حور العين
11-01-2016, 10:45 AM
من: الأخت / غـــرام الغـــرام
محاسبة النفس ( الجزء الثالث - 03 )
كيفَ أحاسبُ نفسي ؟
سؤالٌ يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى
وللإجابة على هذا التساؤل
ذكرَ ابنُ القيم أن محاسبةَ النفس تكون كالتالي :
أولاً : البدءُ بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ .
ثانياً : النظرُ في المناهي ،
فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ
والاستغفارِ والحسناتِ الماحية .
ثالثاً : محاسبةُ النفس على الغفلةِ ،
ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ السماوات ورب الأرض
رب العرش العظيم .
رابعاً : محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح ، وكلامِ اللسان ،
ومشيِ الرجلين ، وبطشِ اليدين ، ونظرِ العينين ، وسماعِ الأذنين ،
ماذا أردتُ بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته ؟
* * *
قال ابن قدامة في كتابه
مختصر منهاج القاصدين :
وتحققَ أربابُ البصائر أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار الناتجة
عن عدمِ محاسبة النفس إلا لزومُ المحاسبةِ لأنفسِهم وصِدْقُ المراقبة ،
فمن حاسبَ نفسهُ في الدنيا خفَّ حسابه في الآخرة ،
ومَن أهملَ المحاسبة دامتْ حسراته ،
فلما علموا أنهم لا يُنجيهم إلا الطاعة ، وقد أمرَهم بالصبرِ والمرابطةِ
فقالَ سبحانه :
{ يا أيُّها الَذينَ آمَنواْ اصبِروا وَصابِرواْ ورابِطوا }
فرابطوا أنفسَهم أولاً بالمشارطةِ ثمّ بالمراقبة ، ثم بالمحاسبةِ ثم بالمعاقبة ،
ثم بالمجاهدةِ ثم بالمعاتبة ، فكانتْ لهم في المرابطةِ سِتُّ مقاماتٍ
أصلُها المحاسبة ، ولكنْ كلّ حسابٍ يكونُ بعدَ مشارطةٍ ومراقبة ،
ويتبعهُ عندَ الخُسران المعاتبةُ والمعاقبة .
نأخذها الآنَ بشيءٍ منَ التفصيل :
المقامُ الأول : المشــارطة :
اعلم أنّ التاجرَ كما يستعينُ بشريكهِ في التجارةِ طلباً للربح ، ويشارطهُ ويحاسبه ،
كذلك العقلُ يحتاجُ إلى مشاركةِ النفس وشرطِ الشروطِ عليها
وإرشادِها إلى طريقِ الفلاح ، والتضييقِ عليها في حركاتها وسكناتها .
فمثلاً :
إذا فَرِغَ العبدُ من صلاةِ الصُبْح ، ينبغي أن يُفرغَ قلبَه ساعةً لمشارطةِ نفسهِ
فيقولُ للنفس :
ماليَ بضاعة إلا العُمُر ،
فإذا فَنِيَ مني رأس المال وقعَ اليأسُ من التجارةِ وطلبِ الربح
فليقُل أحدُنا الآنَ قبلَ الموت :
يا نفس ، اجتهدي اليومَ في أن تعـمُري خِزانتكِ ولا تدعيها فارغة ،
ولا تَميلي إلى اليأسِ والدَعَةِ والاستراحة فيفوتكِ من درجاتِ عليينَ
ما يُدْرِكه غيرَكِ .
المقامُ الثاني : المراقبــة :
إذا أوصى الإنسانُ نفسَهُ وشَرَطَ عليها ، لم يبقَ إلا المراقبة لها وملاحظتها
وفي الحديثِ الصحيح في تفسيرِ الإحسان ،
لما سُئِلَ عنهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال :
( أنْ تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك )
فمراقبة العبد نفسَه في الطاعة هو أن يكونُ مخلصاً فيه! ،
ومراقبته في المعصيةِ تكونُ بالتوبةِ والندمِ والإقلاع ،
ومراقبته في المباح تكونُ بمراعاةِ الأدب والشكرِ على النعيم ،
وكلُّ ذلك لا يخلو من المراقبة .
المقام الثالث : المحاسبةُ بعدَ العمل :
اعلم أن العبدَ كما ينبغي أن يكونَ له وقتٌ في أولِ النهار يشارطُ فيهِ نفسه ،
كذلك ينبغي أن يكونَ له ساعةٌ يطالبُ فيهِ نفسه في آخرِ النهار
ويحاسبُها على جميعِ ما كانَ منها ، كما يفعلُ التُجّار في الدنيا معَ الشُركاءِ
في آخرِ كل سنةٍ أو شهرٍ أو يوم .
المقام الرابع : معاقبةُ النفسِ على تقصيرِها :
اعلم أن العبدَ إذا حاسبَ نفسهُ فرأى منها تقصيراً ، أو فعلَتْ شيئاً من المعاصي ،
فلا ينبغي أن يهملَها ، فإنه يَسْهُلُ عليهِ حينئذٍ مقارفةُ الذنوب ويعسرُ عليه فِطامُها ،
بل ينبغي أن يعاقبها عقوبةً مباحة ، كما يعاقبُ أهلَهُ وأولادَه .
وكما رويَ عن عمر رضي الله عنه :
أنه خَرجَ إلى حائطٍ له ثم رَجعَ وقد صلى الناسُ العصرَ ، فقال :
إنما خرجتُ إلى حائطي ورَجعتُ وقد صلى الناسُ العصرَ ،
حائطي صدقةٌ على المساكين .
المقام الخامس : المجــاهدة :
إذا حاسبَ الإنسانُ نفسَه ، فينبغي إذا رآها قد قارفت معصيةً أن يُعاقبـَها كما سبق ،
فإن رآها تتوانى للكسلِ في شيءٍ من الفضائلِ أو وِرد من الأوراد ،
فينبغي أن يؤدبـَها بتثقيلِ الأورادِ عليها ، كما وردَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه ،
أنه إذا فاتته صلاةٌ في جماعةٍ فأحيا الليلَ كلَّه! ُ تِلكَ الليلة ،
فهوَ هُنا يجاهدُها ويُكرِهُهَا ما استطاع .
المقام السادس والأخير : معاتبةُ النفسِ وتوبيخُـها :
قال أنس رضي الله عنه :
سمعتُ عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه ،
وقد دخلَ حائطاً ، وبيني وبينه جدار ، يقول :
عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين !! بخٍ بخ ،
واللهِ لتتقينَ الله يا ابن الخطاب أو ليُعذبنَّك ! .
أخي الحبيب :
اعلم أن أعدى عدوٍ لكَ نفسُكَ التي بين جنبيك ، وقد خُلِقتْ أمارةً بالسوءِ
ميالةً إلى الشرورِ ، وقد أُمرتَ بتقويمها وتزيكتها وفطامها عن موارِدِها ،
وأن تقودَها بسلاسلِ القهْرِ إلى عبادةِ ربِها ، فإن أنتَ أهملتها ضلّتْ وشَرِدتْ ،
وإن لزمتَها بالتوبيخِ رَجونا أن تصيرَ مُطمئنة ، فلا تغفلنّ عن تذكيرِها .
أخي الحبيب :
كم صلاةٍ أضعتَها ؟
كم جُمُعَةٍ تهاونتَ بها ؟
كم صدقةٍ بَخِلتَ بها ؟
كم معروفٍ تكاسلتَ عنه ؟
كم منكرٍ سكتَّ عليه ؟
كم نظرةٍ محرمةٍ أصبتَها ؟
كم كلمةٍ فاحشةٍ أطلقتها ؟
كم أغضبتَ والديك ولم ترضِهِما ؟
كم قسوتَ على ضعيفٍ ولم ترحمه ؟
كم من الناسِ ظلمتَه ؟
كم وكم ... ؟
إنا لنفـرحُ بالأيـامِ نقطعُـها *** وكـلَّ يومٍ يُدني من الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم ،
وصلى الله وسلمَ وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعين .
تم بحمد الله تعالي
محاسبة النفس ( الجزء الثالث - 03 )
كيفَ أحاسبُ نفسي ؟
سؤالٌ يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى
وللإجابة على هذا التساؤل
ذكرَ ابنُ القيم أن محاسبةَ النفس تكون كالتالي :
أولاً : البدءُ بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ .
ثانياً : النظرُ في المناهي ،
فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ
والاستغفارِ والحسناتِ الماحية .
ثالثاً : محاسبةُ النفس على الغفلةِ ،
ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ السماوات ورب الأرض
رب العرش العظيم .
رابعاً : محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح ، وكلامِ اللسان ،
ومشيِ الرجلين ، وبطشِ اليدين ، ونظرِ العينين ، وسماعِ الأذنين ،
ماذا أردتُ بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته ؟
* * *
قال ابن قدامة في كتابه
مختصر منهاج القاصدين :
وتحققَ أربابُ البصائر أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار الناتجة
عن عدمِ محاسبة النفس إلا لزومُ المحاسبةِ لأنفسِهم وصِدْقُ المراقبة ،
فمن حاسبَ نفسهُ في الدنيا خفَّ حسابه في الآخرة ،
ومَن أهملَ المحاسبة دامتْ حسراته ،
فلما علموا أنهم لا يُنجيهم إلا الطاعة ، وقد أمرَهم بالصبرِ والمرابطةِ
فقالَ سبحانه :
{ يا أيُّها الَذينَ آمَنواْ اصبِروا وَصابِرواْ ورابِطوا }
فرابطوا أنفسَهم أولاً بالمشارطةِ ثمّ بالمراقبة ، ثم بالمحاسبةِ ثم بالمعاقبة ،
ثم بالمجاهدةِ ثم بالمعاتبة ، فكانتْ لهم في المرابطةِ سِتُّ مقاماتٍ
أصلُها المحاسبة ، ولكنْ كلّ حسابٍ يكونُ بعدَ مشارطةٍ ومراقبة ،
ويتبعهُ عندَ الخُسران المعاتبةُ والمعاقبة .
نأخذها الآنَ بشيءٍ منَ التفصيل :
المقامُ الأول : المشــارطة :
اعلم أنّ التاجرَ كما يستعينُ بشريكهِ في التجارةِ طلباً للربح ، ويشارطهُ ويحاسبه ،
كذلك العقلُ يحتاجُ إلى مشاركةِ النفس وشرطِ الشروطِ عليها
وإرشادِها إلى طريقِ الفلاح ، والتضييقِ عليها في حركاتها وسكناتها .
فمثلاً :
إذا فَرِغَ العبدُ من صلاةِ الصُبْح ، ينبغي أن يُفرغَ قلبَه ساعةً لمشارطةِ نفسهِ
فيقولُ للنفس :
ماليَ بضاعة إلا العُمُر ،
فإذا فَنِيَ مني رأس المال وقعَ اليأسُ من التجارةِ وطلبِ الربح
فليقُل أحدُنا الآنَ قبلَ الموت :
يا نفس ، اجتهدي اليومَ في أن تعـمُري خِزانتكِ ولا تدعيها فارغة ،
ولا تَميلي إلى اليأسِ والدَعَةِ والاستراحة فيفوتكِ من درجاتِ عليينَ
ما يُدْرِكه غيرَكِ .
المقامُ الثاني : المراقبــة :
إذا أوصى الإنسانُ نفسَهُ وشَرَطَ عليها ، لم يبقَ إلا المراقبة لها وملاحظتها
وفي الحديثِ الصحيح في تفسيرِ الإحسان ،
لما سُئِلَ عنهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال :
( أنْ تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك )
فمراقبة العبد نفسَه في الطاعة هو أن يكونُ مخلصاً فيه! ،
ومراقبته في المعصيةِ تكونُ بالتوبةِ والندمِ والإقلاع ،
ومراقبته في المباح تكونُ بمراعاةِ الأدب والشكرِ على النعيم ،
وكلُّ ذلك لا يخلو من المراقبة .
المقام الثالث : المحاسبةُ بعدَ العمل :
اعلم أن العبدَ كما ينبغي أن يكونَ له وقتٌ في أولِ النهار يشارطُ فيهِ نفسه ،
كذلك ينبغي أن يكونَ له ساعةٌ يطالبُ فيهِ نفسه في آخرِ النهار
ويحاسبُها على جميعِ ما كانَ منها ، كما يفعلُ التُجّار في الدنيا معَ الشُركاءِ
في آخرِ كل سنةٍ أو شهرٍ أو يوم .
المقام الرابع : معاقبةُ النفسِ على تقصيرِها :
اعلم أن العبدَ إذا حاسبَ نفسهُ فرأى منها تقصيراً ، أو فعلَتْ شيئاً من المعاصي ،
فلا ينبغي أن يهملَها ، فإنه يَسْهُلُ عليهِ حينئذٍ مقارفةُ الذنوب ويعسرُ عليه فِطامُها ،
بل ينبغي أن يعاقبها عقوبةً مباحة ، كما يعاقبُ أهلَهُ وأولادَه .
وكما رويَ عن عمر رضي الله عنه :
أنه خَرجَ إلى حائطٍ له ثم رَجعَ وقد صلى الناسُ العصرَ ، فقال :
إنما خرجتُ إلى حائطي ورَجعتُ وقد صلى الناسُ العصرَ ،
حائطي صدقةٌ على المساكين .
المقام الخامس : المجــاهدة :
إذا حاسبَ الإنسانُ نفسَه ، فينبغي إذا رآها قد قارفت معصيةً أن يُعاقبـَها كما سبق ،
فإن رآها تتوانى للكسلِ في شيءٍ من الفضائلِ أو وِرد من الأوراد ،
فينبغي أن يؤدبـَها بتثقيلِ الأورادِ عليها ، كما وردَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه ،
أنه إذا فاتته صلاةٌ في جماعةٍ فأحيا الليلَ كلَّه! ُ تِلكَ الليلة ،
فهوَ هُنا يجاهدُها ويُكرِهُهَا ما استطاع .
المقام السادس والأخير : معاتبةُ النفسِ وتوبيخُـها :
قال أنس رضي الله عنه :
سمعتُ عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه ،
وقد دخلَ حائطاً ، وبيني وبينه جدار ، يقول :
عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين !! بخٍ بخ ،
واللهِ لتتقينَ الله يا ابن الخطاب أو ليُعذبنَّك ! .
أخي الحبيب :
اعلم أن أعدى عدوٍ لكَ نفسُكَ التي بين جنبيك ، وقد خُلِقتْ أمارةً بالسوءِ
ميالةً إلى الشرورِ ، وقد أُمرتَ بتقويمها وتزيكتها وفطامها عن موارِدِها ،
وأن تقودَها بسلاسلِ القهْرِ إلى عبادةِ ربِها ، فإن أنتَ أهملتها ضلّتْ وشَرِدتْ ،
وإن لزمتَها بالتوبيخِ رَجونا أن تصيرَ مُطمئنة ، فلا تغفلنّ عن تذكيرِها .
أخي الحبيب :
كم صلاةٍ أضعتَها ؟
كم جُمُعَةٍ تهاونتَ بها ؟
كم صدقةٍ بَخِلتَ بها ؟
كم معروفٍ تكاسلتَ عنه ؟
كم منكرٍ سكتَّ عليه ؟
كم نظرةٍ محرمةٍ أصبتَها ؟
كم كلمةٍ فاحشةٍ أطلقتها ؟
كم أغضبتَ والديك ولم ترضِهِما ؟
كم قسوتَ على ضعيفٍ ولم ترحمه ؟
كم من الناسِ ظلمتَه ؟
كم وكم ... ؟
إنا لنفـرحُ بالأيـامِ نقطعُـها *** وكـلَّ يومٍ يُدني من الأجـلِ
فاعمل لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ
هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم ،
وصلى الله وسلمَ وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعين .
تم بحمد الله تعالي