المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سمات الحوار النبوي مع أصحابه


حور العين
12-30-2017, 08:09 PM
من:الأخ / محمد الخواص



http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

سمات الحوار النبوي مع أصحابه

كان الحوار النبوي متميزًا في أمرين مهمَّيْنِ؛ هما:
1- جمال الأهداف.

2- جمال الوسائل.

جمال أهداف الحوار النبوي

لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بالحوار لكي يقطع الوقت
أو ليملأ الفراغ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يستغلُّ الحوار ليلجَّ
في الخصومة أو من أجل الظهور والغلبة، وإنما كان حواره
صلى الله عليه وسلم لأهداف رائعة، وكان كثيرًا ما يُحَقِّق أكثر من هدف
في الحوار الواحد، أو يُحَقِّق كلَّ تلك الأهداف مجتمعة، ومن هذه الأهداف:

التعارف
فقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم بالتعارف مع غيره عن طريق الحوار،
فالتعارف هدف من الأهداف الكبرى في حياة المسلم؛ حتى إن الله
عز وجل ذكره كهدف من أهداف جَعْله سبحانه الناس شعوبًا وقبائل:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [
الحجرات: 13].

تلطيف العلاقات مع الصاحب:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم الحوار ليُلَطِّفَ الأجواء بينه
وبين أصحابه؛ فقد كانوا رضي الله عنهم يحملون له توقيرًا كبيرًا قد
يجعلهم متحفِّظين في التعامل معه صلى الله عليه وسلم، بينما كان
هو صلى الله عليه وسلم يُريد أن يتلطَّف لهم ويتباسط معهم ليطمئن
على أحوالهم؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:

( كنَّا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، فلـمَّا قَفَلْنَا كنَّا قريبًا من
المدينة، تَعَجَّلْتُ على بعيرٍ لي قَطُوفٍ ، فَلَحِقَنِي راكبٌ من خلفي فَنَخَسَ
بَعِيرِي بِعَنَزَة كانت معه، فسار بعيري كأحسن ما أَنْتَ رَاءٍ من الإِبِلِ،
فَالْتَفَتُّ فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسول الله، إنِّي
حديث عهدٍ بِعُرْسٍ. قال: «أَتَزَوَّجْتَ؟» قلتُ: نعم. قال: «أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟»
قال: قلتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلاَّ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ». قال: فَلَـمَّا قَدِمْنَا
ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فقال: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً –أي عشاء- لِكَيْ تَمْتَشِطَ
الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» .)

فهكذا يتدخَّل الرسول صلى الله عليه وسلم في أخصِّ شئون الصحابة
الحياتية عن طريق الحوار؛ ليطمئن عليهم ويُوَجِّههم، وقد جاءت زيادة
في رواية أخرى لمسلم عن جابر : قلت:

( يا رسول الله، إنَّ لي أخواتٍ فخشيتُ أن تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنَّ. قال: «فَذَاكَ
إِذًا؛ إِنَّ المَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )

التعليم:
وأهم مَنْ طبَّق الحوار للتعليم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي
كان أحسن وأفضل مُعَلِّم لأُمَّته، بل للبشرية جميعًا؛ ومن ثَمَّ فمواقف حوار
الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بغرض تعليمهم تندُّ عن الحصر؛
ومن هذه المواقف ما يلي:

جلس الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم مع أصحابه، فقال لهم -فيما
يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

( «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قالوا: المفلس فينا مَنْ لا درهم له ولا متاع.
فقال: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ،
وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا،
فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى
مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ» ).

ففي هذا الحديث استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار في تصحيح
مفهوم لدى الصحابة، وهو معنى «الإفلاس» الذي يحمله العامَّة
على الإفلاس المادي، وهذا ما أجاب به الصحابة على استفهام رسول الله
صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: «المفلس فينا مَنْ لا درهم له ولا متاع».
وهنا يُصَوِّب الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المفهوم، ويربطه بيوم
القيامة، والحسابِ الذي يجري فيه، وبيَّن لهم أن الإفلاس الحقيقي هو
أن يأتي العبد بحسنات كثيرة، ولكن يأتي بمظالم كثيرة قد ارتكبها في حقِّ
العباد، فيُعطى المظلومون من حسناته حتى تفنى، فيصير مفلسًا على
الحقيقة، ثم يُطرَح عليه من سيئاتهم، ثم يُلقى في جهنم محسورًا.

وبهذا الأسلوب الفذِّ غرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس
أصحابه كراهية الإساءة إلى الناس؛ حتى لا تضيع حسناتهم، ويصيروا
من المفلسين بمقاييس الآخرة.