المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأنيب الضمير


حور العين
02-12-2017, 10:57 AM
من:الأخت / غـــرام الغـــرام
تأنيب الضمير
نورة العطوي

صاحب الضمير الميت لا يتوانى عن ارتكاب أيّ نوع من الفساد
أحدثت التغيرات المتسارعة في شؤون المجتمع تأثيراً واضحاً على شخصية
إنسان اليوم، وذلك على مستوى القيم والأخلاق والمفاهيم،
فمن يشاهد ويتابع المشهد العام لمختلف مناحي وجوانب الحياة اليومية
يجد أمامه الكثير من السلوكيات والمظاهر المجتمعية التي باتت مألوفة وشائعة،
وذلك على الرغم من فداحتها وخطورتها في بعض الأحيان،
فمن بهتان وغيبة ونميمة وتملُّق ونفاق، إلى احتكار ورشوة وانتهازية
ونفعية مقيتة، ومن تفريط في مسؤولية الأبناء وتساهل في واجبات العمل
وتجاوز صريح للأنظمة، إلى ظلم وابتزاز وعنف وفساد وخيانة وتنافسية
سلبية ووشاية مدمرة، والمشكلة أنَّها إن لم تُفرّق الأسر والأرحام،
كانت سبباً في فصل أحدهم عن عمله أو ابتعاده عن أصدقائه المُقرَّبين.

نعم لقد ضعف الضمير لدى البعض، وغاب أو لنقل تعطّل ومات عند آخرين،
حيث بات لكل عمل لا أخلاقي ومشبوه حجج جاهزة وتبريرات لا منطقية،
فلا نفس تلوم صاحبها على تقصيره أو تفريطه،
ولا وجع يؤنِّب ضميره أو يعتصره ندماً وألماً،
ليتمادى هذا الفرد ويتمادى معه غيره في ارتكاب سلوكيات وممارسات
قد تكون السبب الأول لكثير من أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية اليوم.

ويبقى الضمير المتيقظ هو صوت الرقابة والمحاسبة والتقويم،
كما أنَّه يظل القانون المحكم للالتزام والإتقان،
وهو أيضاً السد المنيع لمواجهة الفساد ومظاهرة،
ومتى ما كانت ضمائر المجتمع متيقظة وحاضرة،
فإنَّ ذلك سينعكس على الوعي والإنجاز والتميّز،
فهل لا زالت مشاعرنا باقية كما هي، في ظل تغيّر ظروف الحياة وقسوتها
ودخول متغيرات عدَّة على حياتنا؟.

تغيّرات مجتمعية
وأوضح ( م ) أنَّه يسمع أحياناً مبررات عجيبة لبعض التصرفات
والسلوكيات السلبية، مضيفاً أنَّ العبرة ليست في غياب الضمير
عند لحظات الضعف أمام منصب أو حفنةٍ مال أو منفعة،
فالإنسان بطبعه غير معصوم عن الخطأ،
بيد أنَّ العبرة هي في صحوة وتأنيب الضمير،
وما الذي سيخسره المجتمع إلى أن يأتي الوقت الذي يستيقظ فيه الضمير،
وإن هو استيقظ هل سيستجيب صاحبه أم لا؟.

وأضاف أنَّ التغيّرات الاجتماعية التي حدثت في المجتمع هزت قيم ومبادئ البعض
وفرضت هيمنتها وقسوتها على حياتهم، مشيراً إلى أنَّ أيام البساطة انتهت
بانتهاء الزمن الجميل، مُضيفاً:
كثيراً ما أصادف أشخاصاً يترحَّمون على تلك الأيام التي لم يكن فيها الحقد
والانتهازية معروفة بهذه الصورة الموجودة اليوم،
حيث أصبح هناك من يتكلَّف ويصطنع واقعا مختلفا،
الأمر الذي قد يضعف هؤلاء أمام المُغريات غير المشروعة

ثورة المعلومات
وأشارت ( ر) إلى أنَّ ثورة المعلومات والتغيّرات المتلاحقة في الحياة الحديثة
ساهمت في انشغال البعض عن صوت بداخلهم قد يكون له دور في حل كثير
ممَّا يعترض حياتهم اليومية، مُضيفةً أنَّه رغم كثرة المتغيرات التي اقتحمت حياتنا،
إلاَّ أنَّ الضمير لم يمت بعد، لكنَّ هناك من يصمّ أذنيه عن سماع صوته
فيتجاهله تاركاً له الحبل على الغارب، مُشدِّدةً على أهمية أنَّ يبقى صوت
تأنيب الضمير يعمل كالمنبه في حياتنا، بحيث نستمع له ونراجع أخطاءنا.

مظاهر زائفة
وأكدت (ع )على أنَّ نظرة تقييم الأشخاص لكثير من الأمور تغيّرت عن السابق،
حيث طغت الماديات والاهتمام بالمظاهر الزائفة على حساب المبادئ
والقيم والعلاقات الإنسانية، مُضيفةً أنَّ الضمير يبقى هو الرادع الأول للإنسان
مهما كانت صرامة القوانين والأنظمة التي قد تُستغل ثغراتها،
مُشيرةً إلى أنَّ التربية السليمة والتمسُّك بالقيم والأخلاق الحسنة
تلعب دور مهم في تقوية دعائم الضمير عند أفراد المجتمع بشكلٍ عام.

وقالت: "هناك من هم ضحايا تربية فاشلة، إذ انتهجت أسرهم أساليب خاطئة
في التربية، حيث أوجدوا لكل سلوك مرفوض شرعاً وعرفاً مخرجاً ومبررا،
وبالتالي سادت لديهم الأنانية المقيتة ،
مُضيفةً أنَّها كثيراً ما تشعر بوخز تأنيب الضمير تجاه أيَّ موقف يتعلق بتقصيرها
مع عائلتها أو عملها أو في حال اتخاذها قرارات عاجلة،
في حين ترى أنَّ هناك من يتعامل مع واجباته الوظيفية والعائلية بلا مبالاة،
مؤكدةً على أنَّ المجتمع حتما لا يخلو من أصحاب الضمائر الحية وإن أخطأوا.

تقوية الضمير
ولفت د. محمد السيف – متخصص في علم الاجتماع–، إلى أنَّ هدف التربية
هو تقوية الضمير أو ما يسمى في علم النفس "الأنا العليا"،
مُضيفاً أنَّ مصادر التربية في مجتمعنا قبل الانفتاح الثقافي والإعلامي الواسع
والاتصال الثقافي المتعدد المرتكز على "الإنترنت" كانت من الداخل
محددةً بالمؤسسة الرسمية التي يقودها الدين، فكانت القيم والمعايير واحدة،
ممَّا زاد من الضمير وتأنيبه، إذ أنَّ الأنا العليا أقوى من الهوى،
وهو ما ساعد على ردع الشهوات وتعزيز الأنا.

وأضاف أنَّ مصادر تربية أفراد مجتمعنا المحليّ بعد العام (١٤١٢ه) تعددت،
حيث دخلت مصادر خارجية تتباين مع ثقافة المجتمع الأصلية المبنية على الدين،
وبالتالي ظهرت قيم متناقضة ومعايير غير متجانسة،
كما اختلف النَّاس حول الحلال والحرام والمكروه والمرغوب،
ممَّا أثَّر سلباً على الضمير الأخلاقي وتأنيب الضمير وضعف الأنا العليا،
مُشيراً إلى أنَّ ذلك انعكس سلباً على العلاقات الاجتماعية،
كما تعددت بعض السلوكيات التي تخالف الدين، كقطيعة الرحم والمكر
والخديعة والغش.

مجتمع تقليدي
وبيَّنت د.سلوى الخطيب -أكاديمية بجامعة الملك سعود-،
أنَّ جزءًا من أسباب موت أو ضعف الضمير لدى البعض
يرجع إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في مجتمعنا،
مُضيفةً أنَّ المجتمع السعودي التقليدي كان مجتمعاً صغيراً متجانساً
يغلب عليه العلاقات الحميمة وعلاقات الوجه بالوجه،
إلى جانب أنَّ الإيثار والتضحية في سبيل القبيلة كانت هي السمة البارزة
في هذا المجتمع، كما كانت القيم والمعايير واحدة والجرائم محدودة.

وأشارت إلى أنَّ الجرائم تكاد تكون معدومة سابقاً،
وذلك لسيطرة الضمير الجمعيّ على سلوك الأفراد،
بيد أنَّ الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي عمَّت المجتمع نتيجة اكتشاف النفط
وتزايد النمو الحضري، أدَّت إلى إحداث العديد من التغيرات الجوهرية
في بنية المجتمع وفي علاقات أفراده، ممَّا أدَّى إلى ارتفاع معدلات الجريمة
وتزايد المشكلات الاجتماعية في مجتمعنا، الأمر الذي يشير إلى ضعف الضمير
الجمعي في المجتمع.

قيم سامية
وأضافت د.سلوى الخطيب أنَّ البعض قد يتساءل عن سبب موت الضمير
لدى بعض الأفراد، وعن ما يجعل البعض لا يشعرون بتأنيب الضمير
وهم يفسدون في الأرض ويستبيحون الغدر والكذب والخيانة وقول الزور،
وكيف يرتاحون وهم يغتابون الآخرين؟، موضحةً أنَّ هناك عدة أسباب
لموت الضمير، ومنها ضعف الوازع الأخلاقي لدى الفرد،
حيث أنَّ الأخلاق والقيم الإنسانية السامية تُعدُّ مصدراً هاماً من مصادر الضبط
الاجتماعيّ، ووسيلةً رادعة لكبح زمام الرغبات الشهوانية لدينا كأفراد.

ولفتت إلى انتشار نزعة الأنانية التي تدفع الفرد إلى التفكير في مصلحته أولاً،
في حين يتجاهل مصلحة الآخرين، مُبيِّنةً أنَّ الإنسان الأنانيَّ لا يُحبُّ إلاَّ نفسه،
كما أنَّه لا يفرح لفرح الآخرين ولا يحزن لحزنهم،
فهو لا يرى في هذا الكون إلاَّ نفسه، كما أنَّ حياته تدور حول محور واحد فقط
هو ذاته، إلى جانب سيطرة النزعة المادية التي تجعل الفرد
يسعى إلى الربح السريع بأيّ طريقة كانت، بغض النظر عمَّا سيُضحيّ به
من مبادئ وقيم في سبيل الحصول على هذا المال.

موت الضمير
وأوضحت د.سلوى الخطيب أنَّ كل ما نراه اليوم من إرهاب وخيانة
من بعض الأفراد أو الجماعات إنَّما هو بسبب موت الضمير،
فموت الضمير آفة ومرض عضال يهدد سلامة الفرد والأسرة والمجتمع؛
لأنَّ صاحب الضمير الميت لا يفكر إلاَّ في مصلحته الشخصية،
مُشيرةً إلى أنَّه يمكن أن يُضحيّ بدينه وقيمه ومبادئه ووطنه وأحبائه وأصدقائه
في سبيل مصلحته الشخصية، إذ أنَّه يُطبِّق هنا مقولة: "أنا ومن بعدي الطوفان"،
مُضيفةً أنَّ أهم الانعكاسات السلبية لموت الضمير تتضمَّن التهاون
في أداء الواجبات المتوقعة من الفرد.

وأضافت أنَّ هذه الواجبات قد تشمل حقوق الله أو حقوق الآخرين،
أو حتى في حق نفسه، موضحةً أنَّ صاحب الضمير الميت يهمل في أداء واجباته،
في ظل ارتفاع معدلات الجرائم والمشكلات الاجتماعية
والتعدّي على حقوق الآخرين، لافتةً إلى أنَّ صاحب الضمير الميت لا يتردَّد مطلقاً
في التعدِّي على حقوق الآخرين إذا كانت في سبيل مصلحته،
فهو لا يشعر بمشاعر الآخرين أو بالظلم الذي قد يقع عليهم نتيجة أنانيته
أو تقصيره في أداء واجبه.

وأكَّدت على أنَّ صاحب الضمير الميت لا يتوانى مطلقاً عن ارتكاب
أيّ نوع من الفساد، سواءً كان هذا الفساد ماليّا أو إداريّا أو أخلاقيّا مادام يُدرُّ عليه
ربحاً أو منفعة، فالمصلحة الشخصية هي التي تهمه في المقام الأول،
مُشيرةً إلى أنَّ ما يرتكبه صاحب الضمير الميت من ممارسات وجرائم
واعتداءات على حقوق الآخرين، ستؤدِّي إلى تفكك المجتمع وانهياره،
لأنَّه إذا فكر كل فرد في نفسه فقط ووضع مصلحته الشخصية
قبل مصلحة الآخرين، فإنَّ المجتمع سيتفكك وسينهار بناؤه.