المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 27.09.1437


حور العين
07-02-2016, 03:26 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ خصائص القرآن الكريم
المبحث الأول: الأخبار الغيبية ]

حوى القرآن الكريم جملة من أخبار الغيب, تجعل الإعجاز في القرآن
إعجازاً مركباً, إن كان خصومه عجزوا عن الإتيان بمثله مفرداً, فهم عن
الإتيان بمثله مركباً أعجز, فلا يفكر أحدهم أو يخطر بباله محاولة الإتيان
بمثله, وإن حاول منهم سفيه ذلك زاد سفاهته سفاهة، وحمقه حمقاً.
وعلم الغيب ليس لأحد من البشر, ولا يدركون منه شيئاً إلا على سبيل
التخمين لا على سبيل القطع والجزم.

أما أن يأتي كتاب يحمل أخباراً غيبية، ويقطع بوقوعها ثم تقع
كما أخبر فهذا من خصائص القرآن الكريم.

والغيب إما أن يتعلق بماض, أو بحاضر, أو بمستقبل, وهي أخبار كثيرة
جداً نذكر أمثلة لكل نوع للإثبات لا للاستقصاء.

فمن الأخبار الغيبية الماضية:
الإخبار عن خلق السماوات والأرض، وآدم وقصة إبليس لعنه الله.. ثم بعد
ذلك قصص الأنبياء السابقين، والأمم الماضية ووجه الغيب فيها أن
الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف القراءة, فلم يعهد عنه
أنه قرأ في كتب أهل الكتاب, أو تلقى الدرس عن أحد منهم, أو خالطهم,
أو مازجهم, ولم يكن أحد من قومه يعلم شيئاً منها.

ونصوص القرآن تشهد على ذلك، فقد خاطب الله نبيه محمداً
صلى الله عليه وسلم في سياق قصة نوح عليه السلام، فقال سبحانه:

{ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ
وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا }
[هود: 49]،

وفي قصة موسى عليه السلام:

{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ
وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ.}

{.. وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ }
[هود: 44-46].

وفي قصة مريم عليها السلام:

{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
[آل عمران: 44].

أخبار غيب الحاضر:
آيات كثيرة كشفت أحداثاً وقضايا في حينها لم يحضرها الرسول
صلى الله عليه وسلم, ولم يخبره بها أحد من أصحابه.

وفي سورة التوبة من هذا النوع كثير، فقد وردت آيات تكشف حال
المنافقين وما يخفونه بينهم أو في صدورهم:

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ }
[البقرة: 204]،

{ يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ
وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا }
[التوبة: 74].

ولاشتهار هذا بين المنافقين والكفار فإنهم يتنادون فيما بينهم أن اخفضوا
أصواتكم حتى لا يسمعكم إله محمد، ووصف الله المنافقين بقوله:

{ يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ }
[التوبة: 64].

يقولون ذلك لما شاهدوا من أخبار الغيب التي يجيء بها القرآن الكريم.

أخبار الغيب في المستقبل:
وهذا النوع آياته كثيرة منها ما تحقق وانقطع، ومنها ما تحقق أيضاً وما
زال في كل يوم يتحقق.

فمن النوع الأول قوله تعالى:

{ الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ }
[الروم: 1-4]،

الآية والقصة في ذلك مشهورة وتفصيلها في كتب التفسير.

ومنه أيضاً وعد الله سبحانه للرسول وأصحابه بدخول مكة:

{ لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ
إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ }
[الفتح: 27]،

ثم وقع هذا الحادث كما أخبر الله تعالى.

ومن ذلك قوله تعالى مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:

{ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
[المائدة: 67]

فلم يستطع أحد أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل مع كثرة
المتربصين له, بل وكثرة المحاولات لذلك، فتبوء كلها بالفشل أمام:

{ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }

والشواهد على ذلك كثيرة أوردها المؤرخون والرواة، وسردوا منها ما
يثبت أن هذا التحدي لم يكن في مجتمع يخلص الود والحب، بل كان يكمن
فيه أعداء متربصون, ماكرون, يكيدون من اليهود والمشركين.

ومن النوع الثاني الذي تحقق ومازال يتحقق الإخبار بعد أن وقع التحدي
بالقرآن أنهم لن يأتوا بمثل هذا القرآن وأنهم لن يفعلوا فقال سبحانه:

{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآَنِ
لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }
[الإسراء: 88].

وقال سبحانه:

{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ
وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ
وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }
[البقرة: 23-24]،

إنه ليس تحدياً فحسب، بل تحد مع إخبار مسبق بأنهم لن يفعلوا!! ومازال
التحدي جارياً وما زال الخبر الغيبي متحققاً.

ومنه ما جاء في بيان أن الله قد كتب للإسلام البقاء والخلود وحفظ
القرآن:

{ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً
وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ }
[الرعد: 17]،

وقوله سبحانه:

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا }

وقوله سبحانه:

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
[الحجر: 9].
ويظهر ذلك ويستبين إذا علمت أن هذه الآيات نزلت في مكة في وقت كان
المشركون متكالبين على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وكان
المسلمون في اضطهاد وتعذيب, ومع هذا جاءت هذه البشرى ترسل
أشعتها, ولو كانت تحمل خبراً بظهورهم على قومهم فحسب لكان فيها
إعجاز وأي إعجاز، فكيف وهي تحمل خبر (مكث الإسلام في الأرض),
و(إيتاء أكله في كل حين), و(حفظ الله له)، والله ما هذا بقول بشر, ولا
يقوله بشر لا يعلم مصيره، ولا يضمن لنفسه حياته، فكيف يضمن بقاء
هذا الدين في حياته وبعد وفاته أبد الآبدين وما بقيت على الأرض حياة.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين