المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درر النابلسي مع سورة يس


حور العين
07-28-2016, 02:19 PM
من: الأخت الزميلة / جِنان الورد
درر النابلسي مع سورة يس

درر النابلسي مع سورة يس

توقفت كثيرًا في سورة يس ،
فوجدت فيها أمرًا ربما لا نلتفت إليه كثيرًا

ترتبط سورة يس بالموت
غالبًا ما تجد أهل المتوفي يعكفون على قراءة سورة يس
يوم الوفاة لعل الله ينفع بها الميت ،
و الأوفياء منهم يواظبون عليها عدة أيام بعد وفاة عزيز عليهم

لكني ألتفت إلى أمر مهم في سورة يس

قال الله عن القرآن الكريم فيها :

{ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا }
[ يس : 70 ]

و لم يقل لينفع من كان ميتًا ،
لست أناقش هاهنا موضوع انتفاع الميت بقراءة الحي للقرآن ،
و لكني ألتفت إلى أننا أغفلنا الحكمة الأعظم من القرآن

{ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا }

ثم جعلت أتسائل

كم من الأحياء الذين قرأوا سورة يس انتفع بها ؟

كم منهم تعلم منها و لو معنى واحد ؟

كم منهم أثرت في حياته و غيرت منها شيئًا ؟

هؤلاء الألوف الذين يقرأوها كل يوم , ما صنعوا بها ؟

ثم سألتني .. ماذا صنعت أنت بها ؟

و وقفت قليلاً أتدبر السورة، حقيقة لفت انتباهي فيها آيات كثيرة،
لكنّ أبرز ما لفت انتباهي هي قصة القرية جاءها المرسلون
لعل أكثرنا يعرفها، لكن الذي استوقفني فيها شئ أدهشني
في القصة أن رجلاً من القرية اقتنع بما يدعوا إليه المرسلون ،
و قام ملهوفًا على قومه :

من أقصا المدينة، جاء يحاور قومه
و يدعوهم إلي ما اعتقد أنه سبيل الفوز و السعادة

جاء يحمل الخير لهم ، جاء فزعًا إلى نضج أفكارهم،
جاء بخطاب يمس العاطفة فيستميلها ،
و يخاطب العقل فيقنعه

و كانت مكافئته من قومه أن قتلوه ، ليست قتلة عادية،
بل بطريقة حقيرة رديئة لا يزاولها إلا حيوان بريٌ
لم يعرف شكلاً إلى التهذيب و التربية

تروي التفاسير أن قومه قاموا إليه فركلوه و رفسوه
حتى خرج قَصُّهُ عظمة القص تصل ما بين الأضلاع
من ظهره ثم يدهشك ما سيحدث بعد ذلك

يخبرنا القرآن أن هذا الرجل :

{ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ }
[ يس : 26 ]

لو كنت مكانه لفكرت على الفور
يا ربي و القتلة ألن تنتقم لي منهم ؟
ألن تعذبهم ؟
يا رب سلط عليهم حميرًا ترفسهم حتى يموتوا

لكن الذي أدهشني هو أمنية الرجل

{ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ *
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }
[ يس : 26 , 27 ]

حقيقة توقفت كثيرًا أمام هذه النفسية العظيمة،
نفس رحبة واسعة جدًا ،حتى أنها لم تحمل ضغينة على القتلة،
بل على العكس كانت أول أمنية له فور أن بشر بالجنة
لو أن هذا المجتمع القاسي الذي قابل الجميل بالقتل،
لو أنهم يعلمون المنقلب، لو أنهم يطلعون على الخير
الذي أعده الله للصالحين

{ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ }
[ يس : 26 ]

أدهشني
حرصه على الخير لقومه مع ما واجه منهم

أدهشني
تمسكه بالرغبة في إصلاحهم مع ما تبين من عنادهم

أدهشني
همته في دعوتهم للخير مع توقف مطالبته بالعمل

أدهشني
حبه الخير للآخرين ، حتى لمن آذوه

أدهشني
ان تكون أول أمنية له لو أنهم يعلمون

و بعد أيامٍ ، وقفت من سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم
على موقف مشابة، رحلة الطائف،

( و يأتيه ملك الجبال أنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك
لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله
وحده لا يشرك به شيئا
اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون )

وصلت إلى خلاصة

الكبار وحدهم
هم الذين يتحملون سفاهة الناس من أجل هدف أسمى
هو إصلاحهم

الكبار وحدهم
هم الذين لا يعادون أحدًا انتقامًا لأشخاصهم

الكبار وحدهم
هم الذين تكون أمنياتهم بناء

الكبار وحدهم
هم الذين يحملون الخير لقاتليهم

الكبار وحدهم
هم من يتقبلون دفع ضريبة حمل الإصلاح للناس

الكبار وحدهم
هم الذين لا يعرف عامة المجتمع أقدارهم

اللهم أجعلنا

* كبار في حب و عمل الخير

* كبار في إصلاح أنفسنا و مجتمعاتنا

* كبار في تطبيق تعاليم القرآن

* كبار في تطبيق معاني الإسلام الحقيقي
في أرض الواقع

* كبار في المعاملة مع الآخرين