المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 25.09.1437


حور العين
06-30-2016, 06:15 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ سلامة القرآن من التحريف ]

إن القرآن الكريم، وهو ما بين الدفتين، مما في أيدي الناس اليوم، هو
الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو على ما كان
عليه؛ لا زيادة فيه ولا نقصاً، وقد ورد إلينا متواتراً، بنقل الكافة – التي
لا تقع تحت حصر ولا عد – عن مثلها حفظاً وكتابة، ولم يختلف في عصر
من العصور عما في غيره، بل هو كتاب واحد، بلفظ واحد، يجتمع أهل
الأرض جميعاً على قراءته دون اختلاف بينهم: لا في سورة، أو آية،
أو كلمة، أو حركة.

وقد ضمن الله تعالى لكتابه السلامة من التحريف، كما في قوله تعالى:

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
[الحجر: 9]

وهذا يقتضي حفظ عينه وهيئته التي نزل عليها، وقال تعالى:

{ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ
وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ }
[الأنعام: 115]
قال البيضاوي رحمه الله في تفسيرها: (لا أحد يبدل شيئاً منها بما هو
أصدق وأعدل، أولا أحد يقدر أن يحرفها شائعاً ذائعاً كما فعل بالتوراة...
فيكون ضماناً لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ) .

ومن وسائل هذا الحفظ: النقل المتواتر، نقل الكافة المتكاثرة عن مثلها
إلى غيرها، حفظاً وكتابة، جيلاً بعد جيل. قال الباقلاني رحمه الله:
(... ثم تناقله خلف عن سلف، هم مثلهم في كثرتهم، وتوافر دواعيهم
على نقله، حتى انتهى إلينا على ما وصفنا من حاله).

لكن الرافضة الشيعة، أثاروا بعض الشبهات حول تواتر القرآن وسلامته
من التحريف، أذكر أشدها، مع الجواب على كل شبهة:
الشبهة الأولى: زعموا أن التواتر لم يتوفر للقرآن في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم بدليل حديث قتادة عند البخاري، قال (سألت أنس
بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن
ثابت، وأبو زيد) . وفي رواية عن أنس قال: (مات النبي
صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة) وذكر ثلاثة من
المتقدمين، وأبدل أبي بن كعب بأبي الدرداء.

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
الأول: أن هذه الأحاديث ليس فيها ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم
وقد وقع في تعيين الصحابة، وتعدادهم اضطراب، حتى أن بعضهم
أوصلهم إلى ستة ، فيصير العدد لا مفهوم له .

الثاني: أن يكون المراد بالأحاديث أنه لم يجمع القرآن من فيِّ رسول الله
إلا هؤلاء الأربعة، أو أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف التي نزل
بها إلا أولئك، أو أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما
ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة .

الثالث: الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانوا أكثر من ذلك بكثير، ويدل عليه حديث بئر معونة، حيث قتل سبعون
من القراء، (8) وقتل مثلهم في صدر خلافة أبي بكر الصديق
رضي الله عنه، وذلك في موقعة اليمامة .

الرابع: دواعي الحفظ لدى الصحابة، وتمام الاستعداد عندهم يحيل
القول بقلة الحفظة منهم.

الشبهة الثانية: زعم الرافضة أن بعض القرآن لم يتفق له التواتر، ومثلوا
لذلك بقول زيد بن ثابت: (حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة
الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره:

{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ }
[التوبة: 128-129]

. وبقوله – أيضا -: (فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد
كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فالتمسناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري:

{ مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ }
[الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها في المصحف) .

والجواب عن هذه الشبهة يكون في مقامين:
المقام الأول: الجواب على ما ادعوه في آية براءة: وهو من وجوه:
الأول: أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يعرف هذه الآية قبل هذه
الحادثة، بدليل رواية أخرى يقول فيها: (فقدت آية كنت أسمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرؤها:

{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ }
... الآية

فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت ؛ فأثبتناها في سورتها) .

الثاني: قد شهد كل من عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب
أنهم سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخطابي:
(فقد اجتمع في هذه الآية: زيد، وأبو خزيمة، وعمر)

الثالث: أما قول زيد في رواية البخاري: (لم أجدها مع أحد غيره) فقد قال
الحافظ ابن حجر: (أي مكتوبة، كما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون
الكتابة، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ، أن لا تكون تواترت عند من
لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان زيد يطلب التثبت
عمن تلقاها بغير واسطة...) .

المقام الثاني: الجواب على ما ادعوه في آية الأحزاب: وهو من وجوه:
الأول: هذه الآية شهد بسماعها من الرسول صلى الله عليه وسلم خزيمة
الأنصاري، وشهادته تعدل شهادة رجلين بنص حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم .

الثاني: قول زيد: (فقدت آية، كنت أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يدل على معرفته إياها، وأنه سمعها وإنما كان يطلب التثبت).

الثالث: هذه الحادثة وقعت في عهد عثمان أثناء نسخ المصحف
ولا يتصور أن تكون هذه الآية مفقودة من عهد نزول القرآن، مروراً
بالجمع الأول في عهد أبي بكر، ولا تعرف إلا في عهد عثمان
رضي الله عنه، مع حفظ الله تعالى لكتابه ودينه.

الشبهة الثالثة: زعم الرافضة أن القرآن تعرض لتحريف شديد من قبل
الصحابة أثناء عملية الجمع، وأن عثمان رضي الله عنه قد أسقط منه
خمسمائة حرف حتى قام أحد مشاهير الشيعة، وهو الحاج ميرزا حسين
بن محمد تقي النوري الطبرسي بتأليف كتاب في ذلك، سماه: (فصل
الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)، جمع فيه مئات النصوص
عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور، بأن القرآن الكريم
قد زيد فيه ونقص منه وذكر هاشم البحراني – وهو أحد علماء
الشيعة – في كتابه: (البرهان). نصوصاً كثيرة يستدل بها على أن القرآن
لم يجمعه إلا الأئمة، أي أئمة الشيعة الاثنا عشر ، وقد روى أحاديث في
تحريف القرآن، منها: (لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين)
ومنها: (لولا أن زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا
على ذي الحجى) .

والجواب على هذه الشبهة، من وجوه:
الأول: أن هذا الزعم مخالف لإجماع الصحابة والمسلمين في كل عصر،
والعادة تمنع تواطؤ هذه الجموع المتكاثرة، على الكذب والافتراء.

الثاني: أن علي بن أبي طالب داخل في هذا الإجماع، ولو قدر أنه سكت
عن إظهار الحق تقية، فلا يجوز له ذلك بعد أن أفضت إليه الخلافة،
وصار الأمر بيده .

الثالث: هذا الزعم مخالف لحفظ الله تعالى للقرآن: نصاً وعقلاً وحساً،
أما النص فقوله تعالى:

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
[الحجر: 9].

وأما العقل: فإن الله تعالى قدر أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
هي الخاتمة، فمحال أن تتعرض للتحريف والتبديل؛ لأنه خلاف الحكمة
والتقدير.

أما الحس: فهو يشهد بأن الذي في أيدي عامة المسلمين اليوم، هو
القرآن الكريم، فكيف يكون القرآن الحق عند قلة من الناس، والمحرف
عند الأكثرية منهم! وهو مع ذلك الكتاب المهيمن، والناسخ لجميع
الشرائع المتقدمة

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين