المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 3656


حور العين
12-27-2016, 02:28 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ داوم تصل ]

طالب الشفاء اليوم لا ينال مراده بعبادة يوم وليلة ، بل لا بد من مداومة ،
وقد تبين في حديث العسل أن المريض لم يجد أثر الدواء حتى تناول ثلاث
جرعات ، وليس ذلك في أمراض الأبدان فحسب بل في أمراض القلوب
كذلك ، فالنفس لا تقبل أثر الطاعة ولا تتشرب فائدتها إلا بعد مدة ومواظبة
عليها ، ذلك أن عقبة البدء كؤود ، يصعِّبها الشيطان عليك ، ويضع أمامك
الحواجز والمثبطات ، لكن مع البدء وبداية تسلل الإيمان إلى القلب ،
وانتشار حلاوته في الروح ، تلين القلوب للطاعة ويستنير الصدر للإنابة ،

وصدق ابن الجوزي حين قال :
" إذا استقام للجواد الشوط لم يُحوِج راكبه إلى السوط " .

وضرب لنا أبو حامد الغزالي مثلا ليقنع كل يائس من الشفاء بجدوى
المحاولة وحتمية الشفاء إذا جدَّ في السعي ، وقلَّد الصالحين
الذين جاهدوا ( وفعلوا بها ما يُفعل بالبازي إذا قُصِد تأديبه ونقله من
التوثُّب والاستيحاش إلى الانقياد والتأديب ، فإنه يُحبس أولا في بيت مظلم
، وتُخاط عيناه حتى يحصل به الفطام عن الطيران في جو الهواء ، وينسى
ما قد كان ألِفه من طبع الاسترسال ، ثم يرفق باللحم حتى يأنس بصاحبه
ويألفه إلفا إذا دعاه أجابه ، ومهما سمع صوته رجع إليه ، فكذلك النفس
لا تألف ربها ، ولا تأنس بذكره إلا إذا فُطِمت عن عادتها بالخلوة والعزلة
أولا ؛ ليحفظ السمع والبصر عن المألوفات ، ثم عُوِّدت الثناء والذكر
والدعاء ثانيا في الخلوة حتى يغلب عليها الأنس بذكر الله عز وجل
عوضا عن الأنس بالدنيا وسائر الشهوات ، وذلك يثقل على المريد
في البداية ، ثم يتنعم به في النهاية ؛ كالصبي يفطم عن الثدي ،
وهو شديد عليه إذا كان لا يصبر عنه ساعة ، فلذلك يشتد بكاؤه وجزعه
عند الفطام ، ويشتد نفوره عن الطعام الذي يُقدَّم إليه بدلا عن اللبن ،
ولكنه إذا مُنِع اللبن رأسا يوما فيوما وعظم تعبه في الصبر عليه وغلبه
الجوع تناول الطعام تكلفا ، ثم يصير له طبعا ، فلو رُدَّ بعد ذلك إلى الثدي
لم يرجع إليه ، فيهجر الثدي ، ويعاف اللبن ، ويألف الطعام ، وكذلك الدابة
في الابتداء : تنفر عن السَّرج واللجام والركوب ؛ فتُحمل على ذلك قهرا ،
وتُمنَع عن السرج الذي ألفته بالسلاسل والقيود أولا ، ثم تأنس به بحيث
تترك في موضعها ، فتقف فيه من غير قيد ، فكذلك تُؤدَّب النفس
كما تؤدَّب الطير والدواب ) .

إن النفس إذا وجدت لذة العبادة ، وأحست بأثر جرعات الدواء بدد فيها
نور اليقين ظلام المادة ، وأطفأ برد العفو نار الذنب ، كالرضيع الذي
يستغني عن اللبن بألوان الأطعمة المختلفة ليزهد بعدها في ثدي أمه ،
والمعنى أنك كلما تناولت جرعة دواء زادت سرعة سيرك ، وانتفض قلبك
وكأنما نشط من عقال ؛ ذلك أن المسافر إذا عاين البلد التي يريد دخولها
أسرع واستحث دابته على السير بغير ما كانت عليه عند بدايات سفره
والهدف عنه غائب ، وكذلك القلب إذا ذاق حلاوة الإيمان ووجد أثر العافية
صار أقوى عزما وأشد قوة لقربه من غايته وتلمح قلبه لأنوار
ما سعى إليه.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين