المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة


حور العين
08-14-2016, 03:17 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏
دخل السلطان طغرلبك بغداد، وعزم الخليفة على تلقيه، ثم ترك ذلك
وأرسل وزيره أبا نصر عوضاً عنه، وكان من الجيش أذية كثيرة للناس
في الطريق، وتعرضوا للحريم حتى هجموا على النساء في الحمامات،
فخلصهن منهم العامة بعد جهد، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

دخول الملك طغرلبك على بنت الخليفة
لما استقر السلطان ببغداد، أرسل وزيره عميد الملك إلى الخليفة يطالبه
بنقل ابنته إلى دار المملكة، فتمنع الخليفة من ذلك وقال‏:‏ إنكم إنما سألتم
أن يعقد العقد فقط بحصول التشريف والتزمتم لها بعود المطالبة‏.‏

فتردد الناس في ذلك بين الخليفة والملك، وأرسل الملك زيادة على النقد
مائة ألف دينار ومائة وخمسين ألف درهم، وتحفاً أخر، وأشياء لطيفة‏.‏

فلما كان ليلة الاثنين الخامس عشر من صفر زفت السيدة ابنة الخليفة إلى
دار المملكة، فضربت لها السرادقات من دجلة إلى دار المملكة، وضربت
الدبادب والبوقات عند دخولها إلى الدار، فلما دخلت أجلست على سرير
مكلل بالذهب، وعلى وجهها برقع، ودخل الملك طغرلبك فوقف بين يديها
فقبل الأرض، ولم تقم له ولم تره، ولم يجلس حتى انصرف إلى صحن
الدار، والحجاب والأتراك يرقصون هناك فرحاً وسروراً‏.‏

وبعث لها مع الخاتون زوجة الخليفة عقدين فاخرين، وقطعة ياقوت
حمراء كبيرة هائلة، ودخل من الغد فقبل الأرض وجلس على سرير مكلل
بالفضة بإزائها ساعة، ثم خرج وأرسل لها جواهر كثيرة ثمينة وفرجية
نسج بالذهب مكلل بالحب، وما زال كذلك كل يوم يدخل ويقبل الأرض
ويجلس على سرير بإزائها، ثم يخرج عنها ويبعث بالتحف والهدايا، ولم
يكن منه إليها شيء مقدار سبعة أيام، ويمد كل يوم من هذه الأيام السبعة
سماطاً هائلاً، وخلع في اليوم السابع على جميع الأمراء، ثم عرض له
سفر واعتراه مرض، فاستأذن الخليفة في الانصراف بالسيدة معه إلى تلك
البلاد، ثم يعود بها، فأذن له بعد تمنع شديد وحزن عظيم، فخرج بها
وليس معها من دار الخلافة سوى ثلاث نسوة، برسم خدمتها، وقد تألمت
والدتها لفقدها ألماً شديداً، وخرج السلطان وهو مريض مدنف مأيوس
منه‏.‏

فلما كانت ليلة الأحد الرابع والعشرين من رمضان جاء الخبر بأنه توفي
في ثامن الشهر، فثار العيارون فقتلوا العميدي وسبعمائة من أصحابه،
ونهبوا الأموال، وجعلوا يأكلون ويشربون على القتلى نهاراً، حتى انسلخ
الشهر وأخذت البيعة بعده لولد أخيه سليمان بن داود، وكان طغرلبك قد
نص عليه وأوصى إليه، لأنه كان قد تزوج بأمه، واتفقت الكلمة عليه، ولم
يبق عليه خوف إلا من جهة أخي سليمان، وهو الملك عضد الدولة ألب
أرسلان، محمد بن داود، فإن الجيش كانوا يميلون إليه، وقد خطب له أهل
الجبل ومعه نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق وزيره، ولما
رأى الكندري قوة أمره خطب له بالري، ثم من بعده لأخيه
سليمان بن داود‏.‏

وقد كان الملك طغرلبك حليماً كثير الاحتمال، شديد الكتمان للسر، محافظاً
على الصلوات، وعلى صوم الاثنين والخميس، مواظباً على لبس البياض،
وكان عمره يوم مات سبعين سنة، ولم يترك ولداً، وملك بحضرة القائم
بأمر الله سبع سنين وإحدى عشر شهراً، واثني عشر يوماً، ولما مات
اضطربت الأحوال وانتقضت بعده جداً، وعاثت الأعراب في سواد بغداد
وأرض العراق ينهبون، وتعذرت الزراعة إلا على المخاطرة،
فانزعج الناس لذلك‏.‏

وفيها‏:
‏ كانت زلزلة عظيمة بواسط وأرض الشام، فهدمت قطعة
من سور طرابلس‏.‏

وفيها‏:
‏ وقع بالناس موتان بالجدري والفجأة، ووقع بمصر وباء شديد،
كان يخرج منها كل يوم ألف جنازة‏.‏

وفيها‏:
ملك الصليحي صاحب اليمن مكة، وجلب الأقوات إليها،
وأحسن إلى أهلها‏.‏

وفي أوائلها
طلبت الست أرسلان زوجة الخليفة النقلة من عنده إلى عمها، وذلك لما
هجرها وبارت عنده، فبعثها مع الوزير الكندري إلى عمها، فلما وصلت
إليه كان مريضاً مدنفاً، فأرسل إلى الخليفة يعتب عليه في تهاونه بها،
فكتب الخليفة إليه ارتجالاً‏:‏

ذهبت شرتي وولى الغرام * وارتجاع الشباب ما لا يرام
أذهبت مني الليالي جديداً * والليالي يضعفن والأيام
فعلى ما عهدته من شبابي * وعلى الغانيات مني السلام