المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اهتمام الإسلام بالجدارة الإدارية


حور العين
05-03-2017, 09:37 PM
من:الاخت/غرام الغرام


http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9642

اهتمام الإسلام بالجدارة الإدارية

( الجزء الأول )

اهتمام الإسلام بالجدارة الإدارية.

1ـ دعوة الشريعة الإسلامية إلى إحسان العمل:

أولى الإسلام الجدارة الإدارية إهتماما كبيرا,

وخص من يقوم بإدارة مال الغير على إختياره بناءا على مقاييس موضوعية,


قال تعالى: { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ

لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }.

(سورة النساء, الآية: 5)

وقد أورد إبن كثير في تفسير هذه الآية: أن الله تعالى ينهى عن

تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياما

, أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها.

(إبن كثير, ج1, ص: 389)

والله حسن يحب الإحسان في كل شيء وأدائه بأحسن كفاءة ممكنة.

قال تعالى: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ }

(سورة السجدة, الآية: 7)

كما شجع الإسلام على إحسان العمل,

وأن من يحسن عمله يحصل على الجزاء والأجر من الله في الدنيا والأخرة,

قال تعالى: { إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا }.

(سورة الكهف, الآية: 30)


كما وضع الإسلام المؤمن الذي يجيد عمله ويتقنه في مكانة سامية,

فقد روي عن بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يحب المؤمن المحترف ).

(زكي الدين, ص: 524),

وقد روي عن عبد الرازق في مصنفه عن شداد بن أوس قال:

حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إثنين

قال: ( إن الله محسن يحب الإحسان ),

فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة,

وليحد أحدكم شفرته ثم ليرح ذبيحته.

(رواه الطبراني, صحيح الجامع الصغير, ص: 374),

ولقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عددا من الصحابه

إلى بعض البلاد التي لا تدين بالإسلام لكي

يتعلم المسلمون منهم صناعة بعض الإسلحة

التي لم تكن موجودة عندهم أو موجودة ولكنها تحتاج إلى

تحسين وصقل مهارات وتطوير. (طنطاوي, 1991, ص: 26)

كما يدعو الإسلام إلى إحسان العمل بجدارة من خلال

كافة مراحل الإنتاج أو مراحل تقديم الخدمة,

بحيث يكون المنتج النهائي في أحسن صورة

ويحقق كافة رغبات المستفيد,

قال تعالى: { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا

فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا }.

(سورة الكهف, الآية: 96- 97),

وفي تعليق الشيخ الشعراوي على هذه الآية:

أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن نتقن أعمالنا في الدنيا,

بحيث نحقق الهدف المطلوب منها,

بحيث يكون لكل عمل هدف ومطلوب تحقيق هذا الهدف,

فمثلا صناعة الكرسي على إطلاقه وبجميع أنواعه له هدف هو

أن يجلس عليه الناس ولذلك عند صناعته نلتفت إلى شيئين-

أن يكون قويا ومتينا- وأن يكون مريحا للشخص الذي يجلس عليه,

كما علمنا القرآن ذلك في صناعة سد يأجوج ومأجوج.

(الشعراوي, 1990, ص: 96)


فالقوة هي المؤهل الأول لتولي المناصب والوظائف،

وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمن القوي، فقال:

(المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف)

(رواه مسلم)


والقوة في الوظيفة تختلف من مجال لآخر،

وهي في كل مجال بحسبها، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: القوة في كل ولايةٍ بحسبها،

فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب والخبرة بالحروب والمخادعة فيها،

والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام.

والقوة بالنسبة للموظف نوعان:

جسدية، ومعنوية؛

فالجسدية: هي قدرته على القيام بالعمل بأن لا يكون فيه

عاهة أو مرض يمنعه من القيام بالعمل،

والمعنوية: تعني القوة العلمية، والتي تشمل التمكن في التخصص، واستغلال القدرات والإمكانات، ومتابعة التطوير والتجديد،

وهذا النوع من القوة مقدم على القوة المادية.

والذي يشعر أن فيه ضعفاً - بسببٍ صحيّ ، أو نفسيّ ،

أو قلةٍ في الخبرة - عليه أن ينصح لإدارته ولا يطلب أكثر من حقه،

لأنه في الغالب لا يقوم بالعمل بشكل كامل،

بل على الإدارة أن لا توليه هذا العمل الذي لا يستطيعه،

فقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ:

( يا أبا ذرّ، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي

لا تأمَّرنّ على اثنين، ولا توَلينّ مال يتيم)

(رواه مسلم)


نماذج الجدارة في الإسلام:

لقد إهتم الإسلام بمحتوى الجدارة ذات التأثير على

مستوى أداء كل وظيفة, وهناك العديد من النماذج التي تسوقها الشريعة الإسلامية

والتي تبين أهمية التباين بين هذه الجدارات حسب نوع الوظيفة, في إشارة إلى أهمية تحديد الجدارات الملائمة للوظيفة,

حتى يستطيع من يقوم بشغلها أن يؤديها على أكمل وجه.

(ربيعي, 2007, ص: 278)

1ـ نموذج الأجـير:

وهذا النموذج يبين أهمية إختيار الفرد بناء على الجدارات

التي يتمتع بها لأداء العمل المنوط به,

قال تعالى: { قالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}. (سورة القصص, الآية: 26),

فقد طلبت إبنة شعيب من أبيها إستئجار موسى عليه السلام

ليعمل عندهم أجيرا, وقد حددت من الجدارات التي

يتمتع بها موسى لأداء هذه الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة,

والتي تشمل (القوة- الأمانة), وقد ورد في التفسير: أن

موسى عليه السلام أولى بهذا العمل, فإنه جمع القوة والأمانة وخير أجير إستأجر من جمعهما أي القوة والقدرة على ما استؤجر عليه,

والأمانه فيه بعدم الخيانة, وهذان الوصفان ينبغي إعتبارهما في كل من يتولى هذا العمل, فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد أحدهما,

وأما إجتماعهما فإن العمل يتم ويكمل. (السعدي, 2002, ص: 674)

ومما تقدم يمكن إستنباط معيارين من أهم معايير

إختيار القائد التربوي وهما القوة والأمانة,

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيهما: والقوة في كل ولاية بحسبها والأمانة ترجع إلى خشية الله، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا،

وترك خشية الناس.

(ابن تيمية, 1990, ص: 13)

وعليه فمن الأمانة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب،

والرجل المناسب هو المؤهل لشغل وظيفة ما,

وكان من نتيجة هذا الإختيار هو تنفيذ موسى عليه السلام

للإتفاق مع شعيب عليه السلام ووفائة بالأجل بالعمل عنده عشرة أعوام,

قال تعالى: { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ}.

2ـ نموذج الملك المقاتل:

وهذا النموذج يبين لنا أهمية تحديد الجدارات المناسبة

والملائمة واللازمة لتأدية واجبات الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة.

فقد طلب الملأ من بني إسرائيل من نبيهم يوشع بن نون

قتال هؤلاء الأعداء الذين قاتلوهم, وأخرجوهم من ديارهم,

وسبيت أولادهم, ويعين عليهم قائدا حربيا لتحقيق هذه الغاية,

فقال لهم نبيهم يوشع بن نون إن الله إختار لكم طالوت

ليكون ملكا حربيا عليكم فاعترضوا على ذلك الإختيار.

(إبن كثير, ج1, ص: 260),


قال تعالى:

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا
أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ

سَعَةً مِنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً

فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

.(سورة البقرة, الآية: 247)

وكان من المفترض على أولئك النفر من بني إسرائيل

عدم الإعتراض على نبيهم والتسليم لإختيار الله تعالى,

إلا أنهم إعترضوا على هذا الإختيار حيث لم يتمتع طالوت

بأي من معايير الجدارة التي أرادوا توافرها في الملك المقاتل,

والتي تشمل:

♠ أن يكون من بيت الملك: سبط يهوذا فيهم,

وأما طالوت فهو لم يكن من هذا السبط ولكن كان رجلا من أجنادهم.

♠ أن يكون غنيا: وأما طالوت فهو فقير لا مال له.

(إبن كثير, ج1, ص: 260)


أما معايير الجدارة التي حددها لهم نبيهم يوشع بن نون

لإختيار القائد المقاتل والتي ترتضيها الفطرة السليمة والملائمة هي تلك المعايير الملائمة لأداء العمل والتي يجب أن يكون:

♠ إختيارره وفق شرع الله: { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ }.


♠ العـلم: علم بطرق القتال وعلم بأنواع السلاح وعلم بكيفية

إختيار الجند وتمحيصهم, وعلم بالنواحي النفسية للجند,

وعلم بمواقع الأعداء والظروف الطبيعية

والشورى في إتخاذ القرار...... إلخ.

♠ القـوة: وة بدنية, قوة عقلية, وعدم التردد والحزم,

وقوة في العزم والتصميم على بلوغ الهدف..... إلخ.

♠ أشكال في الجسم والهيبة: سلامة الأعضاء, وسلامة الحواس,

وضخامة البنيان.

وقد ورد في التفسير توضيح لصفات الجدارة التي يتمتع بها طالوت:

أنه أعلم منكم وأنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرا في الحرب ومعرفة بها. (إبن كثير, ج1, ص: 261)

{ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

: أي عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحق,

في إشارة للإهتمام بالجدارات الملائمة لأداء الوظيفة.

(إبن كثير, ج1, ص: 260)


إن المتتبع لهذه القصة يلاحظ أيضا من الجدارات المطلوبة

في القائد الحربي, والتي تميز بها طالوت,

بعد الجدارات الأساسية من العلم والقوة في البنيان,

مثل: الصبر, والثقة في الله بالنصر, والقدرة على التوجيه والإشراف,

والقدرة على تحديد مهارات الجند اللازمة لأداء المهام الصعبة وذلك بإختياره لداود لقتل جالوت.

(ربيعي, 2007, ص: 281)

ونلاحظ أن الشريعة الإسلامية أسقطت تماما المهارات

أو الجدارات التي ليس لها تأثير على الوصول إلى الهدف

أو آداء العمل كأن يكون القائد ذا مال أو من طائفة بعينها,

فالأجدر للوظيفة هو من تتوافر فيه الصفات التي يتطلبها العمل,

حتى يستطيع أداء واجبات الوظيفة بأحسن كفاءة ممكنة.

وكان من نتيجة هذا الإختيار بناء على هذه الجدارات

هو تحقيق الهدف بأقل الإمكانات المادية والبشرية,

قال تعالى: { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ }

.(سورة البقرة, الآية: 251)