المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 30.12.1437


نسمة أمل
10-02-2016, 03:21 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم

[ الحديث المهجور ]

مأساة أن تصير مجالسنا شاهدةً علينا، لا شاهدة لنا، وأن تكون منطلقًا
لتفريق كلمتنا لا لجمعها، وأن نخرج منها متأبِّطين الآثام،
وسيِّئ المسموعات.

إنها مأساة حقًّا أن تصبح المجالس التي نجلسها ملهاة لنا عن الهمِّ الأكبر
الذي خُلقنا من أجله في أي مكان كنا؛ في البيوت، في إدارات الوظائف،
في اللقاءات، في الأسواق، وفي غيرها.

إنها حقيقة مؤلمة نعترف بها أن غدت المجالس معمورة بحديث الدنيا،
مهجورة من حديث الآخرة، فحينما يجتمع الأقارب، ويجتمع الأصدقاء
والزملاء، ويجتمع الجيران، يَنتثر عِقد الحديث عن مباهج الحياة الدنيا
ومُتعها وملهياتها، ويَجري الإسهاب عن فلان وفلانة، ويتوالى الكلام
عن الأموال والعقارات، والحكَّام والسلطات، والهوايات والملذَّات، فيختلط
الكَلام بالكلام، والحلال من الحديث بالحرام، ويُبسط نِطع التلذُّذ بنهش
الأعراض والحرمات، ويُبعثر رصيد نفيس الأعمار والأوقات، ثم يُطوى
المجلس، وينطوي الجالسون إلى مخادنة تركة الهذر وسقط الكلام،
وقسوة القلب، وتعكُّر نهْل الأُخوَّة أحيانًا.

وللأسف فإن هذا اللهو قد فشا داؤه في مجالس المعدودين بين الناس
من الصالحين وأهل العلم والدعوة! فأين حديث الموعظة والذِّكرى؟
وأين حديث العلم والفائدة؟ وأين حديث الشوق والتشويق للآخرة؟!

نعم؛ لقد صار الكلام عن حديث الآخرة والعلم النافع محصورًا على
الخطب والمحاضرات والدروس واللقاءات العلمية فقط!

أقول: لا بأس من الحديث في المباح في الشؤون العامة والخاصة من أمر
الدنيا، لكن لا تكون هي الحديثَ الغالب، ومشتهى الجالس والراغب، ولا
أن تخلو المجالس من حديث الرقائق ومذاكرة الأعمال الفاضلة ومسائل
المعرفة النافعة؛ حتى يستفيد الجالس من المجالس، ولذلك حثَّ السلف
الصالح على ملازمة الصالحين ومجالسهم؛ حتى يُستفاد منهم هَدْيٌ
وسمتٌ وعلم وعمل وخلق، أما إذا كانت مجالس الأخيار كغالب مجالس
اليوم بخلوِّها من تلك الأمور العظيمة التي يُدعى إلى لزومها فيها، فالبديل
حينئذ لكل حريص: "وخير جليس في الزمان كتاب".

قيل لابن المبارك: إنَّك تُكثر الجلوس وحدك، فغضبَ وقال: أنا وحدي؟!
أنا مع الأنبياء والأولياء والحكماء والنبي وأصحابه، ثم أنشد هذه
الأبيات:

ولي جلساء ما أملُّ حديثَهم
ألبَّاء مأمونون غيبًا ومشهَدا
إذا ما اجتمعنا كان حسنُ حديثِهم
مُعينًا على دَفعِ الهُموم مؤيِّدا
يُفيدونني من علمهم علمَ ما مضى
وعَقلاً وتأديبًا ورأيًا مسدَّدا
بلا رِقْبَةٍ أخشى ولا سوء عثْرَةٍ
ولا أتَّقي منهم لسانًا ولا يدا[1]

[1] ديوان الإمام عبدالله بن المبارك (ص: 24).

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

--- --- --- --- --- ---
و الله سبحانه و تعالى أعلى و أعلم و أجَلّ

صدق الله العلى العظيم و صدق رسوله الكريم
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم

( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )
( اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )
( و الله الموفق )
=======================
و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و شاكرين لكم حُسْن متابعتكم
و إلى اللقاء في الحديث القادم و أنتم بكل الخير و العافية
" إن شـاء الله "