفقهاء والمحدثين‏.‏

وقد بعث إليه قاضي قزوين بهدية كتب سنية، وكتب معها‏:‏

العميدي عبد كافي الكفاة وأنه * أعقل في وجوه القضاة

خدم المجلس الرفيع، بكتب * منعمات، من حسنها مترعات

فلما وصلت إليه أخذ منها كتاباً واحداً، ورد باقيها وكتب تحت البيتين‏:‏

قد قبلنا من الجميع كتاباً * ورددنا لوقتها الباقيات

لست أستغنم الكثير وطبعي * قول‏:‏ خذ ليس مذهبي قول هات

وجلس مرة في مجلس شراب فناوله الساقي كأساً، فلما أراد شربها قال له
بعض خدمه‏:‏ إن هذا الذي في يدك مسموم‏.‏

قال‏:‏ وما الشاهد على صحة قولك‏؟‏

قال‏:‏ تجربه‏.‏

قال‏:‏ فيمن‏؟‏

قال‏:‏ في الساقي‏.‏

قال‏:‏ ويحك لا أستحل ذلك‏.‏

قال‏:‏ ففي دجاجة‏.‏

قال‏:‏ إن التمثيل بالحيوان لا يجوز، ثم أمر بصب ما في ذلك القدح وقال
للساقي‏:‏ لا تدخل بعد اليوم داري، ولم يقطع عنه معلومه‏.‏

وقد عمل عليه الوزير أبو الفتح ابن ذي الكفايتين حتى عزله عن وزارة
مؤيد الدولة في وقت وباشرها عوضه، واستمر فيها مدة‏.‏

فبينما هو ذات ليلة قد اجتمع عنده أصحابه وهو في أتم السرور، قد هيئ
له في مجلس حافل بأنواع اللذات، وقد نظم أبياتاً والمغنون يغنونه بها
وهو في غاية الطرب والسرور والفرح، وهي هذه الأبيات‏:‏

دعوت الهنا ودعوت العلا * فلما أجابا دعوت القدح

وقلت لأيام شرخ الشبا * ب إليّ‏.‏ فهذا أوان الفرح

إذا بلغ المرء آماله * فليس له بعدها منتزح

ثم قال لأصحابه‏:‏ باكروني غداً إلى الصبوح، ونهض إلى بيت منامه فما
أصبح حتى قبض عليه مؤيد الدولة وأخذ جميع ما في داره من الحواصل
والأموال، وجعله مثلة في العباد، وأعاد إلى وزارته ابن عباد‏.‏

وقد ذكر ابن الجوزي‏:‏ أن ابن عباد هذا حين حضرته الوفاة جاءه الملك
فخر الدولة بن مؤيد الدولة يعوده ليوصيه في أموره فقال له‏:‏ إني
موصيك أن تستمر في الأمور على ما تركتها عليه، ولا تغيرها، فإنك إن
استمريت بها نسبت إليك من أول الأمر إلى آخره، وإن غيرتها وسلكت
غيرها نسب الخير المتقدم إليَّ لا إليك، وأنا أحب أن تكون نسبة الخير
إليك وإن كنت أنا المشير بها عليك‏.‏

فأعجبه ذلك منه واستمر بما أوصاه به من الخير، وكانت وفاته في عشية
يوم الجمعة لست بقين من صفر منها‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وهو أول من تسمى من الوزراء بالصاحب، ثم استعمل
بعده منهم، وإنما سمي بذلك لكثرة صحبته الوزير أبا الفضل بن العميد،
ثم أطلق عليه أيام وزارته‏.‏

وقال الصابئ في كتابه ‏(‏الناجي‏)‏‏:‏ إنما سماه الصاحب مؤيد الدولة لأنه كان
صاحبه من الصغر، وكان إذ ذاك يسميه الصاحب، فلما ملك واستوزره
سماه به واستمر فاشتهر به، وسمي به الوزراء بعده، ثم ذكر ابن خلكان
قطعة صالحة من مكارمه وفضائله وثناء الناس عليه، وعدد له مصنفات
كثيرة، منها كتابه ‏(‏المحيط في اللغة‏)‏ في سبع مجلدات، يحتوي على أكثر
اللغة وأورد من شعره أشياء منها في الخمر‏:‏

رق الزجاج وراقت الخمر * وتشابها فتشاكل الأمر

فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر

قال ابن خلكان‏:‏ توفي بالري في هذه السنة وله نحو ستين سنة، ونقل إلى
أصبهان، رحمه الله‏.‏

الحسن بن حامد
أبو محمد الأديب، كان شاعراً متجولاً كثير المكارم، روى عن علي
بن محمد بن سعيد الموصلي، وعنه الصوري، وكان صدوقاً‏.‏

وهو الذي أنزل المتنبي داره حين قدم بغداد وأحسن إليه حتى قال له
المتنبي‏:‏ لو كنت مادحاً تاجراً لمدحتك‏.‏

وقد كان أبو محمد هذا شاعراً ماهراً، فمن شعره الجيد قوله‏:‏

شربت المعالي غير منتظر بها * كساداً ولا سوقاً يقام لها أحرى

وما أنا من أهل المكاسب كلما * توفرت الأثمان كنت لها أشرى

ابن شاهين الواعظ
عمر بن أحمد بن عثمان بن محمد بن أيوب بن زذان، أبو حفص
المشهور، سمع الكثير وحدث عن الباغندي وأبي بكر بن أبي داود
والبغوي، وابن صاعد، وخلق‏.‏

وكان ثقة أميناً، يسكن الجانب الشرقي من بغداد، وكانت له
المصنفات العديدة‏.‏

ذكر عنه أنه صنف ثلاثمائة وثلاثين مصنفاً منها ‏(‏التفسير‏)‏ في ألف جزء،
و‏(‏المسند‏)‏ في ألف وخمسمائة جزء، و‏(‏التاريخ‏)‏ في مائة وخمسين جزءاً،
و‏(‏الزهد‏)‏ في مائة جزء‏.‏
توفي في ذي الحجة منها وقد قارب التسعين رحمه الله‏.‏

الحافظ الدارقطني
علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن دينار بن عبد الله الحافظ
الكبير، أستاذ هذه الصناعة، وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع
الكثير، وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد
والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء
الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحسن التصنيف والتأليف،
واتساع الرواية، والاطلاع التام في الدراية، له كتابه المشهور من أحسن
المصنفات في بابه، لم يسبق إلى مثله و لا يلحق في شكله إلا من استمد
من بحره وعمل كعمله، وله كتاب ‏(‏العلل‏)‏ بيّن فيه الصواب من الدخل
والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل، وكتاب ‏(‏الأفراد‏)‏ الذي
لا يفهمه، فضلاً عن أن ينظمه، إلا من هو من الحفاظ الأفراد، والأئمة
النقاد، والجهابذة الجياد، وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود
في الأجياد‏.‏

وكان من صغره موصوفاً بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر،
جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث،
والدارقطني ينسخ في جزء حديث‏.‏

فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس‏:‏ إن سماعك لا يصح
وأنت تنسخ‏.‏

فقال الدارقطني‏:‏ فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر، ثم قال له ذلك
الرجل‏:‏ أتحفظ كم أملى حديثاً‏؟‏

فقال‏:‏ إنه أملى ثمانية عشر حديثاً إلى الآن، والحديث الأول منها عن فلان
عن فلان، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئاً،
فتعجب الناس منه‏.‏

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري‏:‏ لم ير الدارقطني مثل نفسه‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ وقد اجتمع له مع معرفة الحديث والعلم بالقراءات
والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة، وصحة العقيدة‏.‏

وقد كانت وفاته في يوم الثلاثاء السابع من ذي القعدة منها، وله من العمر
سبع وسبعون سنة ويومان، ودفن من الغد بمقبرة معروف الكرخي
رحمه الله‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وقد رحل إلى الديار المصرية فأكرمه الوزير أبو الفضل
جعفر بن خُنزابة وزير كافور الأخشيدي، وساعده هو والحافظ عبد الغني
على إكمال مسنده، وحصل للدارقطني منه مال جزيل‏.‏

قال‏:‏ والدارقطني نسبة إلى دار القطن وهي محلة كبيرة ببغداد‏.‏

وقال عبد الغني بن سعيد الضرير‏:‏ لم يتكلم على الأحاديث مثل علي بن
المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، والدارقطني في زمانه‏.‏

وسئل الدارقطني‏:‏ هل رأى مثل نفسه‏؟‏

قال‏:‏ أما في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني، وأما فيما اجتمع
لي من الفنون فلا‏.‏

وقد روى الخطيب البغدادي عن الأمير أبي نصر هبة الله بن ماكولا قال‏:‏
رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني وما آل أمره
إليه في الآخرة، فقيل لي‏:‏ ذاك يدعى في الجنة الإمام‏.‏

عباد بن عباس بن عباد
أبو الحسن الطالقاني، والد الوزير إسماعيل بن عباد المتقدم ذكره، سمع
أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره من البغداديين والأصفهانيين