حور العين
10-03-2016, 04:24 PM
من: الأخت الزميلة / جِنان الورد
الأمثال في القرآن - سورة النحل
( الجزء الثاني )
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ النحل : 76 ]
وأما المثل الثاني :
فهو مثل ضربه الله سبحانه لنفسه ولما يعبدون من دونه أيضا،
فالصنم الذي يعبدون من دونه بمنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق،
بل هو أبكم القلب واللسان قد عدم النطق القلبي واللساني،
ومع هذا فهو عاجز لا يقدر على شيء البتة،
ومع هذا فأينما أرسلته لا يأتيك بخير ولا يقضي لك حاجة،
و الله سبحانه حي قادر متكلم، يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم،
وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد؛ فإن أمره بالعدل وهو الحق
يتضمن أنه سبحانه عالم به، معلِّم له، راض به، آمرٌ لعباده به،
محبٌّ لأهله، لا يأمر بسواه، بل ينزه عن ضده الذي هو الجور
والظلم والسفه والباطل، بل أمره وشرعه عدل كلُّه،
وأهل العدل هم أولياؤه وأحباؤه وهم المجاوروه عن يمينه
على منابر من نور، وأمره بالعدل يتناول الأمر الشرعي الديني
والأمر القدري الكوني، وكلاهما عدل لا جور فيه بوجه ما،
كما في الحديث الصحيح :
( اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك،
ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك، عدلٌ في قضاؤك )
فقضاؤه هو أمره الكوني،
فإنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن فيكون
فلا يأمر إلا بحق وعدل، وقضاؤه وقدره القائم به حق وعدل،
وإن كان في المقضي المقدر ما هو جورٌ وظلمٌ،
فإن القضاء غير المقضي والقدر غير المقدَّر
ثم أخبر سبحانه أنه
{ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
وهذا نظير قول شعيب عليه الصلاة والسلام :
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ
مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ هود : 56 ]
فقوله:
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }
نظير قوله :
( ناصيتي بيدك )
وقوله :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
نظير قوله :
( عدل فيَّ قضاؤك ) ،
· فالأول ملكه
· والثاني حمده
وهو سبحانه له الملك وله الحمد، وكونه سبحانه على صراط مستقيم
يقتضي أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا بالعدل
ولا يفعل إلا ما هو مصلحة وحكمة وعدل؛
فهو على حق في أقواله وأفعاله فلا يقضي على العبد
ما يكون ظالما له به، ولا يأخذه بغير ذنبه،
ولا ينقصه من حسناته شيئا، ولا يحمل عليه من سيئات غيره
التي لم يعملها ولم يتسبب إليها شيئا، ولا يؤاخذ أحدا بذنب غيره،
ولا يفعل قط مالا يُحمد عليه وُيثنى به عليه،
ويكون له فيه العواقب الحميدة والغايات المطلوبة؛
فإن كونه على صراط مستقيم يأبى ذلك كله
قال محمد بن جرير الطبري :
وقوله :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
يقول :
إن ربي على طريق الحق؛ يجازي المحسن من خلقه بإحسانه،
و المسيء بإساءته، لا يظلم أحدا منهم شيئا،
ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به
ثم حكى عن مجاهد من طريق شبل
عن ابن أبي نجيح عنه :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ،
قال :
"الحق"،
وكذلك رواه ابن جريج عنه
وقالت فرقة :
هي مثل قوله :
{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ}
[ الفجر : 14 ] ،
وهذا اختلاف عبارة؛
فإن كونه بالمرصاد هو مجازاة المحسن بإحسانه
والمسيء بإساءته
وقالت فرقة :
في الكلام حذف تقديره : إن ربي يحثكم على صراط مستقيم
ويحضكم عليه، وهؤلاء إن أرادوا أن هذا معنى الآية التي أريد بها،
فليس كما زعموا ولا دليل على هذا المقدَّر،
وقد فرق سبحانه بين كونه آمرا بالعدل
وبين كونه على صراط مستقيم،
وإن أرادوا أن حثه على الصراط المستقيم
من جملة كونه على صراط مستقيم فقد أصابوا
وقالت فرقة أخرى:
معنى كونه على صراط مستقيم أن مرد العباد والأمور كلها إلى الله
لا يفوته شيء منها، وهؤلاء أن أرادوا أن هذا معنى الآية،
فليس كذلك، وإن أرادوا ان هذا من لوازم كونه على صراط مستقيم
ومن مقتضاه و موجبه فهو حق
وقالت فرقة أخرى:
معناه كل شيء تحت قدرته وقهره وفي ملكه وقبضته،
وهذا وإن كان حقا فليس هو معنى الآية
وقد فرق هود عليه الصلاة والسلام
بين قوله :
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }
وبين قوله :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
فهما معنيان مستقلان
فالقول قول مجاهد،
وهو قول أئمة التفسير
ولا تحتمل العربية غيره إلا على استكراه.
قال جرير يمدح عمر بن عبد العزيز :
أمير المؤمنين على صراط ......... إذا اعوجَّ الموارد مستقيم
{ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ الأنعام : 39 ] ،
وإذا كان الله تعالى هو الذي جعل رسله عليهم الصلاة والسلام
وأتباعهم على الصراط المستقيم في أقوالهم وأفعالهم؛
فهو سبحانه أحق أن يكون على صراط مستقيم في قوله وفعله،
وإن كان صراط الرسل وأتباعهم هو موافقة أمره؛
فصراطه الذي هو سبحانه عليه هو ما يقتضيه حمده وكماله
ومجده من قول الحق وفعله، وبالله التوفيق
وفي الآية قول ثان مثل الآية الأولى سواء،
أنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر،
وقد تقدم ما في معنى هذا القول، مثل المعرضين عن كلام الله
ومنها قوله تعالى
في تشبيه من أعرض عن كلامه وتدبره:
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ *
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
[ المدثر : 49 - 51 ]
شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد
والرماة ففرت منه، وهذا من بديع التمثيل؛
فإن القوم من جهلهم بما بعث الله سبحانه رسوله كالحمر
فهي لا تعقل شيئا، فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي
نفرت منه أشد النفور، وهذا غاية الذم لهؤلاء؛
فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر
عما يهلكها ويعقرها
وتحت "المستنفرة" معنى أبلغ من "النافرة"؛
فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور،
فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد،
فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه
ومن قرأها بفتح الفاء فالمعنى :
أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته
الأمثال في القرآن - سورة النحل
( الجزء الثاني )
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ النحل : 76 ]
وأما المثل الثاني :
فهو مثل ضربه الله سبحانه لنفسه ولما يعبدون من دونه أيضا،
فالصنم الذي يعبدون من دونه بمنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق،
بل هو أبكم القلب واللسان قد عدم النطق القلبي واللساني،
ومع هذا فهو عاجز لا يقدر على شيء البتة،
ومع هذا فأينما أرسلته لا يأتيك بخير ولا يقضي لك حاجة،
و الله سبحانه حي قادر متكلم، يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم،
وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد؛ فإن أمره بالعدل وهو الحق
يتضمن أنه سبحانه عالم به، معلِّم له، راض به، آمرٌ لعباده به،
محبٌّ لأهله، لا يأمر بسواه، بل ينزه عن ضده الذي هو الجور
والظلم والسفه والباطل، بل أمره وشرعه عدل كلُّه،
وأهل العدل هم أولياؤه وأحباؤه وهم المجاوروه عن يمينه
على منابر من نور، وأمره بالعدل يتناول الأمر الشرعي الديني
والأمر القدري الكوني، وكلاهما عدل لا جور فيه بوجه ما،
كما في الحديث الصحيح :
( اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك،
ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك، عدلٌ في قضاؤك )
فقضاؤه هو أمره الكوني،
فإنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن فيكون
فلا يأمر إلا بحق وعدل، وقضاؤه وقدره القائم به حق وعدل،
وإن كان في المقضي المقدر ما هو جورٌ وظلمٌ،
فإن القضاء غير المقضي والقدر غير المقدَّر
ثم أخبر سبحانه أنه
{ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
وهذا نظير قول شعيب عليه الصلاة والسلام :
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ
مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ هود : 56 ]
فقوله:
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }
نظير قوله :
( ناصيتي بيدك )
وقوله :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
نظير قوله :
( عدل فيَّ قضاؤك ) ،
· فالأول ملكه
· والثاني حمده
وهو سبحانه له الملك وله الحمد، وكونه سبحانه على صراط مستقيم
يقتضي أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا بالعدل
ولا يفعل إلا ما هو مصلحة وحكمة وعدل؛
فهو على حق في أقواله وأفعاله فلا يقضي على العبد
ما يكون ظالما له به، ولا يأخذه بغير ذنبه،
ولا ينقصه من حسناته شيئا، ولا يحمل عليه من سيئات غيره
التي لم يعملها ولم يتسبب إليها شيئا، ولا يؤاخذ أحدا بذنب غيره،
ولا يفعل قط مالا يُحمد عليه وُيثنى به عليه،
ويكون له فيه العواقب الحميدة والغايات المطلوبة؛
فإن كونه على صراط مستقيم يأبى ذلك كله
قال محمد بن جرير الطبري :
وقوله :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
يقول :
إن ربي على طريق الحق؛ يجازي المحسن من خلقه بإحسانه،
و المسيء بإساءته، لا يظلم أحدا منهم شيئا،
ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به
ثم حكى عن مجاهد من طريق شبل
عن ابن أبي نجيح عنه :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ،
قال :
"الحق"،
وكذلك رواه ابن جريج عنه
وقالت فرقة :
هي مثل قوله :
{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ}
[ الفجر : 14 ] ،
وهذا اختلاف عبارة؛
فإن كونه بالمرصاد هو مجازاة المحسن بإحسانه
والمسيء بإساءته
وقالت فرقة :
في الكلام حذف تقديره : إن ربي يحثكم على صراط مستقيم
ويحضكم عليه، وهؤلاء إن أرادوا أن هذا معنى الآية التي أريد بها،
فليس كما زعموا ولا دليل على هذا المقدَّر،
وقد فرق سبحانه بين كونه آمرا بالعدل
وبين كونه على صراط مستقيم،
وإن أرادوا أن حثه على الصراط المستقيم
من جملة كونه على صراط مستقيم فقد أصابوا
وقالت فرقة أخرى:
معنى كونه على صراط مستقيم أن مرد العباد والأمور كلها إلى الله
لا يفوته شيء منها، وهؤلاء أن أرادوا أن هذا معنى الآية،
فليس كذلك، وإن أرادوا ان هذا من لوازم كونه على صراط مستقيم
ومن مقتضاه و موجبه فهو حق
وقالت فرقة أخرى:
معناه كل شيء تحت قدرته وقهره وفي ملكه وقبضته،
وهذا وإن كان حقا فليس هو معنى الآية
وقد فرق هود عليه الصلاة والسلام
بين قوله :
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }
وبين قوله :
{ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
فهما معنيان مستقلان
فالقول قول مجاهد،
وهو قول أئمة التفسير
ولا تحتمل العربية غيره إلا على استكراه.
قال جرير يمدح عمر بن عبد العزيز :
أمير المؤمنين على صراط ......... إذا اعوجَّ الموارد مستقيم
{ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ الأنعام : 39 ] ،
وإذا كان الله تعالى هو الذي جعل رسله عليهم الصلاة والسلام
وأتباعهم على الصراط المستقيم في أقوالهم وأفعالهم؛
فهو سبحانه أحق أن يكون على صراط مستقيم في قوله وفعله،
وإن كان صراط الرسل وأتباعهم هو موافقة أمره؛
فصراطه الذي هو سبحانه عليه هو ما يقتضيه حمده وكماله
ومجده من قول الحق وفعله، وبالله التوفيق
وفي الآية قول ثان مثل الآية الأولى سواء،
أنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر،
وقد تقدم ما في معنى هذا القول، مثل المعرضين عن كلام الله
ومنها قوله تعالى
في تشبيه من أعرض عن كلامه وتدبره:
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ *
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
[ المدثر : 49 - 51 ]
شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد
والرماة ففرت منه، وهذا من بديع التمثيل؛
فإن القوم من جهلهم بما بعث الله سبحانه رسوله كالحمر
فهي لا تعقل شيئا، فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي
نفرت منه أشد النفور، وهذا غاية الذم لهؤلاء؛
فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر
عما يهلكها ويعقرها
وتحت "المستنفرة" معنى أبلغ من "النافرة"؛
فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور،
فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد،
فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه
ومن قرأها بفتح الفاء فالمعنى :
أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته