المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لأنـك اللـه (06)


حور العين
08-23-2017, 11:10 PM
من:الأخت الزميلة / جِنان الورد


http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

لأنـك اللـه (06)

- رحلة إلى السماء السابعة

أ. *علي بن جابر الفيفي*

الدرس السادس

🖱••.¸¸.• *اللطيف* •.¸¸.••🖱

- إذا أراد اللطيف أن يصرف عنك السوء جعلك لا ترى السوء،

أو جعل السوء لا يعرف لك طريقا، أو جعلكما تلتقيان وتنصرفان

عن بعضكما وما مسك منه شيء

-- *اللطيف*

- هل لديك أمان بعيدة المنال، بينك وبينها أهوال؟



- هل أخبرك الأطباء أن لا أمل في شفاء قريب؟



- هل تشعر باليأس لأن ما يمكنك أن تفعله لن يأتي إليك

بما تتمنى حصوله؟



- إذن تعال معي لنتعرف إلى اسم الله "اللطيف" والذي ستكتشف إذا ما

تأملته أن لا مستحيل في هذه الحياة، وأن الله قادر على كل شيء، وأن

أحلامك المستحيلة ستغدو ممكنة التحقق إذا ما طرقت باب اللطيف!

-- *خفي الألطاف*

في اللغة:

"اللطيف: البَر بعباده، المحسن إلى خلقه بإيصال المنافع إليهم

برفق ولطف"،

- وتقول "لَطَفَ الله لك: أوصل إليك مرادك بلطف".

- واللطيف أصله خفاء المسلك ودقة المذهب ...

- فلن يوصل إليك إحسانه برفق إلا من يصل علمه

إلى دقائق الأمور وخفايا النفوس..

- فالله سبحانه "هو المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث

لا يعلمون، ويسبب لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون".

- فهو ذو لطف وخفاء ودقة في إكرامه وإحسانه، وفي عصمته

وهدايته، وفي تقاديره وتصاريفه.

- فمع بالغ قدرته، وعظمة علمه، وبصره بمخلوقاته، إلا إنه ذو لطف فيما

يحوط به العبد من هداية وإكرام وإحسان، لا تفجؤك أفضاله بل يسبقها

برياح البشرى، ويهيئ قلبك لاستقبالها، ثم إذا نزلت بك الأفضال جعل لها

من الأسباب التي تسبقها ما تكون بها ممهدة الوقوع، وكأنها من محض

كسب العبد وهي على الحقيقة إكرام بحت من عظيم المن والعطاء.

- وتأتي بلطفه عظائم المقادير والتي تستبعد أكثر العقول خيالا وقوعها؛

فيجعلها كائنة حاضرة، كل خيط من ذلك المقدر يمسك به قدر من لطفه،

فلا تنتبه إلا – وبقريب من المعجزات – قد بات بساحتك!

- لا تعلم كيف أمكنه أن يحدث، وتتيقن أن حولك وقوتك أقل

من أن تحدثه، فتنظر إلى السماء وتقول:

{ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ }


-- *نسيم اللطيف* :

- إذا أراد اللطيف أن ينصرك أمر ما لا يكون سببا في العادة

فكان أعظم الأسباب!

- وإذا أراد اللطيف أن يكرمك جعل من لا ترجو الخير منه

هو سبب أعظم العطايا التي تنالك!

- وإذا أراد اللطيف أن يصرف عنك السوء جعلك لا ترى السوء، أو جعل

السوء لا يعرف لك طريقا، أو جعلكما تلتقيان وتنصرفان عن بعضكما

وما مسك منه شيء!

- وإذا أراد اللطيف أن يعصمك من معصية جعلك تبغضها، أو جعلها صعبة

المنال منك، أو أوحشك منها، أو جعلك تقدم عليها فيعرض لك

عارض يصرفك به عنها!

- وعباد الله يرقبون تلك الألطاف من اللطيف، ويبصرونها ببصائرهم

وكأن كل قضاء ينالهم به بصمة لطف يدركونها وحدهم.

- عندما أراد اللطيف أن يخرج يوسف عليه السلام من السجن، لم يدكك

جدران السجن، لم يأمر ملكا أن ينزع الحياة من أجساد الظلمة، لم يأذن

لصاعقة من السماء أن تقتلع القفل الحديدي، فقط جعل الملك يرى رؤيا

في المنام تكون سببا خفيا لطيفا يستنقذ به يوسف الصديق

من أصفاد الظلم!

- ولما شاء اللطيف أن يعيد موسى عليه السلام إلى أمه لم يجعل حربا

تقوم يتزعمها ثوار بني إسرائيل ضد طغيان فرعون يعود بعدها

المظلومون إلى سابق عهدهم، لا .. بل جعل فم موسى لا يستسيغ حليب

المرضعات! بهذا الأمر الخفي يعود موسى إلى أمه بعد أن صار

فؤادها فارغا!

- ولما شاء اللطيف أن يخرج رسولنا عليه الصلاة والسلام ومن معه

من عذابات شعب بني هاشم لم يرسل صيحة تزلزل ظلم قريش، فقط

أرسل الأرَضة تأكل أطراف وثيقة الظلم وعبارات التحالف الخبيث!

فيصبحون وقد تكسرت من الظلم العُرى، بحشرة لا تكاد ترى!!

•• لغيرك ما مددت يدا

وغيرك لا يفيض ندى

•• وليس يضيق بابك بي

فكيف ترد من قصدا

•• وركنك لم يزل صمدا

فكيف تذود من وردا

•• ولطفك يا خفي اللطف

إن عادى (الشرور) عدا

- إنه اللطيف سبحانه، بأيسر الأمور يقدر أعظم المقادير، وتتم إرادته

على ما شاء، وعبده غير مدرك بأن شيئا يحدث.

-- *الصخرة*

- تنام فيجب أن تقوم تصلي بين يديه، فيرسل ريحا هادئة تحرك نافذتك،

أو طفلا من أسرتك يمر ويحدث ضوضاء بجوار غرفتك، أو حاجة شديدة

في شرب شيء من الماء؛ فتستيقظ وتنظر إلى الساعة، وبعد دقائق تكون

واقفا على السجادة تناجيه ولا تعلم أنه هو من أيقظك!

- تقود سيارتك في مرتفعات الجبال ثم فجأة ترى من الضرورة أن توقف

سيارتك جانبا لتتأكد من وجود شيء في درج السيارة (هويتك أو محفظة

نقودك) وبعد ثوان ترى أمامك صخرة عظيمة هابطة من أعلى الجبل لو

لم تقف لدكدكتك وسيارتك! فتكمل رحلتك سالما، ولا تعلم أنه

هو من أنقذك!

- تخطط لمعصيته، تخرج ليلا، تفاصيل الخطة محكمة، فجأة تمر سيارة

من بعيد، فتشك أنت أن أحدهم يراقبك، فتنغص تلك السيارة المارة فكرة

الذنب لديك؛ فتبرد إرادتك وتعود إلى بيتك، ولا تعلم أنه هو من صرفك

بلطفه عن معصيته!

•• وكم لله من لطف خفي

يدق خفاء عن فهم الذكي

•• وكم أمر تساء به صباحا

فتأتيك المسرة في العشي

•• إذا ضاقت بك الأحوال يوما

فثق بالواحد الفرد العلي

-- *الخفايا والخبايا*

- ولابد للطيف أن يكون عليما؛ فكيف يكرمك ويمن عليك ويهديك

بلطف من لا يعلم مكامن هذا اللطف؟

- ولابد أيضا أن يكون خالقا؛ إذ أن كمال اللطيف يقتضي في بعض الأمور

إيجاد ما ليس موجودا وخلقه، وها هي أسماء الله وصفاته يشير بعضها

إلى بعض، ويقتضي ويستلزم بعضها البعض،

-🖱- يقول تعالى:

{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }

- كيف لا يعلم وقد بلغ من علمه أن أخفى عطاءاته فكانت دقيقة الحضور،

هادئة النور، باهرة الشعور، كيف لهذا الرب الذي يكرم بخفاء، ويهدي

بخفاء، ويصرف بخفاء، ألا يعلم كل هذا اللطف الذي يحدثه سبحانه؟

يقول الشيخ السعدي:

"وهو اللطيف الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا،

وأدرك البواطن والخبايا".

- وها هي رؤيا أعظم رؤى البشرية يراها يوسف عليه السلام

وهو في حالة تقول كل مؤشراتها الطبيعية باستحالة تحققها!

- يحكي رؤياه فيقول:

{ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }

وتأويل الرؤيا أن أباه وأمه وإخوته الأحد عشر سيسجدون

له إكراما وتوقيرا!!

- جميع المؤشرات لا تدل على تحقق مثل هذه الرؤيا!

- فأبوه نبي كريم، كبير في السن، جليل في القدر، ولا تفضي معهودات

الأمور أن يكرم الكبير الصغير، والنبي غير النبي، والأب الابن!

- وإخوته يكرهونه فكيف سيسجدون له، بل بلغ من كرههم أن خططوا

لقتله، بل إن كرههم دفعهم لإلقائه في البئر، فهذه المؤشرات

تقول باستحالة أن يحدث سجودهم له في يوم ما!

ثم إن الأحوال تقلبت به فصار مرميا في بئر، ثم سلعة تباع وتشترى،

ثم صار عبدا في بيت عزيز مصر! وحال العبودية تلك تقضي أيضا

بتأكيد معنى الاستحالة هذه!

- ثم انتقل من كونه عبدا خادما في قصر إلى عبد حبيس في سجن!

فبعدت المسافة أكثر بينه وبين تحقيق تلك الرؤيا!!

- ولكن اللطيف سبحانه يقدر الأقدار، ويصرف الأمور، ويخرجه من

السجن، ويجعله في منصب رفيع، ثم يقدر القحط على البلاد، ثم يأتي

بإخوته في ثياب الحاجة، وما تزال أقدار اللطيف تلتف لتحقق تلك الرؤيا

القديمة؛ فيعجب يوسف لسجود والديه وإخوته

-🖱- ويقول:

{ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا }

- وإلا فلولا إرادة ربه لما تحققت ..

{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ

مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي }

- هذا اختصار للطف الذي سيطر على المشهد ثم يضع التوقيع

النهائي فيقول:

{ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ }

- نعم إنه اللطيف إذا أراد شيئا هيأ أسبابه بكامل اللطف وتام الخفاء،

حتى أنه ليقع ما يستحيل في العادة أن يقع! لأنه الله اللطيف الخبير.

-- *الأحلام البعيدة*

- إذا رأيت الأرض صفراء بلقعاً، ثم تكوّم السحاب فوقها ثم تصافعت

الرعود ونزل المطر فاهتزت تلك الأرض واخضرت فلا تقل إن مثل

هذا أمر طبيعي، وتدبر:

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً

إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

- مهما تباعدت أحلامك وصار بينك وبينها مفاوز شاسعة

فاللطيف يأتي بها:

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ

أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

، فلا تيأس وربك لطيف لما يشاء.

- تأمل حبة الخردل! إنك لا تكاد تراها إن لم تكن محدقا فيها: انظر إلى

حجمها بالنسبة لكفك، ثم بالنسبة لحجم غرفة مثلا، ثم بيت، ثم قارن

حجمها بحيك، ثم بمدينتك، ثم بدولتك، وبعد ذلك بقارتك، ثم بالأرض،

ثم بالسماوات الفسيحة، ثم ثق: إن أرادها الله فسيأتي به

{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

- فمن بلغ بلطفه أن يأتي بحبة الخردل من متاهات هذا الكون العظيم،

ألا يمكن للطفه أن يقود قدرا إليك – كل المقدمات المنظورة

لا توصله إليك، ولا تدله عليك – بلى والله.

- يصل صاحبي في رحلة شاقة من تبوك إلى حدود الأردن، عنده

في صباح الغد محاضرات في جامعة مؤتة يجب عليه حضورها،

وفي الحدود وبعد قطعه لمسافة مئة كيلومتر يتذكر أن جواز سفره

في بيته! يتكدر ويقرر العودة وعدم السفر ذلك الأسبوع..

- في الغد يقرأ في الصحف عن أن بعض طلبة الجامعة وطلاب الجامعة

خليط من جنسيات عديدة – قاموا بأعمال شغب في جامعة مؤتة

مما أسفر عن جرحى!

- اللطيف أنساه الجواز، حتى لا يرى الدم، أو حتى لا يصبح الصباح وهو

في المستشفى! أو حتى لا يتسلل الخوف إلى قلبه فيترك الدراسة التي

كان قد قطع فيها شوطا كبيرا!!

- ارقب ألطاف اللطيف، هي ولاشك تترى، في كل قدر لطف ما،

وفي كل لحظة ألطاف تحوطك من قبل اللطيف الخبير.

- لطف اللحظة الحاسمة

- انظر لنفسك حينما تدخل الغرفة في اللحظة التي كاد طفلك أن يسقط

فيها من على السرير وتساءل: لماذا الآن بالذات دخلت الغرفة؟

- تأمل ذاتك يوم أن تدخل المطبخ لتشرب الماء فإذا بك تسمع أزير

الكهرباء من فيش الثلاجة مثلا، فتفصله وأدخنة الحريق كانت في بدايتها

وتساءل: ما الذي أدخلك في هذه اللحظة بالذات؟ لماذا لم تتأخر

خمس دقائق فقط؟

- وحتى لو لم تحدث لك مثل هذه التفاصيل، فمن المؤكد أن ما هو قريب

منها قد حدث لك، فقط أطلق لذاكرتك العنان، وسوف تتذكر ظلال

اللطف وهي تغمر حياتك..

- وبعد هذا الإبحار الهادئ مع هذا الاسم العظيم، والذي لم نأت إلا

على شيء يسير من معناه، وبقي من خبايا معناه ما تركه لفهمك

وتأملك ورجوعك لكتب أهل العلم فيه.

وبعد هذا الإبحار، ألا يستحق هذا اللطيف أن تحبه؟ أن تتأمل عطاياه؟

أن تزيد في قلبك من ذكره ومراقبته ورجائه وخوفه؟

- أن تعيش مع هذا الاسم أياما.. تدعوه به، وترقب ألطافه،

وتفيض عيناك لرؤية خفي هداياته وهداياه؟

قل في خشوع:

- يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف ..

اللهم يا لطيف الطف بنا، والطف لنا، وقدر لنا من ألطافك الرحيمة ما تقوم

به عوج نفوسنا، وتهدي به ضال قلوبنا، وتجمل به شعث حياتنا.

وصلى اللهم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم

جزى الله كل من ساعد على نشر هذة الدروس كل خير