المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاسبة النفس ( الجزء الأول - 03 )


حور العين
10-30-2016, 12:58 PM
من: الأخت / غـــرام الغـــرام
محاسبة النفس ( الجزء الأول - 03 )

الحمد لله الذي أمرَ بمحاسبةِ النفوس ، وجعلَ عملها للصالحاتِ خيراً من الجلوس ،
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ،
الذي رفعَ بالمحاسبةِ الرؤوس وأعلى بها النفوس ،
وأشهدُ أنّ سيدنا محمداً عبده ورسولُـه ، طبيبُ النفوس ،
أمر بمحاسبةِ النفس ، قبلَ اليومِ العَبوس ،
صلى الله عليه وسلمَ كلما حوسبت نفسٌ وأُزيلَ رجس ،
وعلى آله وصحبه ومن سارَ على نهجهِ إلى يوم الدين ،
أما بعد :

إن من أعظمِ الأمانات أمانةُ النفس ، فهي أعظمُ من أمانةِ الأموالِ والأولاد ،
أقسمَ الله بها في كتابه ، ولا يقسمُ الله إلا بعظيم ،


قال تعالى :

{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا }

وقد جعلَ الله لهذهِ النفس طريقين :

· طريقُ تقوىً وبه تفوزُ وتُفلح
· وطريقُ فجورٍ وبه تَخسر وتَخيب

والناظرُ في حالِ الناسِ اليوم ، يرى رُخص النفوسِ عند أهلِـها ،
ويرى الخسارةَ في حياتِـها لعدمِ مُحاسبتِها ، والذين فقدوا أو تركوا محاسبةَ
نفوسِهم سيتحسرون في وقتٍ لا ينفعُ فيه التحسر ،


يقول جل شأنه :

{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }
[ الزمر : 56 ]


وبتركِ محاسبة النفس تسلط الشيطانُ الذي دعا إلى المعصية ،
وحذّر من الطاعة ، وزينَ الباطل ، وثبطّ عن العَملِ الصالح وصدّ عنه .
وبتركِ محاسبة النفس تمكنت الغفلةُ من الناسِ ، فأصبحَ لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها
ولهم أعينٌ لا يبصرونَ بها ، ولهم آذانٌ لا يسمعونَ بها ،
أولئكَ كالأنعامِ بل هم أضل ، أولئكَ هم الغافلون .


يقول جل وعلا :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
[ الحشر : 18 ]


يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله في تفسيرِ قولِه تعالى :


{ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }

[ أي حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسِـكم
من الأعمالِ الصالحةِ ليومِ معادِكم وعرضِـكم على ربِكم ،
واعلموا أنه عالمٌ بجميعِ أعمالِكم وأحوالِكم ، لا تخفى عليهِ منكم خافيه ]


* ويترتبُ كذلكَ على ترك محاسبة النفس أمرٌ هامٌ جداً ،
ألا وهو هلاكُ القلب

يقولُ ابنُ القيّم رحمه الله - :

[ وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها وإتباع هواها ]


وقالَ رحمه الله في إغاثةِ اللهفان :

[ وتركُ المحاسبة والاسترسالُ وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُـها ،
فإنَّ هذا يقولُ بهِ إلى الهلاكِ ، وهذه حالُ أهلِ الغرور ،
يُغْمضُ عينيهِ عن العواقبِ ويُمَشّي الحال ، ويتكلُ على العفو ،
فيهملُ محاسبة نفسهِ والنظرُ في العاقبة ، وإذا فعلَ ذلكَ سَهُلَ عليه
مواقعةُ الذنوبِ وأنِسَ بها وعَسُرَ عليه فِطامُها ولو حَضَرَه رُشْدَه لعلِم أنّ الحميةَ
أسهلُ من الفِطام وتركُ المألوف والمعتاد ]


وكتبَ عمرُ بن الخطابِ رضي الله عنه إلى بعضِ عمُّالِهِ :

[ حاسب نفسكَ في الرخاء قبلَ حسابِ الشدة ،
فإن من حاسبَ نفسهُ في الرخاءِ قبلَ حساب الشدة ،
عادَ أمرُه إلى الرضا والغبطة ،
ومن ألهته حياته وشغلتْـهُ أهواؤه عادَ أمرُه إلى الندامةٍ والخسارة ]


وكان الأحنفُ بن قيسٍ
يجيءُ إلى المصباحِ فيضعُ إصبَعهُ فيه ثم يقول :

يا حُنيف ،
ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا ؟
ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا ؟


وقال الحسن رحمه الله - :

[ إن المؤمنَ واللهِ ما تراهُ إلا يلومُ نفسهُ على كلِّ حالاته ،
يستقصرها في كل ما يفعل ، فيندمُ ويلومُ نفسَهُ ،
وإنّ الفاجرَ ليمضي قُدُمـاً لا يعاتبُ نفسَه ]


فيجبُ أن يكونَ المؤمنُ محاسباً لنفسهِ مهتماً بها ،
لائماً على تقصيرِها

قال الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى :

[ ومن تأملَ أحوالَ الصحابةِ رضي الله عنهُم
وجدَهم في غايةِ العملِ معَ غايةِ الخوف ، ونحن جمعنا بين التقصير ،
بل بين التفريطِ والأمن ]

هكذا يقولُ الإمامُ ابن القيمِ عن نفسه وعصره !
فماذا نقولُ نحنُ عن أنفسِـنا وعصرِنا ؟!


إلي اللقاء مع الجزء الثاني إن شاء الله