المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العناية بالضعفاء من محاسن الإسلام (2)


حور العين
07-08-2018, 06:55 AM
من: الأخت/ غرام الغرام

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9642

العناية بالضعفاء من محاسن الإسلام (2)

وهنا وقفتان – حفِظَكم الله -:
الوقفةُ الأولى:
في قوله – صلى الله عليه وسلم -:
( ابغُوني ).
قال أهلُ العلم: أي: اطلُبُوا محبَّتِي وقُربِي ورِضايَ في ضُعفائِكم،
وتفقَّدُوا أحوالَهم، واعتَنُوا بهم، واحفَظُوا حُقوقَهم، وأحسِنُوا إليهم قولاً
وفعلاً، واجبُرُوا قلوبَهم؛ ذلك أن نبيَّكم محمدًا – صلى الله عليه وسلم –
هو حامِلُ الكلِّ، وكاسِبُ المعدُوم، والمُعينُ على نوائِبِ الحقِّ.
فلقد كان – عليه الصلاة والسلام – يأتي ضُعفاء المسلمين بنفسِه،
يعودُ مرضَاهم، ويشهَدُ جنائِزَهم، فهو ربيعُ اليتامَى، وعِصمةُ الأرامِل،
وفي المغازي، كان – عليه الصلاة والسلام – كان يتخلَّفُ في المسِير،
فيُزجِي الضعفاء، ويُردِفُهم، ويدعُو لهم، وكان يمشِي مع الأرمَلةِ
والمسكين حتى يقضيَ حوائجهم.
الوقفةُ الثانية:
في قوله – صلى الله عليه وسلم -:
( فإنما تُرزَقُون وتُنصَرون بضُعفائِكم ).
وفي روايةِ البخاري:
( وهل تُرزَقُون وتُنصَرون إلا بضُعفائِكم ).
وقد ترجمَ لذلك الإمامُ البخاري في صحيحه فقال:
بابُ من استَعانَ بالضعفاء والصالحين في الحروب .
قال أهلُ العلم:
لا ينبَغي الاستهانةُ بشأن الضعفاءِ والعاجِزِين في أمورِ الجهادِ والنُّصرة،
ولا في مواردِ الرزقِ والمكاسب .
لماذا – رعاكُم الله -؟ لماذا كان النصرُ يُستنزلُ بالضعفاء، والرزقُ
يُستجلَبُ بالمُستضعَفِين؟
لأن النصرَ والرزقَ كليهما من عند الله، لا تجلِبُهُما الأسبابُ الماديةُ
وحدَها؛ بل للأسبابِ المعنوية عظيمُ الأثر، وبالغُ التأثير.
والضعفاءُ الذين لا حولَ لهم ولا قوةَ لا يركَنُون إلى مالٍ، ولا يأوُون
إلى جاهٍ، يعلَمُون حقَّ العلم، ومُوقِنُون حقَّ اليقين أن كفايتَهم ورزقَهم
ونصرَهم من عند الله، وأنهم في غايةِ العَجز، فتنكسِرَ قلوبهم،
وتتوجَّه إلى الله ثِقتُهم، ويصدُقَ على الله اعتِمادُهم، ويكونَ بالله
طمَعُهم، فيُنزِلُ الله من نصره ورِزقِه ما لا يُدرِكُه القادرون؛ بل يفتحُ الله
للقادرين بسببِهم من أسباب النصرِ والرزقِ والصلاحِ والطمأنينةِ
والبركات، ما لم يخطُر لهم على بالٍ، ولم يدُر لهم بخيالٍ، ولله جنودُ
السماوات والأرض، الملكُ مُلكُه، والأمرُ أمرُه، والتدبيرُ تدبيرُه،
والكلُّ تحت قَهره، لا إله إلا هو.
فإذا كان الناسُ لا يُشاهِدُون إلا الأسبابَ الحسِّيةَ، من القوةِ والشجاعةِ
القولية والفعلية، والقُدرة الظاهرة على المكاسِب، وتحصيلِ الأرزاقِ
فهذا قُصورٌ في النَّظر، ونظرٌ للأمورِ على غير حَقائِقِها، ذلك أن ثمَّة
أسبابًا معنويةً عظيمة؛ من قوةِ التوكُّل على الله، وكمالِ الثقةِ به،
وصدقِ التوجُّه والطلبِ منه.
وهذه الأمور تَقوَى وتظهرُ عند الضعفاء والعاجِزِين، فيُنزِلُ الله من
نصره ورِزقِه، ومن دَفع المكارِه، وجَلبِ المنافعِ والخيرات والبركةِ
والفتحِ ما لا يُدرِكُه القادرون.
بل إنَّه – سبحانه – يُيسِّر للقادرين بسبب الضعفاء والمُستضعَفين
من الرزقِ ما لم يكُن لهم في حسابٍ، بل قد جعلَ الله أرزاقَ هؤلاء
العاجِزِين على يدِ القادِرِين، وأعانَ القادرين على ذلك، وكلُّ هذا
مُجرَّبٌ مُشاهَد.
فتبًّا للمحرُومين، وما أعظمَ رِبحَ الموفقين.
وبعد .. حفِظَكم الله:
النصرُ بالضُّعفاء، والرزقُ بالمُستضعَفين عُدَّةٌ تُدَّخَر، ووَعدٌ لا يَخيبُ، بنصرهم
وحفظِ حُقوقهم، وحُسنِ إيمانهم، وتوكُّلهم يُدفع البلاءُ،
وتتَّسِعُ الأرزاق، ويُبارَك في الأموال والأعمال والأعمار والأوقات،
وتنتصِرُ الأمة، وتُرفَع الغُمَّة – بإذن ذي الجَبَرُوت والعِزَّة -.
فمن راضَاهم واستَرضَاهم، وقامَ على خِدمتهم، وقضَى حوائِجَهم، وسعَى
في شُؤونِهم، ورَفعِ الحَرجِ والمُعاناة والظُّلمِ عنهم، رزَقَه الله وأعانَه،
ونصَرَه وأيَّدَه، وحفِظَه ووفَّقَه وسدَّدَه، وأنزَلَ عليه برَكتَه، وزادَه من
فضلِه؛ فالضعفاءُ ليسُوا عِبئًا على الأمة؛ بل هم سَنَدُها، ومصدرُ
عِزِّها، وقوَّتها ونصرِها ورخائِها.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:
{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ
مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُم
ْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }
[الأنعام: 52].
ودينُ الإسلام يُولِي كلَّ من يُعاني أي حالٍ من أحوالِ الضعفِ اهتمامًا
كبيرًا، وإنَّ الأمة التي يشعرُ فيها الضعفاءُ من الفقراء، والمساكين، والعَجَزة،
والمظلومين، والمكلُومين من الأرامِلِ، واليتامَى، والأيامَى، والغُرباء،
وأبناء السبيلِ، الضَّعَفةُ الذين يشعُرُون بمكانتهم في الأمة، وأهميَّتِهم،
واهتِمام أصحابِ المسؤوليَّات بهم، هي أمةُ الرحمة
والعِزَّة، والتكافُل والإنسانية، وهي المرزُوقةُ المنصورةُ المحفُوظة،
الخيرُ والبركةُ والنصرُ وسَعةُ الرزقِ، واجتِماعُ القلوبِ لا يحِلُّ في
الأمةِ إلا حين تحفَظُ حُقوقَ ضُعفائِها، وتستجلِبُ رِضاها.

معالي د. صالح بن حميد
المصدر :
https://www.assakina.com/alislam/93028.html