المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 23.01.1438


حور العين
10-25-2016, 10:56 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ الحكمة في معالجة المشكلات الدعوية:
"اليوم يوم المرحمة" ]

حين يظن الداعية غيرَ الحق، فإنه يرَدُّ إليه، ويوضح له الأمر بحكمة،
فهذا سعد بن عبادة رضي الله عنه - وهو أنصاري من النقباء - امتلأت
نفسه همة وحماساً لفتح مكة، كما امتلأت نقمة على قريش التي أخرجت
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة وآذوهم وحاربوهم[1]،
فظن رضي الله عنه أن غزو مكة سيكون تصفية لعداوة امتدت أزيد
من عشرين سنة، وثأراً لما مضى من حروب، فقال لأبي سفيان رضي الله عنه –
أثناء عرض جيش المسلمين عليه -: يا أبا سفيان، اليوم يوم
الملحمة[2]، اليوم تستحل الكعبة. فشكاه أبو سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم،
وقال له: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك، فإنه زعم سعد ومن معه حين
مر بنا أنه قاتلنا، أنشدك الله في قومك، فأنت أبر الناس
وأرحمهم وأوصلهم.

وخاف بعض المهاجرين أن يشتد سعد في قتاله لقريش - وهو حامل راية
الأنصار - فقال عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما:
يا رسول الله، والله لا نأمن من سعد أن تكون منه في قريش صولة[3].
فعمل النبي صلى الله عليه وسلم على تهدئة النفوس وحل المشكلة
حلاً موفقًا حكيماً:

1- بين أولا خطأ هذه المقولة، فالمسلمون هم أولى من يعظم الكعبة
ولا يستحلها، وأعظم من يحقن الدماء فلا يهدرها لغير ضرورة،
والنبي صلى الله عليه وسلم هو أوفى الناس لقومه وعشيرته،
أن يذلوا أو يهانوا، فقال صلى الله عليه وسلم:

( كذب سعد - أي أخطأ - ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة،
ويوم تكسى فيه الكعبة ).

وقيل إنه قال:

( يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشًا )[4]،

فأبدل كلمة الملحمة بالمرحمة، وشتان بين الكلمتين، فالداعية المؤمن
عند النصر، يبذل الرحمة والعدل للناس، فذلك أدعى لتأليفهم وإقبالهم
على الإسلام راغبين.

2- أنه أرسل إلى سعد رضي الله عنه، فأخذ الراية منه وسلمها إلى ابنه
قيس، ورأى أنه بذلك لم تخرج منه حين صارت إلى ابنه، مراعاة لشعوره
وسابقته وفضله في الإسلام، ولعله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكسب
بفعله هذا قلوب القرشيين، ويطمئنهم إلى رغبته الصادقة في السلام
والأمان، أو أنه خاف أن يسبق سيف سعد بن عبادة إلى رقاب قريش،
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار الصدق في اللقاء
والتفاني في الجهاد.

3- علم النبي صلى الله عليه وسلم ما في صدور الأنصار فخصهم بالقتال
دون المهاجرين عند الحاجة إلى ذلك، لمَّا اعترض الأوباش جيش
المسلمين ولم يراعوا الأمان والعهد، فأمر النبي الأنصار بأن يحصدوا
أنفاسهم[5]، وسمح لهم بالقتال بعد المنع، ففعلوا ذلك، ولم يعترضهم
أحد إلا أذاقوه طعم سيوفهم.

[2] يوم الملحمة: أي يوم المقتلة العظمى، من لحم فلان فلانا إذا قتله.
فتح الباري 8/8 ح 4280.

[3] بتصرف، عيون الأثر 2 /223.

[4] عيون الأثر 2 /223.

[5] كما روى الإمام مسلم: ((فاحصدوهم حصداً)).

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين