المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هدية النجاح من الرمزية إلى حفلات البذخ


حور العين
02-18-2017, 04:53 PM
من: الأخت / غـــرام الغـــرام
هدية النجاح من الرمزية إلى حفلات البذخ


المبالغة فيها تصنع وعياً كاذباً بقدرات جيل متضخّم الذات مهزوز الثقة
يعتمد على المظاهر هدية النجاح من الرمزية إلى حفلات البذخ
يحرص الكثير من أولياء أمور الطلاب على مكافأة أبنائهم الناجحين
فور الانتهاء من الاختبارات الفصلية أو النهائية تشجيعاً وتحفيزاً لهم
على بذل الجد والاجتهاد ومنافسة أقرانهم على التفوق
وهو الأمر الذي جعل البعض من الطلاب والطالبات يضعون أمام أعينهم
طوال السنة الدراسية لحظة تقديم الهدايا من أولياء أمورهم.

وكانت هدايا النجاح خلال العقود الماضية عبارة عن مقتنيات رمزية
تختلف بحسب المراحل الدراسية فكل مرحلة لها ما يناسبها من الهدايا
حسب الفئات العمرية من الروضة وحتى آخر ترم من المرحلة الجامعية،
إلا أنه في السنوات الأخيرة تحولت تلك الهدايا من كونها رمزية وغير مكلفة
مادياً إلى هدايا باهظة الثمن تثقل كاهل الأسر وخصوصاً أولياء الأمور
إضافة إلى ما يحصل فيها من عدم مراعاة لشعور الأطفال الأيتام
الذين يفتقدون لحنان الأب وحنان الأم فضلاً عن الهدايا والكماليات
وكذا الحال بالنسبة للأطفال الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم وخصوصاً
إذا كانوا يجتمعون مع أقرانهم في مدرسة واحدة.

النمط الاستهلاكي
يؤكد د. عبدالله اليوسف – أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام
أن المبالغة في هدايا النجاح ظهرت في السنوات الاخيرة من قبل
بعض اولياء الامور وأصبح فيها مبالغات غير مقبولة تنذر بانعكاسات
تربوية خطيرة على الابناء والبنات والمجتمع بشكل عام.

وقال: اننا عندما نلقي الضوء على هذا النمط الجديد من السلوك الاجتماعي
يجب أن نفهمه في ضوء ثلاثة متغيرات أساسية يمر بها المجتمع
وهي الرخاء الاقتصادي والمادي، المبالغة في الصرف من دون حساب،
والرغبة في التباهي في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة،
فالرخاء الاقتصادي جعل الاسرة تنتقل من الصرف على الضرورات
إلى التجاوز للكماليات وهذا التجاوز هو جزء من السلوك الاستهلاكي
للأسرة السعودية التي اصبحت تصرف ببذخ مبالغ فيه دون حساب للمستقبل
أو الدخل، وهذا جزء من شيوع النمط الاستهلاكي المادي نتيجة التغيرات
الاجتماعية والاقتصادية والعولمة والانفتاح في مناحي مختلفة
للحياة والمجال هنا لا يسمح بالتوسع باستعراض أسباب هذه الظاهرة
ولا تداعياتها على المدى القريب أو البعيد، وهنا التركيز على الابعاد السلبية
للظاهرة وليس على اسباب بروزها ولذا نعود للآثار التي تخلفها ظاهرة
المبالغة في هدايا النجاح نقول ان التحفيز على السلوك الايجابي أمر مطلوب
ويعزز السلوك ويؤكده كما أن مكافأة الناجح بشكل تعزيزي أمر مطلوب
أيضاً إلى حد معقول ومقبول وما يعتبر غير مقبول هو أن يتجاوز التعزيز
المنجز المحقق وإذا ما تجاوز التعزيز المنجز المحقق فهذا يؤدي إلى تضخم
الذات لدى الطالب وإعطائه شعورا غير حقيقي بالانجاز،

واقول ذلك من خلال ما يشاهد من المبالغة بالاحتفال بطالب أكمل الابتدائية
باحتفال مبالغ فيه، كما أن الكثير من الطلاب يحصلون على درجات
لا تعكس التحصيل الحقيقي لهم في ظل تأثر النسق التعليمي بالأنساق
الاجتماعية الأخرى فالطالب اصبح لدية هشاشة في المستوى التعليمي
ومع ذلك ينجح وقد يحصل على درجات عالية ليس المقام هنا الحديث
عن ازمة التعليم وعدم اعطاء الطالب الجرعات التعليمية المناسبة
بحيث اصبح من النادر أن نسمع عن طالب لم يحقق الامتياز او الجيد جدا
رغم تواضع مستواه، موضحاً أنه لا يحمل المدرسة وحدها المسؤولية
ولا النظام التعليمي وإنما هي أزمة جيل وأزمة مجتمع.

تضخم الذات
وأضاف د. اليوسف: الطالب الذي يحصل على هذه المعدلات المرتفعة
وهو لا يستحقها ثم يجد التعزيز المبالغ فيه من الاسرة سيتكون لديه
وعي كاذب بقدراته وسيصبح لديه تضخم في الذات غير حقيقي
مما ينتج جيل من الجهله وإنصاف المتعلمين الذين لا يدركون النقص
لديهم وهنا نقطف نتائج المرحلة فيما بعد، هذا احد الابعاد،
أما البعد الاخر السالب للقضية هو النشر عبر وسائل التواصل والتفاخر
الاجتماعي بما اقدم لأبنائي من هدايا مبالغ فيها هذا السلوك يعزز السلوك
الاستهلاكي في المجتمع ويزيد من حدة التفاخر وتضخم الذات الاجتماعية
على مستوى ثالث هذا السلوك سيكون فيه جرح للهوية
والذات لأبناء الايتام والفقراء بحيث يولد مجتمع غير متوازن،
وإننا تجاه هذا الأمر نحتاج إلى صياغة اجتماعية لواقعنا الاجتماعي
بحيث نعيش الواقع دون مبالغة ونعود الابناء والبنات لمعرفة انجازهم
في حجمه الحقيقي حتى لا تكون الصدمة قاتلة لهم عندما يواجهون الحياة
لوحدهم،
كما أننا نحتاج الى اعادة النظر في اساليب التعليم وتجويد العملية التعليمية
والتي لا تقوم على المنهج لوحده لأن العملية التعليمة تقوم على المعلم
والطالب والمنهج وأيضاً نحتاج تحولا في الرؤية التعليمية
بحيث يصبح التعليم تربية فكرية وعقلية لإعداد جيل قادر للنهوض
بالمجتمع، ونحتاج أيضاً صياغة جديدة للأسرة السعودية لكيفية تنشئة
لأبنائها وكيف تكون مساعدا وداعما للمدرسة،
بالإضافة إلى برامج للأسرة توضح كيفية الانفاق وكيف يتوازن التحفيز
مع الانجاز حتى لا يكون تحفيزا سالبا لأننا عندما لا نستيقظ لهذه الامور
منذ البداية فقد ندفع الثمن كمجتمع لاحقا.

مظاهر"الهياط"
ويرى ( ر) – معلم – أن المبالغة في هدايا التخرج أو ما يتبعها
من إقامة حفلات للتخرج المبالغ فيها أيضاً هي امتداد لمظاهر "الهياط"
التي ابتلي فيها مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة، وقال:
للأسف الشديد مثل هذه التصرفات لا تصنع لنا جيلاً واعياً متسلحاً بالعلم
والمعرفة وإنما ينشأ لنا جيل مهزوز الثقة يعتمد في غالب أحواله
على المظاهر الكاذبة والخداعة وهو ما يحصل الآن ونشاهده
على أرض الواقع فقد تجد من الآباء من يركز جل اهتمامه على ماذا سيقدم
لابنه أو ابنته أمام الناس في حال تخطي أي منهما مرحلة من مراحل
الدراسة بغض النظر عن مستوى التحصيل الدراسي، وزاد هناك
من يقيم حفلات تخرج تفوق بتكاليفها تكاليف مناسبات الأعراس.

الإسراف والبذخ
ويقول د. فلاح الجوفان - مستشار أسري - ان ظاهرة حفلات التخرج
تحولت من مناسبة فرح وتهنئة بين الاصدقاء والأقارب إلى حفل محدود
في بادئ الأمر، ثم تطورت تلك الحفلات ولم تقف عند حدود إقامة حفل ميسر
للتعبير بسعادة التخرج أو بفرحة اجتياز مرحلة والانتقال إلى مرحلة تعليمية
أعلى بل تجاوزت ذلك إلى ما هو أكبر وأعظم،
من خلال إقامة حفلات مبالغ فيها إلى درجة الإسراف والبذخ سواء من حيث
التكلفة المادية، أو من حيث برامج ومحتويات هذه الحفلات،
كما أن حفلات التخرج كانت في الماضي لخريج أو خريجة الجامعة فقط
ثم تطورت في هذه السنوات حتى شملت خريج الثانوي والمتوسط
والابتدائي. وأضاف: " الإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان
ومنه البذخ والتبذير وإنفاق المال في غير محله،
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أنفق درهما في غير حقه فهو سرف
والله ذم الإسراف في اثنتين وعشرين آية من القرآن، وعاب فاعله،
قال تعالى:

{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا }
الفرقان: 67
وقال عز وجل:

{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
الأعراف: 31 ،

وأمرنا سبحانه وتعالى بالاعتدال وإعطاء الشيء حقه والتوسط في الأمور
وإنفاق الأموال فيما يعود بالنفع، والابتعاد عن الإسراف والتبذير
وإلا ستكون العاقبة مخيفة والنهاية وخيمة،
كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاسراف والتبذير
فعن خَوْلَة الأنصارية قالت: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:

( إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة )
رواه البخاري

وعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه
أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم قال:

( لا تزول قَدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: عن عمره فيمَ أفناه؟
وعن عِلْمِه فيمَ فعل؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه )
رواه الترمذي
وتابع د. الجوفان قائلا "تكمن المشكلة إذا كان التبذير والإسراف
في تلك الحفلات لأجل التعالي والتفاخر أو للرغبة في البروز،
إذ يكون الاسراف مقرونا بالكبر والخيلاء،
والله كما نهى عن التبذير والإسراف فقد نهى عن الكبر والتباهي والخيلاء،
وهي أخلاق مذمومة فالقادر على الإنعام بها قادر على أن يسلبها،
والتاريخ شاهد بالعلاقة بين الإسراف والتبذير وبين الهلاك والفناء،
فكلما زاد الإسراف زاد خطر الهلاك والاندثار.