المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة


حور العين
08-16-2016, 02:36 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏
قبض السلطان ألب أرسلان على وزير عمه عميد الملك الكندري، وسجنه
ببيته ثم أرسل إليه من قتله، واعتمد في الوزارة على نظام الملك، وكان
وزير صدق، يكرم العلماء والفقراء، ولما عصى الملك شهاب الدولة
قتلمش، وخرج عن الطاعة، وأراد أخذ ألب أرسلان، خاف منه ألب
أرسلان فقال له الوزير‏:‏ أيها الملك لا تخف، فإني قد استدمت لك جنداً
ما بارزوا عسكراً إلا كسروه، كائناً ما كان‏.‏

قال له الملك‏:‏ من هم ‏؟‏

قال‏:‏ جند يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم،
وهم العلماء والفقراء الصلحاء‏.‏

فطابت نفس الملك بذلك، فحين التقى مع قتلمش لم ينظره أن كسره، وقتل
خلقاً من جنوده، وقتل قتلمش في المعركة، واجتمعت الكلمة على ألب
أرسلان‏.‏

وفيها‏:‏
أرسل ولده ملكشاه ووزيره نظام الملك هذا في جنود عظيمة إلى بلاد
الكرج، ففتحوا حصوناً كثيرة، وغنموا أموالاً جزيلة، وفرح المسلمون
بنصرهم، وكتب كتاب ولده على ابنة الخان الأعظم صاحب ما وراء النهر
وزفت إليه، وزوج ابنه الآخر بابنة صاحب غزنة، واجتمع شمل الملكين
السلجوقي والمحمودي‏.‏

وفيها‏:‏
أذن ألب أرسلان لابنة الخليفة في الرجوع إلى أبيها، وأرسل معها بعض
القضاة والأمراء، فدخلت بغداد في تجمل عظيم، وخرج الناس لينظروا
إليها، فدخلت ليلاً، ففرح الخليفة وأهلها بذلك، وأمر الخليفة بالدعاء لألب
أرسلان على المنابر في الخطب، فقيل في الدعاء‏:‏ اللهم وأصلح السلطان
المعظم، عضد الدولة، وتاج الملة، ألب أرسلان أبا شجاع محمد بن داود‏.‏

ثم أرسل الخليفة إلى الملك بالخلع والتقليد مع الشريف نقيب النقباء، طراد
بن محمد، وأبي محمد التميمي، وموفق الخادم، واستقر أمر السلطان
ألب أرسلان على العراق‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وفي ربيع الأول شاع في بغداد أن قوماً من الأكراد
خرجوا يتصيدون، فرأوا في البرية خياماً سوداً، سمعوا بها لطماً شديداً،
وعويلاً كثيراً، وقائلاً يقول‏:‏ قد مات سيدوك ملك الجن، وأي بلد لم يلطم به
عليه، ولم يقم له مأتم فيه‏.‏

قال‏:‏ فخرج النساء العواهر من حريم بغداد إلى المقابر يلطمن ثلاثة أيام،
ويخرقن ثيابهن، وينشرن شعورهن، وخرج رجال من الفساق يفعلون
ذلك، وفعل هذا بواسط وخوزستان وغيرها من البلاد، قال‏:‏ وهذا
من الحمق لم ينقل مثله‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وفي يوم الجمعة ثاني عشر شعبان هجم قوم من
أصحاب عبد الصمد على أبي علي بن الوليد، المدرس للمعتزلة، فسبوه
وشتموه لامتناعه من الصلاة في الجامع، وتدريسه للناس بهذا المذهب،
وأهانوه وجروه، ولعنت المعتزلة في جامع المنصور، وجلس أبو سعيد
بن أبي عمامة وجعل يلعن المعتزلة‏.‏

وفي شوال
ورد الخبر أن السلطان غزا بلداً عظيماً فيه ستمائة ألف دنليز، وألف بيعة
ودير، وقتل منهم خلقاً كثيراً، وأسر خمسمائة ألف إنسان‏.‏

وفي ذي القعدة
حدث بالناس وباء شديد ببغداد وغيرها من بلاد العراق‏.‏

وغلت أسعار الأدوية، وقل التمرهندي، وزاد الحر في تشارين،
وفسد الهواء‏.‏

وفي هذا الشهر
خلع على أبي الغنائم المعمر بن محمد بن عبيد الله العلوي بنقابة
الطالبيين، وولاية الحج والمظالم، ولقب بالطاهر ذي المناقب، وقرئ
تقليده في الموكب‏.‏ ‏

وحج أهل العراق في هذه السنة من الأعيان‏:‏
ابن حزم الظاهري
هو الإمام الحافظ العلامة، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
بن غالب بن صالح بن خلف بن معد بن سفيان بن يزيد، مولى يزيد
بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي، أصل جده من فارس، أسلم وخلف
المذكور، وهو أول من دخل بلاد المغرب منهم، وكانت بلدهم قرطبة، فولد
ابن حزم هذا بها في سلخ رمضان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، فقرأ
القرآن واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية، وبرز فيها وفاق أهل زمانه،
وصنف الكتب المشهورة، يقال‏:‏ إنه صنف أربعمائة مجلد في قريب
من ثمانين ألف ورقة‏.‏

وكان أديباً طبيباً شاعراً فصيحاً، له في الطب والمنطق كتب، وكان من
بيت وزارة ورياسة، ووجاهة ومال وثروة، وكان مصاحباً للشيخ أبي عمر
بن عبد البر النمري، وكان مناوئاً للشيخ أبي الوليد سليمان بن خلف
الباجي، وقد جرت بينهما مناظرات يطول ذكرها، وكان ابن حزم كثير
الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه، فأورثه ذلك حقداً في قلوب أهل زمانه،
ومازالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته
في قرية له في شعبان من هذه السنة وقد جاوز التسعين‏.‏

والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهرياً حائراً في الفروع، لا يقول بشيء
من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل
عليه خطأ كبيراً في نظره وتصرفه، وكان مع هذا من أشد الناس تأويلاً
في باب الأصول، وآيات الصفات، وأحاديث الصفات، لأنه كان أولاً قد
تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني
القرطبي، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات‏.‏

عبد الواحد بن علي بن برهان
أبو القاسم النحوي، كان شرس الأخلاق جداً، لم يلبس سراويل قط،
ولا غطى رأسه ولم يقبل عطاء لأحد، وذكر عنه أنه كان يقبل المردان
من غير ريبة‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ وكان على مذهب مرجئة المعتزلة وينفي خلود الكفار في
النار، ويقول‏:‏ دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له،
مع ما وصف الله به نفسه من الرحمة، ويتأول قوله تعالى‏:

‏ ‏{ ‏خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً‏ }
‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏]

‏ أي‏:‏ أبداً من الآباد‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وقد كان ابن برهان يقدح في أصحاب أحمد، ويخالف
اعتقاد المسلمين لأنه قد خالف الإجماع، ثم ذكر كلامه في هذا وغيره،
والله أعلم‏.‏